نظرة على السياسة الخارجية المصرية فى خمسين عاماً -1952 ـ 2002

د.السيد أمين شلبى


مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149


عكست السياسة الخارجية المصرية على مدى العقود الخمس الماضية مزيجاً من الاعتبارات الموضوعية المتعلقة بالبيئة الاقليمية والدولية والداخلية أيضاً ، بالاضافة الى الطابع والتأثير الشخصى للرؤساء الثلاث ، ناصر ، و السادات ، ومبارك ، فى تشكيل هذه السياسة.فواقع الحال يؤكد أن الاعتبارات والمحددات الموضوعية للسياسة الخارجية ، لايتم ترجمتها مباشرة ، ولكن ذلك يتم من خلال تصور وادراك ورؤية صانعى القرار لهذه المحددات.

وهكذا كانت سياسة ناصر الخارجية مزيجاً من رؤيته الشخصية وتقييمه لدور مصر فى بيئتها الاستراتيجية الأوسع ،وأياً كان الحكم على سياسة عبدالناصر الخارجية ، إلا أنها موضوعياً يجب أن ينظر اليها فى سياق العصر الذى ظهر فيه ، وهو عصر تميز بتطلع شعبه ، والشعوب العربية ، الى زعيم قومى تتوحد معه وتتجسد فيه ، بالاضافة الى ماتميز به عهد عبدالناصر من بزوغ حركات الاستقلال القومى فى دول العالم الثالث ورموزها من أمثال نهرو ، وسوكارنو ، ونكروما ، وبن بيلا ، وكلهم عملوا وناوروا فى ظل مناخ الحرب الباردة وضغوطها.

أما سياسة السادات الخارجية فقد تركزت أساساً على مصالح مصر المباشرة ، وتأثرت بفهمه وتقديره للارتباطات الاقليمية والدولية التى تخدم بشكل أكثر هذه المصالح.فبينما أخضع عبدالناصر سياسة واهتمامات مصر للقضايا والاهتمامات العربية أو رأى أن مصالح مصر ترتبط بشكل عضوى وتخدم بشكل أكثر فى سياقها العربى ، فإن السادات رأى أن الاهتمامات والمصالح المصرية تتقدم وتعلو على الاهتمامات العربية ، أو هو رأى أن مصر بمكانتها مؤهلة لأن تقود العالم العربى ، لا أن تقاد اليه ، وأن لا تجعل الخلافات العربية تحد من حركة السياسة الخارجية المصرية ، وبشكل خاص مع اسرائيل.وربما كان مقتنعاً أن ما سيفكر فيه ، وأن حملة السلام التى سيطلقها إنما تخدم الأهداف والمصالح العربية مثلما تخدم أهداف مصر.

والآن وبعد أن اختبرت السياسات والمواقف ، وبشكل خاص بعد التطور الذى طرأ على عملية السلام والقبول العربى الجماعى بالتفاوض مع اسرائيل ، وبعد التحول الذى حدث فى علاقات القوى الدولية ، فإنه يمكن القول بأن سياسات ورؤى السادات الخارجية قد أكدت نفسها.
أما سياسة مبارك الخارجية ، فقد تحددت منذ يومها الأول بضرورات الوضع الداخلى.فقد تولى الرئيس مبارك الحكم فى ظروف بالغة الصعوبة ، حيث كانت مصر تعانى من غليان سياسى ، وكان النسيج القومى والاجتماعى لها يتعرض للاهتزاز.وعلى هذا كان الهدف الرئيسى أمام الرئيس مبارك هو استعادة الاستقرار الى الواقع السياسى والاجتماعى ، ولم تكن الحاجة الى استعادة وتحقيق عنصر التوازن فى السياسة الخارجية بأقل أهمية ، وكان فى مقدمة أولويات السياسة الخارجية المصرية تصحيح العلاقة مع العالم العربى والتوصل الى صيغة تجمع ما بين استمرار علاقات مصر ومكانها التقليدى فى العالم العربى ، وبين استمرار التزامها بسلامها التعاقدى مع اسرائيل.وقامت السياسة الخارجية بهذه المهمة بنجاح ، بل واستطاعت أيضاً القيام بدور بارز فيما يتعلق بأزمة الخليج الثانية.

وعلى مدى السنوات العشر ، منذ مدريد ، قامت السياسة الخارجية المصرية بدور بارز فى العمل الاقليمى والدولى لدفع عملية السلام الى الأمام ، وفيما يتعلق بالأوضاع الأمنية فى الخليج ، فقد أكدت مصر مراراً حاجة المنطقة لاطار أمنى يتسم بالشمول ولاتقتصر عناصره على جانب الأمن التقليدى ، وإنما يشمل التنسيق السياسى والتعاون الاقتصادى.كما اهتمت السياسة الخارجية المصرية بقضية أسلحة الدمار الشامل وطرح الرئيس مبارك مبادرة لاقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط. كما نجحت السياسة المصرية أيضاً فى تنشيط ودعم التعاون مع دول القارة الافريقية ، حيث نشطت العلاقات المصرية الافريقية ، واكتسبت أبعاداً إضافية ، خاصة فى المجالات المتصلة بالتعاون الاقليمى ، والقضايا المتعلقة بمصادر المياه ، وتسوية المنازعات الافريقية.وكانت مصر أيضاً أحد العناصر الفاعلة فى دفع التعاون الأورومتوسطى ، باعتبار أن البحر المتوسط يشكل بعداً تاريخياً وحضارياً هاماً بالنسبة لمصر.

والواقع أنه أكثر من أى وقت مضى ، صيغت السياسة الخارجية المصرية ووجهت بعناية كأداة لخلق الظروف الاقليمية والدولية التى تخدم عمليات البناء الداخلى.وفى هذا السياق تبدو العلاقة الوثيقة التى تطورت خلال عهد الرئيس مبارك ، بين استمرار السياسة الخارجية المصرية كعنصر استقرار فى منطقتها ، وبين جهودها لكى تواجه وتعالج تحدياتها الداخلية بشكل فعال.وهكذا كان نجاح مصر فى تحقيق أهدافها الداخلية فى صالح الأمن والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط ، التى ترتبط وتتأثر هى الأخرى بالاستقرار والأمن الدوليين ، وهو الأمر الذى باتت تدركه العديد من القوى الدولية اليوم

منقووول للفائدة .
AlexaLaw