روسيا والغرب‏ -‏ من المواجهة إلي المشاركة

أحمد دياب

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

في الرابع عشر من مايو الماضي‏,‏ وفي العاصمة الايسلندية ريكيافيك‏,‏ توصل وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي‏,‏ وبحضور وزير خارجية روسيا ايجور ايفانوف‏,‏ إلي صيغة جديدة للتعاون والتنسيق بين روسيا والحلف وانشاء آلية جديدة لهذا التعاون هي‏'‏ مجلس الحلف وروسيا‏'.‏ وقد تم التوقيع رسميا عليها في اجتماع رؤساء دول وحكومات حلف الأطلسي بمشاركة الرئيس الروسي بوتين حتي العاصمة الايطالية روما في‏28‏ من نفس الشهر‏.‏ وهذا التطور من شأنه أن ينقل العلاقة بين روسيا والحلف من مرحلة الخصومة والعداء التي سادت خلال العهد السوفيتي والتوترات والخلافات التي نشأت بعد الحرب الباردة إلي مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق والمشاركة حول عدد من القضايا المشتركة‏.‏ الأمر الذي وصفه وزير خارجية روسيا‏'‏ التطور العميق‏'‏ واعتبره وزير خارجية بريطانيا جاك سترو‏'‏ تشييع للحرب الباردة وتحول تاريخي تخرج فيه روسيا من موقع العدو إلي موقع الحليف‏'.‏

وقد جاءت هذه التطورات في العلاقات بين روسيا والغرب علي خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر‏2001‏ فقد كانت روسيا من بين كثير من دول العالم التي حاولت استثمار تلك الأحداث للتقارب مع الولايات المتحدة فراحت تقدم نفسها علي أنها شريك وحليف يعتمد عليه في محاربة الإرهاب‏.‏ وفي سبيل ذلك قدمت روسيا تنازلات سياسية وأمنية وعسكرية كبيرة في آسيا الوسطي‏,‏ كان البعض يعتبرها‏,‏ إلي عهد قريب‏,‏ من المحرمات في السياسة الروسية‏.‏ وهو ما جعل وزير الخارجية الأمريكي كولن باول يقول بأن ما تحقق علي صعيد العلاقات مع روسيا يعد من أهم انجازات الإدارة الأمريكية‏.‏ الأمر الذي مهد إلي توقيع اتفاقية خفض الأسلحة النووية خلال زيارة الرئيس الأمريكي بوش إلي موسكو في‏24-25‏ مايو الماضي‏,‏ والتي نصت علي خفض القوة النووية الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية إلي‏3000‏ و‏1500‏ رأس نووي لكل منهما علي التوالي‏.‏ وتنطوي هذه الاتفاقية الجديدة علي أهمية كبري من الناحيتين السياسية والعسكرية ليس فقط علي صعيد خفض مخاطر انتشار الأسلحة النووية‏,‏ ولكن أيضا من حيث أن الاتفاقية تساعد علي تفكيك آخر مخلفات الحرب الباردة‏.‏

هذا التطور في العلاقات الأمريكية‏-‏ الروسية مهد لحدوث تطور مماثل بين روسيا وحلف الناتو‏.‏ حين أبدي بوتين تحول تاريخي في السياسة الروسية تجاه الناتو باستعداده للتعاون معه‏,‏ بل والعضوية فيه‏.‏ وهو ما أسفر أخيرا عن إنشاء آلية جديدة للتعاون بينهما وهي‏'‏ مجلس الحلف وروسيا‏'‏ الذي يعطي صوتا أكبر لروسيا داخل الحلف‏,‏ ويشكل منتدي لمكافحة الإرهاب والحد من التسلح وإدارة الأزمات‏.‏ وستكون القرارات التي يتخذها المجلس الجديد بالاجماع مع منح روسيا حق النقض في إطار الحلف‏.‏ لكن يظل في امكان كل طرف سحب أي قضية أمنية من المجلس الجديد إذا لم تحظ بالاجماع‏.‏ والقضايا التي يسحبها أعضاء غربيون من المجلس يظل في الامكان بحثها بين أعضاء الحلف‏19,‏ ما يحرم روسيا من حق الاعتراض علي اتخاذ الحلف قرارات مستقلة ويجعلها شريكا مقيدا إذ ستظل مستبعدة عن مناقشة القضايا الرئيسية مثل توسيع حلف الأطلسي وتقرير سياساته الدفاعية والأمنية‏.‏ غير أن الجانبين يندفعان إلي مستوي من المشاركة بنفس القوة التي اندفعت بها العلاقات الروسية‏-‏ الأمريكية بعد‏11‏ سبتمبر‏,‏ وما يترتب علي ذلك من تغير في رؤية روسيا كتهديد للغرب وفي رؤية الغرب كتهديد لروسيا‏.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw