عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .


عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .



عالم القانون

العدل أساس الملك - Justice is the basis
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
TvQuran
الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  110
AlexaLaw on facebook
الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  110
الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  110
الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  110
الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  110
الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  110

شاطر | 
 

 الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655039

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  1384c10


الأوسمة
 :


الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  Empty
مُساهمةموضوع: الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر    الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  I_icon_minitime1/8/2010, 23:28

خيارات المساهمة


الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر

جمع وإعداد: محمد صديق
19 - 5 - 2009



يعتبر الإجماع المصدر الثالث للتشريع في الإسلام، فهو حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم [د.محمد فاروق النبهان، نظام الحكم في الإسلام، ص(370)]،
وذلك إذا توافرت فيه أمور معينة، فإذا تحققت هذه الأمور؛ لم يكن لأحد أن
يخرج عن الإجماع، فالأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن كثيرًا من المسائل يظن
أن فيها إجماعًا وهو ليس كذلك، بل قد يكون الرأي المخالف أرجح في الكتاب
والسنة
[مجموع الفتاوى، ابن تيمية، (10/202)].
أما
من حيث التشريع الدستوري الإسلامي، ومدى كون الإجماع مصدرًا من مصادر
الدستور فإن الوقائع في التاريخ الإسلامي تظهر أنه كان مصدرًا من مصادر
الأحكام الدستورية، ومن أمثلة ذلك: إجماع الصحابة على وجوب الإمامة، وعُرف
هذا الوجوب في الشرع بإجماع الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
على بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وتسليم النظر إليه في أمورهم،
وكذلك في كل عصر من عصور الدولة الإسلامية فلم يُترك الناس فوضى في عصر من
العصور، واستقر ذلك إجماعًا دالًّا على وجوب نصب الإمام
[مقدمة ابن خلدون، ص(131)]،
ومن الأمثلة كذلك: الإجماع على البيعة بين الحاكم والمحكوم، وكذلك
الإجماع على محاربة المرتدين، وغير ذلك من الوقائع الدستورية التي كان
مصدرها الإجماع.

تعريف الإجماع:
هو اتفاق مجتهدي الأمة، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان.
شرح التعريف وذكر محترزاته:
اتفاق:
ومعناه الاشتراك في الرأي أو الاعتقاد، سواء دَلَّ عليه الجميع بأقوالهم
جميعًا، أم بأفعالهم جميعًا، أم بقول بعضهم وفعل بعض ـ وهذا كله يسمى
بالإجماع الصريح ـ أم بقول بعض أو فعله مع سكوت بعض آخر ـ وهذا يسمى
بالإجماع السكوتي ـ وبهذا يكون التعريف شاملًا لقسمي الإجماع: الصريح
والسكوتي.

مجتهدو الأمة: المجتهد: هو الذي يبذل وُسْعَه في طلب الظن بحكم شرعي على وجه يُحِسُّ معه بالعجز عن المزيد عليه.
والأمة:
هي الطائفة من الناس تجمعها رابطة، والمراد بها: أمة محمد صلى الله عليه
وسلم، أي: أتباعه المؤمنون به في أي زمان، وهم أمة الإجابة لا أمة الدعوة.

