عملية صنع القرار فى السياسة الخارجية المصرية فى نصف قرن -السمات والتحديات

د.جمال على زهران

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

تعد عملية صنع القرار السياسى من الآليات الهامة لفهم طبيعة السياسة الخارجية للدولة ، من زوايا وجوانب عديدة ، ومنها عملية صنع القرار السياسى فى النطاق الخارجى ، كما تكشف تحليلات عملية صنع القرار عن طبيعة النظام السياسى الحاكم ، ودرجة تطوره الديمقراطى.وهناك عدة مداخل لتحليل عملية صنع القرار فى السياسة الخارجية ، يمكن بلورتها فى اتجاهين رئيسيين ، أولهما اتجاه مؤسسى يركز على دور المؤسسات فى عملية صنع القرار ، ومدى تأثير كل دائرة من دوائر هذه المؤسسات على القرار فى كل مرحلة من مراحله.أما الاتجاه الثانى فهو يركز على محورية دور الشخص الحاكم وهو رئيس الدولة ، حيث يلعب هذا القائد الدور الرئيسى والحاسم فى عملية صنع القرار السياسى للدولة داخلياً وخارجياً.ويعتبر هذا الاتجاه الثانى هو الأقرب ملائمة للتحليل فى دول العالم الثالث ومن بينها مصر دون تجاهل للتحليل المؤسسى.

وتكشف دراسة عملية صنع القرار فى السياسة الخارجية المصرية خلال حقبة الخمسين عاماً الماضية ، أن رئيس الدولة هو صانع القرار الرئيسى إن لم يكن الوحيد فى كثير من الأحيان وبدرجات مختلفة وفق هذا القرار أو ذاك.وإن اختلفت الدرجة من حقبة لأخرى.فقد كانت حقبة عبدالناصر مقيدة فى بعض فتراتها ، حيث غلبت عليها سمة روح الفريق ، أو العمل الجماعى طبقاً لما حدث فى فترتى مجلس قيادة الثورة -52 ـ 1956 - ومجلس الرئاسة -62 ـ 1964 - وذلك عكس بقية فترات هذه الحقبة ، حيث كانت إرادة عبدالناصر أكثر تركزاً وانفراداً.

أما فى حقبة الرئيس السادات ، فقد كانت القيود أقل من الحقبة الأولى ، حيث تمكن السادات من التخلص من خصومه السياسيين فى 15 مايو 1971 لينفرد بالقرار ويزداد انفراداً بعد حرب أكتوبر 1973 الذى اعتبرها أساساً لشرعية حكمه وانفراده بالقرارات لتغيير التوجهات السياسية المصرية وتحالفاتها الخارجية.

أما فى الحقبة الثالثة -حقبة الرئيس مبارك - فعلى الرغم من أن الرئيس مبارك هو صانع القرار الرئيسى ، إلا أن القيود المحيطة به والنابعة من ظروف موضوعية اقليمية ودولية ، تمثل قيداً على الانفراد الكامل كما حدث فى الحقبتين السابقتين.وفضلاً عن هذه القيود ، ظهرت قيود الهامش الديمقراطى وضغوط الأحزاب السياسية عليه.وكل هذه الضغوط قادت الى عدم تمكن الرئيس مبارك من الانفراد بالقرار السياسى.

وتتسم عملية صنع القرار فى السياسة الخارجية المصرية بالدور البارز للسمات الشخصية للرئيس بغض النظر عن القيود المحيطة به.وضعف دور المؤسسات والأجهزة التنفيذية ، فالشخصية تلعب دوراً فى تحديد أدوار هذه المؤسسات والأجهزة.ويرتبط الدور بالشخصية وسماتها ، سواءى اتفق ذلك والدور الرسمى طبقاً للدستور أم لم يتفق.

وقد تعددت أشكال المجموعات الاستشارية لرئيس الدولة و صانع القرار الرئيسى ، مما أسهم فى عدم تطابق الأدوار الفعلية فى عملية صنع القرار السياسى ،فقد شهدت حقبة عبدالناصر مجلس قيادة الثورة ثم ألغى ، وشهدت مجلس الرئاسة ثم ألغى ، ونص الدستور على مجلس الدفاع الوطنى.وفى حقبة السادات ظهر مجلس الأمن القومى ، وبعض المستشارين الرسميين لرئيس الدولة ، أما حقبة الرئيس مبارك فقد شهدت استبدال مسمى مجلس الأمن القومى ـ ضمنياً ـ بالمجموعة السياسية التى لازالت تجتمع بين حين وآخر حسب دعوة رئيس الدولة.
وقد برزت المركزية الشديدة فى عملية صنع قرار السياسة الخارجية ، حيث تتركز هذه العملية فى السلطة التنفيذية بصفة عامة ، وتتركز أكثر فى قمة هذه السلطة ، بعيداً عن المشاركة الواسعة من القاعدة -الجماهير-.وهى سمة مشتركة للحقب الثلاث ، وإن كانت بنسب مختلفة بعض الشىء وفى بعض القرارات ، وهى قضية تتعلق بالتطور الديمقراطى فى الدولة.

ومن خلال دراسة عملية صنع قرار السياسة الخارجية فى مصر خلال الخمسين عاماً الماضية تأكدت حقيقتان ،الحقيقة الأولى هى ملائمة منظور البيئة النفسية لصانع القرار الرئيسى وهو رئيس الدولة لتحليل عملية صنع القرار فى مصر وبلدان العالم الثالث فى ضوء السمات المشتركة.والحقيقة الثانية تتمثل فى أن الخروج من دائرة مركزية القرار فى يد رئيس الدولة ، لايتم إلا بالممارسة الديمقراطية الحقيقية ، وعندما توجد ممارسة ديمقراطية ، يصبح منظور 'البيئة الموضوعية' هو الأكثر ملائمة من منظور 'البيئة النفسية' ، فطالما أن الممارسة الديمقراطية لم تتسع خارج الحدود المتاحة حالياً بالهامش الضيق الذى يتم الحديث حوله ، فإن تركيز التحليل على المدخل 'الشخصانى' والبيئة النفسية لرئيس الدولة هو الأكثر ملائمة وواقعية دون تجاهل المدخل الموضوعى تماماً.أما التركيز على المدخل الموضوعى واعتباره أساس التحليل فلن يصل بنا الى نتائج سوى تأكيد ماهو شائع حول محدودية دور الأجهزة والمؤسسات

منقووول للفائدة .
AlexaLaw