الإصلاح الزراعي

صبري شمعون

يتضح بان فلسفة الإصلاح الزراعي لازالت موضع اهتمام ذوي المصلحة المباشرة والعديد من المفكرين والحركات السياسية، وأسباب ذلك استمرار وجود سوء توزيع للثروة (والأرض الزراعية من أهمها لأنها من عناصر الإنتاج الرئيسية ومصدر المعيشة والرزق)، واستمرار وجود التوتر الاجتماعي والسياسي بسبب الفروقات الطبقية وانتشار الفقر والتخلف. والإصلاح الزراعي هو احد الحلول التي تعتمد للحد وللتخفيف من تلك المشاكل.

ظهرت أولى تطبيقات الإصلاح الزراعي في دول العالم الثالث بشكل رئيسي بعد الحرب العالمية الثانية بسبب انتشار الأفكار التقدمية وانتصارها في الحرب ووجود الحاجة الملحة لإجراء الإصلاح العام، وانسجاما مع دعوات خفض معدل التوترات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ورفع المستوى ألمعاشي للشعوب وإنعاشها.

كانت الدول البارزة في هذا المجال الصين الشعبية والهند ودول أوروبا الشرقية وكوبا ودولاً شرق أوسطية كمصر وسوريا. وكان العراق أول ما اهتم به بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة عام 1958 هو إصدار قانون للإصلاح الزراعي بالرقم 30. 1958

واهم ما امتاز به القانون المذكور هو تحديد حد أعلى للملكية الزراعية للأفراد والاستيلاء على مازاد عن ذلك وتوزيعه بعدئذ (مع أراض أميرية أخرى) على فلاحي المناطق المحرومين من حيازة الأراضي والذين كانوا عموما يعملون سابقا في أراضي المقرين (أصحاب الملكيات التي فيها زيادة عن الحد الأعلى). تميزت عمليات الاستيلاء والتوزيع بأنها كانت سريعة بغية تحقيق الأهداف السياسية والاجتماعية للقانون وجعل الموضوع أمرا واقعا دون إعطاء فرص كبيرة للمعارضين.

وقد لاقى التطبيق الهميم من قبل كوادر وزراة الإصلاح الزراعي معارضة شديدة من قبل البعض من المالكين السابقين والمتطرفين من الإقطاعيين الذين كانوا أصحاب امتيازات وقد حرموا منها، ومارس العديد منهم الضغط على الأجهزة الرسمية لإجراء تعديلات (بعد أن فشلوا في إيقاف التطبيق واغتيال البعض من الموظفين) ومن ثم شاركوا في التآمر مع سلطات أجنبية لمحاولة إسقاط النظام الجمهوري الوليد.

لكن زخم المسيرة وشدة التيار الثوري كان الأقوى حيث استمرت مسيرة الإصلاح الزراعي بالرغم من عمل تعديلات ليست بالرئيسية في القانون، إلا انه يلاحظ وخاصة في الموسم الزراعي التالي حصول انخفاض حاد في الإنتاج الزراعي يعزى لأسباب متعددة أهمها ما يتعلق بتغيير الإدارة بعد رفع يد الإدارة السابقة (المالكين) وقلة أو ضعف أداء الإدارة الجديدة (الموظفين) واضطراب الأوضاع السياسية والاجتماعية بالإضافة إلى عزوف العديد من المالكين عن الزراعة وبالرغم من ان هذا القانون لم يكن جذريا، إلا انه بصورة عامة يعتبر خطوة تقدمية وجريئة بالرغم من النواقص والأخطاء التشريعية التي حواها.

ولأسباب موضوعية ولاهتمام القوى السياسية الفعالة في نهاية الستينيات من القرن الماضي ولوجود عوامل أخرى، صدر قانون الإصلاح الزراعي الجديد بالرقم 117/1970، الذي يمتاز حقيقة عن سابقه بعدة أمور أهمها:

1- خفض الحد الأعلى للملكية الزراعية الذي يتحدد على أساس مواصفات الأرض ونوع الزراعة وطريقة الري وغيرها.

2- إلغاء حق اختيار المالكين السابقين لمواقع المساحات التي تجنب لهم، وان يكون التجنيب بمالا يتعارض مع المصلحة العامة.

3- وتشجيعا للبستنه وحفاظا عليها كجزء مهم من الثروة الوطنية الزراعية فقد استثنيت مساحات البساتين من أحكام تحديد الملكية.

4- توحيد تسجيل صنف أراضي الإصلاح الزراعي بأميرية صرفة بدلا من التعدد في التسجيل وهو احد مظاهر الارتباك في التطبيق بالقانون السابق.

5- إلغاء التسوية الذي يعتبر إنهاء للتناقض الحاصل بين قانون الإصلاح الزراعي والنظام القديم للأرض، وأناطه مهمة تثبيت الحقوق في الأراضي التي لم تتم تسويتها بعد بلجان الإصلاح الزراعي حيث تقوم بتثبيتها ضمن الحدود التي عينها القانون لحدود الملكية الزراعية بشكل موحد، وكذلك إلغاء قرارات التسوية غير المكتسبة للدرجة النهائية.