وقد خرج بجلمة (اتفاق مجتهدي الأمة):
1ـ اتفاق المقلدين والعوام؛ فإنه لا يعد إجماعًا شرعيًّا.
2ـ اتفاق بعض المجتهدين؛ فإنه لا يعد إجماعًا.
3ـ اتفاق مجتهدي غير هذه الأمة.
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:
خرج به اتفاقهم في حياته فإنه لا عبرة به، قال الآمدي: (وإجماع الموجودين
في زمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي بالإجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي
صلى الله عليه وسلم)
[الأحكام، الآمدي، (1/213)].
في عصر:
والمراد به الاتفاق في أي عصر كان، فدخل بهذا القيد: اتفاق المجتهدين في
أي زمان كان، سواء أكان في زمن الصحابة أم من بعدهم، وفي هذا دفعُ توهم أن
الإجماع لا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين في جميع العصور، وهو محال.
(على أي أمر كان): المراد به الحكم الذي اتفق عليه المجتهدون، ويشمل:
1ـ الأمر الديني: كأحكام الصلاة، وتفسير آيةٍ أو حديثٍ.
2ـ الأمر الدنيوي: كترتيب الجيوش والحروب، وتدبير أمور الرعية.
3ـ الأمر العقلي: كحدوث العالم.
4ـ الأمر اللغوي: ككون الفاء للترتيب والتعقيب.
مكانة الإجماع ومرتبته:
الإجماع
حق مقطوع به في دين الله عز وجل وأصل عظيم من أصول الدين، ومصدر من مصادر
الشريعة، مستمد من كتاب الله الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
وتالٍ في المنزلة، قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: (الإجماع حجة مقطوع
عليها، يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على
الخطأ)
[العدة، القاضي أبو يعلى، (4/1058)].
وقال
ابن حزم رحمه الله: (الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يُرْجع
إليه، ويُفْزَعُ نحوه، ويكفر من خالفه، إذا قامت عليه الحجة أنه إجماع)
[مراتب الإجماع، ابن حزم، (1/7)].
ولذلك
كان حتمًا على الطالب للحق، المتبع لسبيل جماعة المؤمنين، المبتعد عن
مشاقة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: أن يعرف ما أجمع المسلمون عليه من
مسائل الشريعة العلمية والعملية، ليستن بسلفه الصالح، ويسلك سبيلهم، ولئلا
يقع في عداد من اتبع غير سبيل المؤمنين، فيحق عليه الوعيد المحكم في قوله
جل ذكره: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
[النساء: 115].
قال ابن حزم رحمه الله: (ومن خالفه ـ أي الإجماع ـ بعد علمه به، أو قيام الحجة عليه بذلك، فقد استحق الوعيد المذكور في الآية) [النبذة الكافية، ابن حزم، ص(18)].
أما مرتبة الإجماع فإنها تلي مرتبة الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف الصالح؛ كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [مجموع فتاوى ابن تيمية، (4/208)] مستدلًا على ذلك بما ثبت عنهم من الآثار، ومن ذلك:
ما جاء في كتاب عمر رضي الله عنه إلى شريح رحمه الله حيث قال له: (اقض
بما في كتاب الله، فإن لم تجد فبما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإن لم تجد فبما قضى به الصالحون قبلك)، وفي رواية: (فبما أجمع عليه
الناس).

2ـ ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (قدِّم الكتاب ثم السنة ثم الإجماع).
3ـ وكان ابن عباس يفتي بما في الكتاب، ثم بما في السنة، ثم بسنة أبي بكر وعمر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذيْن من بعدي: أبي بكر وعمر)[رواه الترمذي، (3595)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3662)]، قال شيخ الإسلام: (وهذه الآثار ثابتة عن عمر وابن مسعود وابن عباس، وهم من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء، وهذا هو الصواب).
وقد
نعى شيخ الإسلام على بعض المتأخرين الذين قالوا: يبدأ المجتهد بأن ينظر
أولًا في الإجماع، فإن وجده لم يلتفت إلى غيره، وإن وجد نصًا خالفه اعتقد
أنه منسوخ بنص لم يبلغه، كما نعى أيضًا على الذين يقولون: إن الإجماع نفسه
ينسخ النص، وخطَّأ هذا الرأي، واختار طريقة السلف لأنها الصواب.

