ما بعد‏11‏ سبتمبر مستقبل حركات الإسلام السياسي

عمرو الشوبكي

مجلة السياسة الدولية ابريل 2002 - العدد رقم 148

اذا كان من الصعب النظر إلي تداعيات ما بعد‏11‏ سبتمبر داخل حيز‏'‏ الآثار‏'‏ دون التطرق إلي‏'‏ ما قبل سبتمبر‏'‏ والأوضاع التي سادت داخل الحركات الإسلامية ليس فقط علي مستوي الخطاب أو البني التنظيمية إنما أيضا علي مستوي القراءات العلمية والأيديولوجية التي اقتربت منها‏.‏
وإذا نظرنا إلي حركات الإسلام السياسي نظرة إجمالية فأننا سنجد أن هناك ضرورة للتمييز منذ البداية بين فصيليين كبيريين‏:‏ الأول هو التيار السلمي الغالب المتمثل في حركة الإخوان المسلمين وحلفائها والتيارات القريبة من فكرها عربيا وإسلاميا كحركة النهضة في تونس والجبهة الإسلامية في السودان‏,‏ أو تلك الأكثر ديمقراطية وانفتاحا كتجربة حزب الفضيلة في تركيا‏.‏

التيار الثاني هو التيار الجهادي الأقل عددا والأكثر إحكاما في بنيته التنظيمية‏- ‏ حتي العقد الماضي- ‏ والذي ضم أساسا تنظيم الجهاد في مصر والجماعة الإسلامية‏.‏ هذا التيار وتحديدا بعض بقايا تنظيم الجهاد هو الذي تحالف مع شبكة القاعدة ولعب زعيمة أيمن الظواهري و‏'‏رفاقة‏'‏ دورا حاسما في التأثير في فكر بن لادن وبنية القاعدة‏.‏

وإذا كان من المؤكد أن هناك صعوبة في تجاهل تأثيرات‏11‏ سبتمبر علي حركات الإسلام السياسي‏,‏ إلا أن من الصعب أيضا النظر إليه باعتباره حدث قد صنع أو‏'‏ أعاد صناعة‏'‏ الحركات الإسلامية من جديد وبصورة منعزلة عن الأجواء السياسية والثقافية والاجتماعية التي سادت العالمين العربي والإسلامي قبل أحداث سبتمبر الأمريكية‏.‏

وقد تم تقسيم هذه المقالة إلي عدة محاور أساسية‏:‏

الأول يتعلق بالقراءة الأمريكية لحركات الإسلام السياسي وهنا سنلاحظ إجمالا أن الإدارة الأمريكية ظلت أثيرة كثير من التقديرات بعضها شاع علي إنه‏'‏ أكاديمي‏',‏ والبعض الآخر روجه بعض مسئولي الإدارة و‏'‏ متخصصي‏'‏ الشرق الأوسط ونظر إلي الحركة الإسلامية أما باعتبارها ظاهرة سياسية يجب التعامل معها أو توظيفها باعتبارها واقع عملي‏'‏ موجود‏',‏ أو علي أنها حالة‏'‏ استثنائية‏'‏ عن السياق الغربي وبالتالي ليس هناك مبرر لفهمها وقراءتها من داخلها‏,‏ إنما تركت‏'‏ لقدرها‏'‏ باعتبار أن ما تقوله هو أقرب‏'‏ للطلاسم‏'‏ التي من الصعب علي العقل الأمريكي أن يفهمها‏,‏ ولأنها في النهاية ظاهرة‏'‏ عالم ثالثية‏'‏ فلما بذل الجهد والوقت لفك رموزها‏.‏

ورغم أن هناك كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأمريكية قد اهتمت بالظاهرة الإسلامية وقدمت للمتخصص وصانع القرار الأمريكي مئات الكتب والأبحاث عن الحركات الإسلامية‏,‏ إلا أن الغالبية الساحقة من هذه الكتابات قرأت واقعا ولم تحلل ظاهرة‏.‏ فقد ركزت علي رصد معلوماتي‏_‏ وأحيانا استخباراتي‏_‏ لمسار حركات الإسلام السياسي وقدمت نصحا بالتحالف معها في بعض الأماكن والهجوم عليها في أماكن أخري تبعا للحاجة وللمصلحة الأمريكية المباشرة‏.‏