6- إلغاء التعويض عن الأراضي المستولى عليها الزائدة عن الحد الأعلى للملكية الزراعية.

7- الأخذ بقاعدة عامة هي أن للمغارس والتعاب حصة في الأرض والشجر لاتقل عن النصف، وأجاز إثبات الحق فيها بالبينة الشخصية وبكافة طرق الإثبات القانونية.

8- الأخذ بمبدأ التوزيع الجماعي على الفلاحين بالإضافة إلى التوزيع الفردي حسب ظروف المنطقة.

9- شمول حالات متعددة من أشكال التوزيع (فيما يخص الوحدات الاستثمارية والمستأجرين في مشروع ري أبي غريب والمتصرفين في الأراضي الأميرية في مشروع الحويجة والسراكيل في الناصرية والملتزمين الأوليين والثانويين وأصحاب المحرمات في العمارة). وبذلك تم حل المشاكل القائمة في تلك الحالات وفق أسس واضحة.

10- شمول المغارسين وفلاحي البساتين بالعلاقات الزراعية في أن تكون حصتهم من الثمر النصف، وفي المزروعات التي تزرع تحت الأشجار وفق نسب قسمة الناتج للمحاصيل الحقلية، ومقابل ذلك اوجب على المغارس الاستمرار في عمله بالعناية بالأرض والشجر بعد انتهاء مدة المغارسة في البستان المشتركة بينه وبين صاحبها السابق وعدم جواز الإفراز في البساتين إذا كانت النتيجة أن تقل المساحة عن 5 دونمات.

11- كما ان هناك تميزا أخر فيما يتعلق بالأخذ بأسلوب المزارع الجماعية التعاونية، والأخذ بقواعد جديدة في تبسيط إجراءات التنفيذ وتوفير إمكانية الانجاز السليم والسريع. (وقد تم إلغاء ذلك لاحقا).

من خلال التطبيق الدؤوب لإحكام قانون الإصلاح الزراعي الجديد والقانون رقم 90/1975 الخاص بتنظيم الملكية الزراعية في منطقة كردستان لوحظت النتائج التالية بعد أن تم توزيع حوالي 9 مليون دونم من الأراضي الأميرية (وهي في تناقص مستمر بسبب إلغاء التوزيع على الفلاحين الذين أصبحوا لاتتوفر فيهم الشروط القانونية للتوزيع وقد أضحت الآن بحدود 7 مليون دونم وتأجير أراضيهم وفق أحكام القانون 35/1983 الذي أصبحت الأراضي المؤجرة بموجبه بحدود 11 مليون دونم):

1- ارتفاع المستوى ألمعاشي للعائلة الفلاحية في كثير من المناطق الريفية، وبالتالي انعكاس ذلك على النواحي الاجتماعية والثقافية والصحية وغير ذلك فيها.

2- تفتيت المساحات الكبيرة للأراضي الزراعية وما يؤدي ذلك إلى خفض في الكفاءة الإنتاجية.

3- عدم الاستمرار بوجوب العمل التعاوني والأخذ بأسلوب المزارع الجماعية وتعديل القانون وفق ذلك.

خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي ولاسباب كثيرة متداخلة منها إدارية وضعف الوعي التعاوني وقلة الجدية في التنفيذ فقد فشلت محاولات إنشاء المزارع الجماعية وتم الاستغناء عن تلك التجربة الرائدة ويدخل ضمن تلك الأسباب فرض سيطرة التنظيمات الحزبية للبعث على نشاط الجمعيات الفلاحية والتعاونية والصعود لقيادتها من غير المؤهلين والانتهازيين وهذا ما أدى إلى التأثير السلبي على الحركة التعاونية في المجال الزراعي عموما.

خاتمة ومقترحات

إيجاد الحلول الناجحة لمشاكل المسالة الزراعية ومن مظاهرها البارزة ازدياد البطالة لايتم إلا من خلال تنمية زراعية اقتصادية، شاملة حيث تخصص نسبة مهمة من إيرادات النفط لهذا الغرض وتعطى صلاحيات لمجلس يضع أولويات لمشاريع صناعية وزراعية تنموية ويشرف على وضع التصاميم والتنفيذ، ويدخل ضمن ذلك:

1- تنفيذ مشاريع لاستصلاح الأراضي ومكافحة التصحر.

2- تنفيذ مشاريع أروائية توزع أراضيها على الفلاحين أو الجمعيات التعاونية.

3- تنفيذ مشاريع تصنيع للمنتجات الزراعية المختلفة.

4- نشر مراكز إرشادية لإيصال نتائج البحوث الزراعية .وقد يكون من المناسب جدا الاهتمام بموضوع تمليك حق التصرف للمساحات الموزعة بموجب قانون الإصلاح الزراعي وإلغاء القيود الموضوعة فيه، وكذلك للمساحات المؤجرة بموجب القانون 35/1983 على أن لاتزيد عن الحدود العليا للملكية الزراعية مع ترك الحرية للمؤجرين بزراعة ما يرومون حسب متطلبات السوق وتقدير المزارع.