الاستراتيجية الأمريكية فى وسط آسيا - الواقع والآفاق

حسين معلوم

مجلة السياسة الدولية - العدد رقم 147 - يناير 2002


شكلت أحداث 11 سبتمبر الماضى فرصة ذهبية للولايات المتحدة لإعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية فى العالم ، وخاصة فى منطقة آسيا الوسطى التى تفصل بين الصين شرقاً وأوربا غرباً ، حيث يمثل التمركز فى وسط آسيا المحور الرئيسى للحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان ، فأفغانستان لها أهمية استراتيجية كبيرة ، حيث تعد هى الدولة المفتاح بالنسبة لمنطقة وسط آسيا ، وهى المنطقة التى تضم دولاً مهمة متصلة جغرافياً ومشرفة على مواقع استراتيجية أمنياً واقتصادياً ، هذه الدول لم تبدأ فقط فى تعزيز استقلاليتها عن دائرة 'الهيمنة' الأمريكية ، بل أيضاً بدأت فى إقامة علاقات تفاعل وتكامل فيما بينها ، ومع دول قريبة منها جغرافياً ، وهى العلاقات التى يمكن أن تعزز استقلالية دول شرق أوربا عن الولايات المتحدة ، ويكفى تدليلاً على ذلك أن نلاحظ كمثال ، الدعوة المستمرة منذ منتصف تسعينات القرن الماضى من جانب الصين وروسيا حول ضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب ، وأن نلاحظ كمثال آخر فشل الإدارة الأمريكية وحلفائها فى تمرير مشروع العقوبات الذكية على العراق ، نتيجة رفض بعض الدول المعنية تنفيذه على الأرض ، بسبب تهديد روسيا باستخدام حق الفيتو.

هذه الأمثلة وغيرها كانت بمثابة جرس إنذار بالنسبة للإدارة الأمريكية فيما يتعلق برؤيتها للنظام العالمى الجديد الذى تريده ، ومن ثم فقد وفرت أحداث 11 سبتمبر الماضى مبرراً للولايات المتحدة للقيام بحملتها العسكرية على أفغانستان ، فمن خلال هذه الحرب من جهة ، وحملة مكافحة الإرهاب من جهة أخرى ، توافرت التغطية على الزحف العسكرى الأمريكى على وسط آسيا ، بما يتضمنه هذا من أبعاد استراتيجية تتمثل فى السيطرة على نفط بحر قزوين ، ومراقبة علاقات التعاون العسكرى 'النووى' بين القوى الآسيوية ، ثم تطويق أو محاولة تطويق القوى ذات الأهمية على الصعيدين الإقليمى والدولى، والتى يمكن أن تشكل مستقبلاً منافساً للولايات المتحدة أو معوقاً لسعيها نحو فرض نظام دولى أحادى القطبية.

إن واشنطن ترى اليوم أن الخطر الذى تمثله طالبان يقع ضمن المخاطر الكبرى على المصالح الأمريكية ، تماماً مثلما كانت إيران والعراق تشكلان تهديداً للمصالح الأمريكية فى الخليج ، وتسعى الولايات المتحدة إلى زرع نمط جديد من الصراع الإقليمى والدولى فى أفغانستان والمنطقة المجاورة ، أى منطقة وسط آسيا ، إنطلاقا من مقولة أن من يريد السيطرة على العالم لا يستطيع أن يتجنب تطويق الصين ومحاصرة إيران وكذلك الاقتراب من الهند ، وتدمير أفغانستان ، وفى هذا الإطار فإن السعى الأمريكى الدؤوب للحفاظ على وضعية القوة العظمى المهيمنة على أوسع رقعة ممكنة من العالم ، لا يمكن أن يتحقق دون إزاحة المنافسين أو محاصرتهم ووضعهم تحت التهديد ، وهو ما يطلق عليه البعض استراتيجية الاحتواء ، ولعل المثال البالغ الدلالة فى انتهاج هذه الاستراتيجية هو ما حققته الولايات المتحدة ضد إيران أولاً ثم العراق ، والذى كان نجاحاً لا يمكن التقليل من أهميته ، حيث تمكنت الولايات المتحدة من تطويق قوتين كانتا تستطيعان تهديد مصالحها النفطية خاصة ، فإذا كانت الولايات المتحدة نجحت من خلال استراتيجية الاحتواء فى تطويق القوى الإقليمية فى منطقة الخليج العربى ، فهل تنجح فى تطويق القوى الإقليمية فى آسيا الوسطى..وإذا كان لنا أن نتصور نجاحاً فيما يخص باكستان والهند..فهل يمكن لها أن تحقق نجاحاً فى مواجهة روسيا والصين؟ هذا ما سوف تكشف عنه المرحلة المقبلة ، خاصة وأنه يشير إلى احتمالات حرب باردة مستقبلاً تكون نقطة ارتكازها وسط آسيا

منقووول للفائدة .
AlexaLaw