مايو1955 هو التاريخ الذي اختارته مجلة «هاوس كيبنج» (ادارة المنزل) الاميركية لنشر دليل الزوجة الذكية في ادارة العلاقة الزوجية. والصدفة وحدها هي التي وضعت بين يدي تلك الصفحة المصورة من نسخة العدد التي نشرت فيه. أما الصورة فهي لامرأة شابة واقفة امام موقد البوتاجاز وبجوارها طفلان حسنا الهندام ورجل يفترض انه الزوج يبتسم وهو يكشف الغطاء عن اناء الطهي. ولولا يقيني من ان المجلة اميركية والمعلومات التي نشرت بجوار الصورة نشرت باللغة الانجليزية لظننت ان الصفحة هي اعلان عن فيلم لمحمد عبد الوهاب ورجاء عبده وهي تغرد له على مقام السيكا: صنعة ايدية وحياة عينية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية توجه الاعلام الغربي لاقناع المرأة بالتفرغ لرعاية الزوج والاولاد والحرص على انوثتها. ففي اثناء الحرب ذاقت النساء شظف العيش واضطررن لملء الفراغ الذي خلفه الرجال الذين هجروا المصانع والمكاتب ودوائر الاعمال وتطوعوا للخدمة في الجيوش المحاربة. وخرجت النساء لتشغيل المصانع وانتاج السلاح ودفع عجلة الاقتصاد للدوران. وحين عاد الرجال كان على المرأة ان تعود الى البيت. ففعلت المجلات والافلام فعلها.
حين قرأت دليل المرأة الذكية ادركت انه سبق نموذج المرأة العنكبوت والمرأة المدهشة التي تنقض فتركل وترفس وتستخدم الاسلحة الفتاكة. وهو نموذج افرزته هوليوود لضرب مؤسسة الزواج في مقتل وحرمان الفتيات من نعومة الانثى وتطفيش الرجال الراغبين في الزواج.
كيف كان الحال في عام 1955؟ يقول الدليل:
اعدي عشاء زوجك قبل عودته من العمل لكي يشعر انك تهتمين براحته.
وكما تعدين العشاء اعدي نفسك لاستقباله. ربع ساعة امام المرآة هي كل ما تحتاجينه لتعديل زينتك وتمشيط شعرك. كوني مرحة لأن زوجك عاد اليك بعد قضاء يوم ممل في صحبة اناس انهكهم يوم عمل طويل. تذكري ان احد واجبات الزوجة الذكية هو توفير الصحبة المرحة لزوج متعب. احرصي على ازالة كل اثار الفوضى من البيت قبل عودته كاللعب والصحف والمجلات المبعثرة.. واحرصي ايضا على هدوء البيت. تأكدي ان ادوات النظافة مثل غسالة الثياب والمجفف وغسالة الصحون قد ادت عملها وسكنت منعا للضوضاء عند رجوعه.
حين يدخل زوجك من الباب اظهري سرورك برؤيته... قابليه بتحية وابتسامة. واياك والشكوى مهما كانت ملحة. فلحظة رجوعه الى البيت ليست هي الوقت المناسب للشكوى من اي شيء مهما كان.
وان تأخر نصف ساعة عن موعد العشاء لا تقابليه بالعبوس. تذكري ان حجم الضيق الذي تحملت لا يقاس بما يعانيه هو خارج البيت وفي العمل. لا تسأليه لماذا تأخر. قدمي له مشروبا مرطبا واقترحي ان يستريح لمدة نصف ساعة الى ان تعيدي تسخين الطعام. وان وافق رافقيه الى غرفة النوم واعيدي ترتيب الوسادة قبل ان يضع رأسه عليها وتمني له الراحة بصوت خفيض.
لا تجادليه ولا تشككي في قدرته على اتخاذ القرارات فهو سيد في بيته يحاول ان يتوخى العدل والحكمة حين يتخذ اي قرار.
انتهى الدليل ولكن صلاحيته لم تنته رغم مضي نصف قرن على صدوره. لو كان الامر بيدي لنصحت كل المجلات الموجهة لربات البيوت وبكل اللغات بإعادة نشر دليل المرأة الذكية ومنع عرض الافلام التي تصور المرأة ككائن عار ومفترس يجيد الكاراتيه وتفجير القنابل الغبية. ولوجهت كلمة الى كل زوج انعم الله عليه بزوجة ذكية: لا ترفس النعمة والا زالت.
وما اكثر الرجال الذين لا يدركون ان حنو الزوجة على زوجها نعمة لا تقدر بجاه او بمال. وان الخلق الانساني الحسن يقضي بأن يرد الزوج التحية بأحسن منها.