الصين ومأزق "مجموعة العشرين"

نزيرة الأفندي

علي الرغم من الاعتقاد السائد بأن 'صحوة' مجموعة العشرين، التي شهدتها العاصمة الأمريكية واشنطن في نوفمبر 2008، كانت بمثابة تدشين لنظام اقتصادي عالمي جديد يتجاوز مركزية قرارات مجموعة الثماني الكبار ليشمل دولا صاعدة وأخري نامية، جنبا إلي جنب مع الدول الصناعية المتقدمة، تشارك في دراسة القضايا وصياغة المقترحات في مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي، فإن استقراء الأحداث يشير إلي أن التطورات لم تمض علي هذا المنوال.

القول بذلك لم يأت من فراغ، وإنما نتيجة لرصد وتحليل البيانات الصادرة عن الانعقادات المتتالية لهذه القمة، في تورنتو ولندن وبتسبرج، ثم الأخيرة في سول في نوفمبر 0102. وصف رئيس صندوق النقد الدولي، دومنيك شتراوس كاهان، أداء مجموعة العشرين في هذه القمة الأخيرة بأنه كان أقرب إلي مناظرات مجموعة العشرين، أكثر منه نتائج مجموعة العشرين.

كما يعتمد علي متابعة الأزمات المتوالية علي صعيدي النظام المالي العالمي والعلاقات التجارية الدولية، بما فيها أزمات دول منطقة اليورو، والانتقادات المتبادلة حول السياسات النقدية والمالية عبر الهادي.

'سول' قمة القرارات المؤجلة :

توضح قراءة البيانات الصادرة عن قمم 'مجموعة العشرين' المتتالية من قمة واشنطن إلي قمة سول أن الصياغات المحددة التي شهدها البيان الأول، وحدد لها المتابعة بانعقاد القمة التالية وصدور البيان الثاني، قد أخذت في الاتساع والتمدد، وأصبحت فضفاضة بشكل واضح في البيانات الثالثة والرابعة وأخيرا الخامسة.

ويعزي السبب في ذلك إلي أن القمة الأولي في واشنطن ركزت علي قضايا محددة واضحة المعالم، تتعلق بقطاعات معينة علي صعيد الاقتصاد والأداء المالي أو مؤسسات التمويل الدولية. فكانت الإشارة إلي دعم الشفافية والرقابة المحاسبية في القطاعات المالية، مع التركيز علي التكامل في أسواق المال والتعاون الدولي في مجال الرقابة والتنظيم، وأخيرا إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية.

وجاءت قمة 'لندن' لتكون بمثابة كشف حساب عن الأداء الذي تحقق منذ صدور بيان واشنطن في نوفمبر 8002. وقد اعتبرت قمة 'لندن' في أبريل 2009 بمثابة قوة دافعة في مجال تفعيل القرارت الخاصة بالقطاعات المالية، ووكالات التقييم والتصنيف الائتماني. كما كان هدفها إعطاء دفعة للمقترحات البريطانية التي طرحها جوردون براون، رئيس الوزراء حينذاك، والتي اندرجت تحت مسمي 'بريتون وويدز 2'، بحيث يكون التمثيل في صندوق النقد الدولي أكثر اتساقا مع واقع المتغيرات الدولية، وظهور قوي اقتصادية صاعدة ومتسارعة النمو. وشهدت هذه القمة الموافقة علي تخصيص 850 مليار دولار للدول النامية والأسواق الصاعدة، مع إيجاد نافذة أو آلية جديدة للإقراض من جانب الصندوق، تندرج تحت مسمي 'خط الائتمان المرن'. كما أعطت دفعة أخري لمجموعة العشرين، تتمثل في توسيع نطاق منتدي الاستقرار الاقتصادي، ليشمل كل الدول الأعضاء في المجموعة وليس الدول المتقدمة فقط، بحيث يصبح منظمة تشارك مع صندوق النقد الدولي في وضع آليات للإنذار المبكر بالأزمات المالية، وتطوير أساليب المراجعات والإشراف المالي والتنسيق بينها علي الصعيد الدولي.

وبالنسبة لقمة بتسبرج، التي عقدت في سبتمبر، 2009، فقد كانت القمة الأولي لمجموعة العشرين بعد تولي باراك أوباما منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وغلب علي هذه القمة مناقشة التفاصيل في كيفية ضبط أداء القطاع المصرفي والمالي بصفة عامة من خلال تحديد المزايا والامتيازات المالية التي تتمتع بها القيادات المصرفية وتوزيعها علي عدة سنوات. وقد حال حرص الدول المتقدمة ذات المراكز المالية العالمية علي عدم فقدان ميزتها التنافسية دون التوصل إلي مؤشر عام ونمطي للدخول التي تحصل عليها طبقة المديرين المصرفيين. كما شهدت هذه القمة التركيز علي أهمية الملاءة المالية للبنوك والمؤسسات المصرفية للحيلولة دون وقوع أزمات مستقبلية. وفيما بين بتسبرج وتورنتو، التي شهدت انعقاد القمة الرابعة لمجموعة العشرين في يونيو 2010، ثم سول التي استضافت القمة الخامسة، تجمعت نذر جديدة في سماء الاقتصاد الدولي، وفرضت نفسها علي أجندة المحادثات في كوريا الجنوبية، وإن لم يكن لها نصيب وافر من النجاح في الحصول علي قرارات ملزمة.

------------------
* كاتبة متخصصة في الاقتصاد السياسي.