الثاني يتعلق بالمنهجية التي حكمت قراءة تيارات الإسلام السياسي بشكل عام وظاهرة العنف الديني بشكل خاصة ومعضلات الأحكام القيمية والثقافية في قراءة هذه الظواهر‏.‏

ويمكن الاقتراب من هذه القضية من خلال طرح تساؤل يتعلق بالأسباب التي جعلت جماعات العنف في المنطقة العربية تأخذ الصورة الدينية وتبنت خطاب رأت إنه يمثل فهما للنص الديني‏,‏ ولماذا لم تأخذ هذه الجماعات صور‏'‏ ثورية‏'‏ أخري غير تلك الحالة الجهادية الدينية ؟؟ أي بمعني آخر لماذا أنتجت الثقافة الإسلامية هذا النوع من العنف الانتحاري الذي صار كل من يشاهده ـ حتي من العرب والمسلمين ـ يشير بأصابعه إلي‏'‏ الإسلاميين الجهاديين‏'‏ دون أن ينتظر التحقق من الفاعل‏.‏

هنا سيصبح للسؤال الثقافي ـ الديني وجاهته حين يتعلق الأمر بأسباب وجود هذه التيارات‏,‏ أو بالأسباب التي جعلتها تتبني هذه الطريقة في الاحتجاج‏,‏ أما الدوافع التي أدت إلي انتشارها وتصاعدها وتبنيها في هذه اللحظة التاريخية بالذات هذا النوع من العنف الانتحاري هي أسباب محض اجتماعية وسياسية‏,‏ وهي في كل الأحوال أسباب مناقضة لتلك التي جعلت‏'‏ الاحتجاج الإسلامي‏'‏ في مراحل تاريخية أخري يواجه الغزو الحضاري الغربي والاستعماري من خلال حركات إصلاح ديني منذ نهاية القرن التاسع عشر حيث بدأت برفاعة الطهطاوي ومرت بمحمد عبده ورشيد رضا وانتهت بمحاولة جماعة الإخوان المسلمين وكثير من المفكرين والجماعات الإصلاحية المعاصرة‏.‏

هذا الواقع الاجتماعي والسياسي قادر علي تغذية العنف الديني ونشره‏,‏ وقادر أيضا علي تهميشه وجعله تعبير عن انحراف في فهم النص الديني أو إجرام خارج عن أي نص‏.‏

الثالث وهو إلي حد كبير نتيجة للأول‏,‏ فإذا كان هناك دور حاسم للسياق الاجتماعي والسياسي المحيط في صياغة الخطاب الإسلامي‏,‏ فإنه سيصبح من المنطقي وربما البديهي ضرورة التمييز بين فصائل الإسلام السياسي وعدم وضعها جميعا في سلة العنف والإرهاب‏.‏

وهنا لابد من التأكيد علي مخاطر بعض السياسات الأمريكية الجديدة التي قامت علي أساس عدم التمييز بين حركات الإسلام السياسي السلمي وبين حركات العنف والتنظيمات الإرهابية حيث عملت علي محاصرة الاثنين معا‏,‏ وهو الأمر الذي من شأنه أن يعجل مرة أخري بميلاد دورة جديدة من العنف الجاهدي حين يخرج جيل جديد من شباب الحركات الإسلامية السلمية ويكتشف أن انفتاحه السياسي والديمقراطي ونبذه عقيديا وسياسيا لكل أشكال العنف هو أمر لا طائل له ونتيجته واحدة‏:‏ هو بقائه مطاردا في السجون نتيجة لأنه يحمل قلما أو فكرا مثله مثل من يحمل سلاحا أو قنبلة‏.‏

وفي النهاية لابد من التأكيد علي أن وجود تيارات العنف الديني سيظل من الناحية التاريخية واردا‏,‏ كما أن إعادة ظهورها وتكرارها مرة أخري سيظل أيضا أمرا محتملا ولكن العامل الحاسم في تحويلها مرة أخري من تيارات هامشية أو إرهابية إلي حركات عنف اجتماعي مؤثرة هو السياق السياسي والاجتماعي وليس نصها العقيدي‏.

منقوووول للفائدة .
AlexaLaw