يقول
شيخ الإسلام: (فلما انتهت النوبة إلى المتأخرين ساروا عكس هذا السير،
وقالوا: إذا نزلت النازلةُ بالمفتي أو الحاكمِ فعليه أن ينظر أولًا: هل
فيها اختلاف أم لا؟ فإن لم يكن فيها اختلاف لم ينظر في كتاب ولا سنة، بل
يفتي ويقضي فيها بالإجماع، وإن كان فيها اختلاف اجتهد في أقرب الأقوال إلى
الدليل فأفتى به، وحكم به، وهذا خلاف ما دل عليه حديث معاذ، وكتاب عمر،
وأقوال الصحابة ...)
[إعلام الموقعين، ابن القيم، (2/246)].
وبين
رحمه الله أن معرفة النصوص والاطلاع عليها أسهل بكثير من معرفة الإجماع؛
فلعل الناس اختلفوا وهو لا يعلم، وعدم العلم بالنزاع ليس علمًا بعدمه،
وإذا كان الأمر كذلك فكيف نحالُ على شيء شاق، ولدينا ما هو أيسر منه وأدل
على الحق؟

كما
بيَّن أيضًا أنه (حين نشأت هذه الطريقة تولد عنها معارضة النصوص بالإجماع
المجهول، وانفتح باب دعواه، وصار من لم يعرف الخلاف من المقلدين إذا
احتُج عليه بالقرآن والسنة قال: هذا خلاف الإجماع، وهذا هو الذي أنكره
أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية على من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه)
[إعلام الموقعين، ابن القيم، (2/237)].
الإجماع القطعي والإجماع الظني
قال شيخ الإسلام: (الإجماع نوعان:
قطعي:
فهذا لا سبيل إلى أن يُعلم إجماع قطعي على خلاف النص، وأما الظني: فهو
الإجماع الإقراري والاستقرائي، بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك
خلافًا، أو يشتهر القول في القرآن ولا يَعْلم أحدًا أنكره، فهذا الإجماع
وإن جاز الاحتجاج به، فلا يجوز أن تُدْفع النصوصُ به؛ لأن هذا حجة ظنية لا
يجزم الإنسان بصحتها؛ فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف، وحيث قطع بانتفاء
المخالف فالإجماع قطعي، وأما إذا كان يظن عدمَه، ولا يقطع به، فهو حجة
ظنية، والظني لا يُدفع به النص المعلوم؛ لكن يُحتج به، ويُقدم على ما هو
دونه بالظن، ويُقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه، فمتى كان ظنه لدلالة النص
أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص، ومتى كان ظنه للإجماع أقوى
قدم هذا، والمصيبُ في نفس الأمر واحد)
[مجموع فتاوى ابن تيمية، (19/267-268)].
ولذا
فإن العلماء رحمهم الله يقدمون الإجماع القطعي ـ كالإجماع على المعلوم
بالضرورة من الدين ـ على النص؛ لأن واقع الأمر أنه تقديم للنصوص القطعية
الثبوت والدلالة على النصوص الظنية الثبوت أو الدلالة؛ لا أنه تقديم
للإجماع على النص، وهذا ـ كما يقول بعض العلماء ـ لا خلاف فيه.

أهم فوائد الإجماع:
الفائدة الأولى:
الإجماع على المعلوم من الدين بالضرورة يُظهِرُ حجم الأمور التي اتفقت
فيها الأمة؛ بحيث لا يستطيع أهلُ الزيغ والضلال إفساد دين المسلمين، ومن
طالع حال الأمم السابقة، من أهل الكتاب وغيرهم، في اختلافهم في أصول دينهم
العلمية والعملية علم النعمة العظيمة التي اختُصت بها هذه الأمة؛ حيث
أجمع أئمة الدين على مئات من الأصول بَلْهَ الفروع؛ بحيث لا يخالف فيها
أحد من المسلمين، ومن خالف بعد العلم: حُكِم عليه بما يقتضيه حاله من كفر
أو ضلال وفسق.

الفائدة الثانية:
العلمُ بالقضايا المجمع عليها من الأمة يعطي الثقة التامة بهذا الدين،
ويؤلف قلوبَ المسلمين، ويسد الباب على المتقولين الذين يزعمون أن الأمة قد
اختلفت في كل شيء؛ فكيف يجمعها جامعٌ، أو يربطها رابط؟!

الفائدة الثالثة:
أنه قد يخفى النص الدال على حكم مسألة بعينها على بعض الناس، ويُعلم
الإجماع الذي قد تقرر أنه لابد أن يستند إلى نص، فيُكتفى به في النقل
والاستدلال.

