دور الدين في السياسة الخارجية الأمريكية الأزمة العراقية نموذجا

عصام عبدالشافي

مجلة السياسة الدولية يوليو 2003 - العدد رقم 153

جاءت هذه الدراسة كمحاولة أولية للبحث في دور الدين في السياسة الخارجية الأمريكية مع تطبيق ذلك علي الأزمة العراقية‏-2003/2002-‏ وقد حرصت في هذه الدراسة علي إبراز مختلف الاتجاهات التي تناولت الموضوع فإن الواضح من هذه الاتجاهات أن هناك نوع من التجاهل والقصور في تناول وتحليل هذا الجانب وهو أمر لا يتفق وطبيعة وأهمية الموضوع محل الدراسة وخاصة في ظل التزايد المستمر في أهمية الدين ودوره ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن في العديد ممن دول العالم وهذا التزايد في حد ذاته ليس خطرا أو مصدرا للسخرية والتندر فالأمل كل الأمل أن تكون هناك عودة حقيقية لجوهر الدين في مختلف دول العالم لأنه في هذه الحالة لن نجد دينا يدعو للإرهاب أو الصراع والتدمير فالأديان السماوية الصحيحة قامت علي التسامح والتعاون لما فيه خير الأرض وعمارتها أما الإرهاب والتدمير وغير ذلك من الأساليب والسياسات فالأديان منها براء‏.‏

وإذا كان الأمر كذلك فإنني في نهاية هذه المحاولة‏-‏ البحثية الأولية‏-‏ قد انتهيت علي عدد من الاستنتاجات أو الخلاصات التي يمكن من خلال مراعاتها استكشاف جانب مهم قد يساعد علي تحليل أعمق للسياسة الخارجية الأمريكية ولدور الدين فيها ومن ذلك‏:‏

‏1-‏أنه إذا كانت الولايات المتحدة قد حسمت الصراع السياسي والاقتصادي لصالحها وصارت القطب الأوحد وتعيش علي قمة العالم إلا أن هناك‏-‏ وكما يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق‏-'‏ عفنا في بؤرة الأخلاق الأمريكية‏'‏ وهذا العفن يمكن أن يحدث انهيارا شاملا للمجتمع الأمريكي فكما يري أرنولد توينبي‏:'‏ أن سبب انهيار الحضارات أنها في نموها وازدهارها لا تلتفت إلي الأخلاق علي المستوي الفردي أو الأسري أو المجتمعي ويحدث نوع من التسيب فيستشري الفساد في الجسد من الداخل وتبقي القشرة الخارجية حيث تنهار فجأة‏'‏ وهذا هو ما يحدث في الولايات المتحدة‏.‏

‏2-‏أن القوة مكون أساسي من مكونات النموذج الأمريكي وهذا المكون حاضر عبر التاريخ إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية بسبب طبيعتها اليمينية المتشددة‏-‏ سياسيا ودينيا‏-‏ قد جسدت ما سبق بشكل واضح وبارز ووضعته موضع التحقق خاصة في مرحلة تاريخية أصبحت فيها أمريكا قوة عظمي ونموذجا منتصرا وإمبراطورية متمددة‏.‏

‏3-‏أنه لا ينبغي الاستخفاف والسخرية من الاتجاهات الفكرية التي تتناول البعد الديني في السياسة الخارجية الأمريكية لأنه مهما كان الموقف الفكري منها فهي في الأساس وجهة نظر لها احترامها وينبغي تدارسها بدرجة أعمق بدلا من توجيه الاتهامات إلي أصحابها‏.‏

‏4-‏أننا نعاني‏-‏ علي المستوي البحثي‏-‏ من غياب‏-‏ أو بالأدق تغييب‏-‏ الدراسات التي تهتم بالبعد الديني والاعتبارات الدينية التي تقف خلف سياسات الدول خشية أن تتهم بالإرهاب أو بإثارة الفتنة أو بدعم الفكر المتطرف هذا في الوقت الذي تم تشريحنا بحثيا من كل جوانبنا الحياتية وهو ما يستدعي إعادة النظر في ذلك فليس هناك ما يمنع من تناول مختلف الظواهر طالما أن ذلك يتم في إطار موضوعي يهدف بالأساس إلي زيادة الوعي الفكري والبحثي حول قضايانا المحورية والتي علي طريقة معالجتها يتوقف حاضرنا ومستقبلنا‏.‏

‏5-‏أن البعد الديني هو أحد الأبعاد الأساسية التي حركت السياسة الخارجية الأمريكية في تعاملها مع العراق في ظل تعدد المؤشرات الدالة علي ذلك ولا يجب التقليل من أهمية هذا البعد أو إنكاره وإلا كان الخطأ في أحادية التفسير وهذا غير موجود في سياسات الدول الكبري والتي تبني استراتيجياتها علي العديد من الأهداف والأبعاد الثابتة وتكون الأولوية للبعض علي البعض وفقا للفترة التاريخية التي تمر بها ووفقا للقيادة السياسية والفكرية التي تحركها والبعد الديني حاضر بقوة في الإدارة الحالية مما يعطي له الأفضلية في العديد من تحركاتها وسياساتها علي العديد من الأبعاد مع الأخذ في الاعتبار عدم تجاهل الأبعاد الأخري ولعل فيما قاله الرئيس بوش في قمة العقبة الأخيرة في وصفه لإسرائيل بأنها‏'‏ دولة يهودية نشطة أو حيوية‏'‏ دليلا علي ذلك‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw