انتخابات الرئاسة الأمريكية 2000

د. منار الشوربجى

مجلة السياسة الدولية العدد رقم 143 - يناير 2001

واجهت الولايات المتحدة منذ الثامن من نوفمبر الماضى، ولمدة 36 يوما . أزمة انتخابات رئاسية لم تشهدها من قبل، حيث تحول الصراع بين المتنافسين على منصب الرئاسة، من صراع حول أصوات الناخبين إلى صراع فرز أصواتهم. ودخل الطرفان معركة جديدة وصلت إلى أعلى سلم القضاء، لينتهى الأمر فى النهاية بإعلان فوز جورج بوش الابن على منافسه آل جور برئاسة الولايات المتحدة لأربع سنوات قادمة. ولعل مصدر هذه الأزمة يرجع بالأساس إلى تشابك عدة عوامل أهمها ذلك الأسلوب الفريد الذى صممه الدستور الأمريكى لأختيار الرئيس، ثم الطابع الفيدرالى للنظام الأمريكى والذى فرض نفسه فور إعلان النتائج. حيث أدى التداخل بين الاطار الدستورى وتعقيده، والتنظيم الفيدرالى لى أفراز الأزمة الراهنة.


فقد نص الدستور الأمريكى على انتخاب الرئيس انتخابا غير مباشر عبر ما يسمى المجمع الانتخابى، والمجمع الانتخابى عبارة عن مجموعة من المنتخبين يتم أختيارهم وفق شروط يحددها المجلس التشريعى فى كل ولاية، ويساوى عددهم عدد أعضاء هذه الولاية فى مجلس النواب والشيوخ معا ومن ثم فإن مجموع عدد أعضاء المجمع الانتخابى 538 منتخبا . وهو عدد ثابت لأنه مساو لعدد أعضاء مجلس الشيوخ -100 عضو- ومجلس النواب -435- فضلا عن ثلاثة أصوات لواشنطن العاصمة.


ويتم انتخاب الرئيس عبر قاعدة أن الفائز يحصل على كل شىء، أى أن المرشح الذى يحصل على أعلى نسبة من الأصوات الشعبية فى الولاية -أى أصوات الناخبين- يفوز بكل أصوات تلك الولاية فى المجمع الانتخابى، بينما لا يحصل منافسه على شىء على الاطلاق ولا يشترط أن تكون النسبة الأعلى هى الأغلبية بالضرورة، فمن الممكن أن يحصل المرشح على 38% مثلا من أصوات الناخبين فيصبح هو الفائز، طالما أن أيا من منافسيه لم يحصل على نسبة أعلى من ذلك.


ومن هنا يأتى الاختلاف بين الأصوات 'الشعبية' التى يحصل عليها المرشح والأصوات 'الانتخابية' فآذا تصورنا أن المرشح -أ- قد فاز فى كاليفورنيا -54- ونيويورك -23- وتكساس -32- وفلوريدا -25- فإنه يكون بذلك قد حصل على 123 صوتا انتخابيا ، بينما حصل منافسه على صفر فى كل هذه الولايات، بغض النظر عن نسبة الأصوات الشعبية التى حصل عليها.


وما حدث بالفعل بعد إغلاق صناديق الاقتراع وبدء عمليات فرز الأصوات، أنه قد اتضح أن آل جور قد هزم فى معظم ولايات الجنوب بما فى ذلك مسقط رأسه 'تنسى' وفاز بوش فى 29 ولاية بينما فاز جور فى 19 ولاية، لم يكن من بينها بعد ولايتى فلوريدا وويسكنسن. ومع ذلك كان جور متقدما فى نسبة الأصوات الشعبية ب- 200 ألف صوت. ولأن فلوريدا تملك 25 صوتا انتخابيا مقابل 11 فقط لولاية وسكنسن، فقد تعلقت الأنشار بفلوريدا، والتى من شأن من يحصل على أصواتها وحدها أن يحسم المعركة لصالحه ويفوز بمذهب الرئاسة.


وفى بادىء الأمر أعلنت بعض الشبكات فوز آل جور فى فلوريدا إلا أنها سرعان ما تراجعت على ضوء معلومات جديدة ظهر منها أن الأمر لم يتضح بعد، ثم عادت وأعلنت من جديد فوز جورج بوش، وبالفعل اتصل جور هاتفيا بجورج بوش وهنأه بالفوز، ولم يمضى قليل حتى اتضح أن مدير حملة جور قد اتصل به ليخبره بأن نتائج فلوريدا لم تحسم بعد، مما يعنى أن بوش لم يفوز بعد. مما دفع جور للتراجع عن القاء بيان الاعتراف بالهزيمة، وسحب تهنئته لبوش. ومنذ تلك اللحظة بدأت وقائع حملة جديدة بين الطرفين.


فمجرد أن اتضح أن الهامش بين المتنافسين ضيق جدا ، فرضت قوانين ولاية فلوريدا نفسها فورا على الساحة، حيث تنص قوانين الولاية فى هذه الحالة على إجراء فرز آلى ثانى لأصوات الولاية للتأكد من دقة النتائج وبالفعل تم الفوز، وأظهرت الأحداث فى بعض المقاطعات تقدم آل جور، حيث تم فرز عينه من البطاقات يدويا فى مقاطعة بالم بيتش وأثبتت فوز جور ب- 36 صوتا اضافيا لم يحصل عليها من خلال الفرز الآلى. مما دفع المقاطعة لاتخاذ قرار باجراء الفرز اليدوى، وتلاها قرارات مماثلة فى عدة مقاطعات أخرى. وما أن بدأت عملية الفرز اليدوى حتى انفجرت مشكلة أخرى، حيث اتضح أن الآلة المستخدمة فى فرز الأصوات لا يمكنها إلا إحتساب الأصوات التى قام فيها الناخب بخرق المربع الصغير بالكامل، لأن تعلق جزء من أجزاء المربع بالبطاقة يبطلها، ومن هنا طالب جور باتباع معايير مرنة لاحتساب الأصوات الصحيحة، إلا أن بوش عارض إجراء الفرز اليدوى الذى قلص هامش فوزه من 1800 إلى 388 وأكد أنه لا يوجد مبرر للفرز اليدوى، ولكن المحكمة الفيدرالية رفضت طلب بوش بوقف الفرز اليدوى، واستمر الصراع على المستوى القضائى والسياسى، حتى أثيرت مسألة جديدة تتعلق بأصوات المقيمين بالخارج، وتعددت الحجج المقدمة من الطرفين، وتنازعت القضية عدة جهات تقاضى، وأنتهى الأمر بإعلان المحكمة الفيدرالية العليا فوز جورج بوش.


ولاشك أن طبيعة الائتلافات الانتخابية التى شكلها المرشحان والاستراتيجيات الانتخابية التى أتبعها كل منهما ساهمت بجانب مهم فى تقليل فارق الأصوات بين المرشحين، حيث استطاع كلاهما أن يبنى ائتلافا انتخابيا واسعا يضم قطاعات عريضة من الناخبين، ولا تقوم هذه الائتلافات الانتخابية على أسس جغرافية أو اقتصادية أو عرقية فقط، وإنما تقوم على توليفة من كل هذه الاعتبارات جميعا . وعملية بناء الائتلاف الانتخابى ليست مسألة سهلة، بالنظر لطبيعة النظام الانتخابى لمنصب الرئاسة والذى يتم عبر مرحلتين - المرحلة التمهيدية، ثم النهائىة أو ما يسمى معركة الخريف، وهذا يحد من قدرة المرشح على تشكيل ائتلاف انتخابى قوى يمكنه من الفوز.


فبعد أن قام كلا المرشحين بتأمين القاعدة التقليدية فى حزبه، بدأ يتنافسان حول الوسط، وهى استراتيجية تقليدية فى انتخابات الرئاسة، إلا أن الجديد هذه المرة أن كلاهما استهدف قطاعات محدودة من الوسط، لا الوسط كله، وهى القطاعات التى اعتقد كلاهما أنها ستكون الحاسمة فى حسابات المجمع الانتخابى فى عدد من الولايات المهمة. ومن ثم صاغ كل منهما أولويات القضايا فى حملته الانتخابية لاجتذاب هذه القطاعات دون غيرها. وتركزت هذه القضايا فى اصلاح نظام الضمان الاجتماعى. وبرامج الرعاية الطبية. وتغطية التأمين الصحى لتكاليف الأدوية للمسنين.


وأيا ما كان الأمر فإن المعركة الانتخابية الشرسة التى شهدتها الولايات المتحدة ثم المعركة القضائية، سوف تترك آثار مباشرة على الإدارة الأمريكية الجديدة ونوعية السياسات التى يمكن تبنيها على الأقل خلال العامين القادمين، وحتى إجراء الانتخابات التشريعية فى نوفمبر 2002.


ولعل أبرز التحديات التى أفرزتها الأزمة الانتخابية. هو ما أسفرت عنه من استنزاف 36 يوما من مدة الفترة الانتقالية والتى تبدأ منذ إعلان نتيجة الانتخابات رسميا وحتى تنصيب الرئيس الجديد فى العشرين من يناير الحالى، حيث تتيح تلك الفترة للرئيس فرصة مناسبة لاتخاذ القرارات والاستعداد لمهام منصبه، بما فى ذلك اختيار من يتولون المناصب الوزارية وفريق العمل بالبيت الأبيض وكذلك إعداد أجندته السياسية وترتيبها من حيث الأولويات

منقووول للفائدة .
AlexaLaw