الفائدة الرابعة:
أن السند الذي يقوم عليه الإجماع قد يكون ظنيًّا، فيكون الإجماع عليه
سببًا لرفع رتبة النص الظنية والحكم المستنبط منه إلى رتبة القطع؛ لأنه قد
دلَّ الإجماع على أنه لا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما
أجمعوا عليه.

الفائدة الخامسة:
تحتملُ النصوصُ في جملتها التأويلَ والتخصيصَ والتقييدَ والنسخَ وغيرَ
ذلك، فإذا كانت هي المرجعَ وحدها كَثُرَ الخلاف بين الأئمة المجتهدين
الذين يستنبطون الأحكام منها؛ لاختلاف المدارك والأفهام، فإذا وُجد
الإجماعُ على المراد من النص ارتفعت الاحتمالات السابقة، واتقى المجتهدون
بذلك متاعبَ الخلافِ والنظرِ والاستنباط.

الفائدة السادسة:
أن بعضَ نصوصِ السنة التي هي من مستند الإجماع قد يكون مختلفًا في صحتها،
فيكون الإجماع على مضمونها قاطعًا للنزاع الناشئ من اختلافهم في تصحيحها.

الفائدة السابعة:
التشنيع على المخالفين بالجُرأة على مخالفة الإجماع، فيكون ذلك سببًا
قويًّا لزجرِ المخالف؛ لئلا يتمادى في باطله بعد أن يعلم أن الأمة مجمعة
على خلاف مقالته، قال ابن حزم رحمه الله: (مال أهلُ العلم إلى معرفة
الإجماع؛ ليعظّموا خلافَ من خالفه، وليزجروه عن خلافه، وكذلك مالوا إلى
معرفةِ اختلاف الناس؛ لتكذيب من لا يبالي بادعاء الإجماع جُرْأة على
الكذب، حيث الاختلاف موجود، فيردعونه بإيراده عن اللجاج في كذبه)
[مراتب الإجماع، ابن حزم، (4/537)].
الفائدة الثامنة:
الإجماع دليلٌ يؤكد حكم المسألة، ويكثّر أدلتها؛ فقد تدل جملة من الأدلة
على حكم مسألة من المسائل فيكون الإجماع مكثرًا لها موثقًا لما جاء فيها.

شروط الإجماع:
ذكر العلماء شروطًا كثيرة في الإجماع والمجمعين، وسأقتصر في هذه المقالة على أهم تلك الشروط.
الشرط الأول: أن يكون الإجماع عن مستند:
المستند:
هو الدليل الذي يعتمد عليه المجتهدون فيما أجمعوا عليه، والمراد أن يكون
لدى المجمعين دليل قد اعتمدوا عليه في إجماعهم، وهذا قول جمهور العلماء،
بل قال الآمدي: (اتفق الجميع على أن الأمة لا تجتمع على الحكم إلا عن مأخذ
ومستند يوجب اجتماعها، خلافًا لطائفة شاذة)
[الإحكام، الآمدي، ( 1/ 322- 323 )].
ومن أدلتهم:
أن
الحكم في الدين بدون مستند خطأ؛ لكونه قولًا في الدين بغير علم، والأمة
يمتنع إجماعها على الخطأ، فيكون قولهم دائمًا عن دليل، وهو المطلوب، ويتصل
باشتراط المستند للإجماع مسألتان:

المسألة الأولى: نوع الدليل الذي يكون مُستندًا للإجماع.
من
العلماء من يرى أنه لا يكون مستند الإجماع إلا الكتاب والسنة، ومنهم من
يرى أن الإجماع يمكن أن يستند إلى الاجتهاد أو القياس، وقد انتصر شيخ
الإسلام ابن تيمية
[مجموع فتاوى ابن تيمية، (4/208)]
للقول الأول، فقال: (كلُّ ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصًا عن
الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فالمخالف لهم مخالفٌ للرسول صلى الله عليه
وسلم، كما أن المخالف للرسول صلى الله عليه وسلم مخالف لله تعالى، لكن هذا
يقتضي أن كل ما أُجمِعَ عليه قد بيَّنَهُ الرسول صلى الله عليه وسلم،
وهذا هو الصواب، فلا يوجد قطُّ مسألةٌ مجمَع عليها إلا وفيها بيان من
الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلَم
الإجماع فيستدل به، كما أنه يَسْتَدِلُّ بالنص من لم يعرف دلالة النص) إلى
أن قال: (ولا يوجد مسألة متفق عليها إلا وفيها نص).

ثم
ذكر بعض الأمثلة التي قيل عنها: إن مستند الإجماع فيها الاجتهاد أو
القياس، وبين النص الذي خفي عمَّن زعم ذلك، ثم قال: (وعلى هذا فالمسائل
المجمَعُ عليها قد تكون طائفة من المجتهدين لم يعرفوا فيها نصًا، فقالوا:
باجتهاد الرأي الموافق للنص، لكن كان النص عند غيرهم)، ويقول: (استقرأنا
موارد الإجماع فوجدناها كلها منصوصة، وكثير من العلماء لم يعلم النص وقد
وافق الجماعة).

وهذا
الخلاف يمكن إرجاعه إلى اللفظ؛ لأن كلًا من الفريقين أخبر بحاله؛ إذ كلٌّ
منهم يتكلم بحسب ما عنده من العلم؛ فأحد الفريقين يستند إلى الاجتهاد؛
لأنه لا يدري النص، والآخر يحيل ذلك على النصوص العامة، وعلى كلٍّ فالجميع
متفقون على ضرورة استناد الإجماع إلى دليل، وهذا الدليل قد يجعله بعضهم
اجتهادًا ويجعله الآخرون نصًا.

المسألة الثانية: الاستغناء بنقل الإجماع عن نقل دليله:
إذا
ثبت نقلُ الإجماع فإنه يمكن الاستغناء به عن دليله؛ لأنه قد ثبت أن
العلماء لا يُجمِعون إلا عن دليل؛ فإذا حُفظ الإجماع ونُسي الدليل أو لم
يُعرف فإن ذلك لا يقدح في الإجماع الثابت.

الشرط الثاني: أن يكون المجمعون من العلماء المجتهدين:
ويكفي
في ذلك الاجتهادُ الجزئي؛ لأن اشتراط الاجتهاد المطلق في أهل الإجماع
يؤدي إلى تعذُّر الإجماع؛ لكون المجتهدِ المطلق نادر الوجود، والمعتبر في
كل المسألة: من له فيها أثرٌ من أهل العلم المجتهدين.

قال
ابن قدامة: (ومن يَعرِفُ من العلم ما لا أثر له في معرفة الحكم، كأهل
الكلام واللغة والنحو ودقائق الحساب، فهو كالعامي لا يُعتدُّ بخلافه؛ فإن
كل أحد عامِّيٌّ بالنسبة إلى ما لم يُحصِّل علمَه، وإن حصَّل علمًا سواه)
[روضة الناظر، ابن قدامة المقدسي، (1/350-351)].
الشرط الثالث: أن يكون الإجماع صادرًا من جميع مجتهدي العصر:
ومعنى
ذلك: أنه إذا خالف واحد أو اثنان، فإن قول الباقين لا يعتبر إجماعًا،
وهذا قول جمهور العلماء، خلافًا لمن اعتد بقول الأكثر فجعله إجماعًا، كأبي
الحسين الخياط ـ من المعتزلة ـ وابن جرير الطبري، وأبي بكر الجصاص، وبعض
المعتزلة، ورُوي عن الإمام أحمد، لكن الصحيح عنه موافقة الجمهور.

ومن الأدلة على ذلك:
الأول:
أن المُتمَسَّكَ به في كون الإجماع حجة إنما هو النصوص الدالة على عصمة
الأمة، ولفظ الأمة إنما يطلق حقيقةً على الجميع، وقول الأكثر ليس قولًا
للجميع، بل هو قول مختلف فيه، وقد قال الله جلَّ وتقدَّس: {فَإن
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ والرَّسُولِ}
[النساء: 95].
الثاني:
وقوع اتفاق الأكثر في زمن الصحابة مع مخالفة الأقل لهم؛ فقد سوَّغوا لهم
الاجتهادَ بلا نكير، فلو كان اتفاق الأكثر إجماعًا يلزم غيرهم أن يأخذوا
به لأنكروا عليهم.

وبعد:
فإن ما تقدم من نصرة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، لا يعدو أن يكون
تضعيفًا للقول بأن قول الأكثر إجماعٌ يجب اتباعه، وهذا لا يعني ألا
يُلتفَت إلى قول الأكثر، بل إن اتباع الأكثر هو الأوْلى إذا لم يظهر أن
الحق مع الأقل.

الشرط الرابع: أن يكون المجمِعون أحياء موجودين:
أما
الأموات فلا يعتبر قولهم، وكذلك الذين لم يوجدوا بعدُ، أو وُجِدوا ولم
يبلغوا درجة الاجتهاد حال انعقاد الإجماع؛ فالقاعدة أن المستقبَل لا
يُنظر، كما أن الماضي لا يُعتبر.

فالمعتبَرُ
في كل إجماع أهلُ عصره من المجتهدين الأحياء الموجودين، ويدخل في ذلك:
الحاضرُ منهم والغائبُ؛ لأن الإجماع قول مجتهدي الأمة في عصر من العصور،
أما اعتبار جميع مجتهدي الأمة في جميع العصور فغيرُ ممكن؛ لأن ذلك يؤدي
إلى ألا تجتمع الأمة، ولا يُنتفع بالإجماع.

ويتصل
بهذا الشرط مسألة اشتراط انقراض عصر المجمِعين أي: هل يشترط لصحة الإجماع
أن ينقرض عصر المجمعين بموتهم أو بمرور زمن طويل على إجماعهم؟

ذهب
الجمهور إلى عدم اشتراط انقراض العصر لصحة الإجماع، بل المعتبر في إجماع
مجتهدي العصر الواحد اتفاقهم ولو في لحظة واحدة، قال الغزالي رحمه الله:
(إذا اتفقت كلمة الأمة ـ ولو لحظة
ـ انعقد الإجماع، ووجبت عصمتهم عن الخطأ)
[روضة الناظر، ابن قدامة المقدسي، (1/350)].
ومن أدلتهم على ذلك:
الأول:
أن الأدلة السمعية توجب حجيةَ الإجماع بمجرد اتفاق مجتهدي عصر ولو في
لحظة؛ إذ الحجية تترتب على الاتفاق نفسه؛ لأنه مناط العصمة؛ فالاشتراط لا
موجب له، بل الأدلة توجب خلافه.

الثاني: أن الحكم الثابت بالإجماع كالحكم الثابت بالنص؛ فكما أن الثابت بالنص لا يختص بوقت دون وقت، فكذلك الثابت بالإجماع.
الثالث:
أنه لو اشترط انقراض العصر لم يثبت الإجماع أصلًا؛ وذلك أنه كلما ولد
إنسان وبلغ رتبة الاجتهاد، وقد بقي واحد من المجتهدين المجمعين السابقين
له، فإنه يلزم ـ بناء على شرط الانقراض ـ اعتبار قول هذا المجتهد اللاحق
في ذلك الإجماع المتقدم، ولَمَّا كانت الولادة باقية فلا ينتهي تلاحق
المجتهدين، وعليه فلا يتحقق الإجماع.

هذا
ولاشك أن الداعي إلى اشتراط الانقراض عند القائلين به هو زيادةُ التثبت
في نسبة قول المجمعين إليهم، وشدةُ استقرار أهل المذاهب على مذاهبهم، وهذا
الأمر ـ وهو التثبت ـ حاصل في الإجماع الصريح، ولو في لحظة واحدة؛ لأن
الظاهر من حال المجمِعين ألاَّ يصدرَ القولُ عنهم دون بحث ونظر؛ فإذا ثبت
أنهم قالوا في مسألةٍ مَّا بقولٍ؛ علمنا قطعًا أنهم غير مترددين في قولهم.

لكن
يبقى النظر في الإجماع السكوتي؛ لأنه لا تُعلم أقوالُ الساكتين من
المجتهدين، ولا موقفهم من القول الذي يُحكى الإجماع عليه إلا بعد مُضي مدة
طويلة يُعرف بها أن القول بلغهم، ونظروا فيه، ولم ينكروه ـ مع زوال ما
يمنع إنكارَهم له ـ ولذلك رأى بعض العلماء أن انقراض العصر شرط لصحة
الإجماع السكوتي لهذه العلة، وحكى بعضهم أنه لا خلاف في ذلك، وهذا قول قوي
في المسألة.

الشرط الخامس: أن يكون المجمعون عدولًا:
العدالة في اللغة: الاستقامة والاعتدال، وفي الاصطلاح: مَلَكَةٌ راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة.
وقد
اختلف العلماء في اشتراط العدالة في المجمعين، والجمهور على القول
بالاشتراط، وعليه؛ فلا يتوقف الإجماع ولا حجيته على موافقة غير العدل ـ
مبتدِعًا كان أو فاسقًا ـ إذا بلغَ رتبةَ الاجتهاد، ولا تضرُّ مخالفته،
وقد عزا ابن بَرْهان هذا القول إلى كافة الفقهاء والمتكلمين، وقد استدلوا
على ذلك بأن الأدلة الدالة على حُجِّية الإجماع تتضمن العدالة، وبخاصة قول
الله تعالى: {وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا}
[البقرة: 341]،
إذ الوسطُ: العدل، ولأن غيرَ العَدْل أوجب الله التوقف في أخباره بقوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ
فَتَبَيَّنُوا}
[الحجرات: 6]، واجتهاده إخبارٌ بأن رأيه (كذا)، فيجب التوقف في قوله.
ومقتضى
قول الجمهور عدمُ الاعتداد بقول المبتدع مطلقًا؛ ولذا فصَّل بعض العلماء
في هذا فقالوا: إن كانت البدعة مكفرة فلاشك في عدم اعتبار قوله، وحكى
بعضهم نفي الخلاف في هذا، وإن كانت البدعة غير مكفِّرة، فإن كان داعيًا؛
فقال بعضهم: لا يُعْتَدُّ بقول الداعي مطلقًا، وقال آخرون: بل لا يعتد
بقوله في أمر البدعة التي يدعو إليها، ويعتبر قوله فيما سوى ذلك، وإن لم
يكن داعيًا إلى بدعته؛ فأكثرهم على اعتبار قوله، والاعتداد بمخالفته
مطلقًا، وقيل: بل يُعتدُّ بقوله في غير بدعته


التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655039

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  1384c10


الأوسمة
 :


الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر    الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر  I_icon_minitime1/8/2010, 23:29

خيارات المساهمة




من المقرر في الشرع أن الأمان يكون بالقول أو الفعل، وسواء أكان الأمان لفظيًّا أو خطيًّا أو عرفيًّا تعارف عليه الناس أنه عقد أمان؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، كما هو مقرر في الأصول [غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أحمد الحنفي الحموي، (4/423)].ومن تمام حفاظ الدين على الوفاء، وحبه في نشر الأمان؛ أنه يُجوِّز إعطاء الأمان بالإشارة, قال النووي: (ويصح الأمان بالإشارة) [المجموع، النووي، (19/304)].وقال ابن قدامة: (فصل: فإن أشار إليهم بما اعتقدوه أمانًا، وقال أردتُ به الأمان فهو أمان ... فإن خرج الكفار من حصنهم بناءً على أن هذه الإشارة أمان؛ لم يجز قتلهم، ويردونهم إلى مأمنهم) [الشرح الكبير، ابن قدامة، (10/559)].ومن تمام الوفاء أيضًا أن المسلم المؤمِّنَ لو أشار بإصبعه إشارةً لم يقصد بها أمانًا، بل مجرد إشارة للمستأمن، ففهم العدو منها أنها أمان، فإن هذه الإشارة تُعد أمانًا على الصحيح، ويُؤمن هذا العدو، ويُعصم دمه، أو يُرد إلى مأمنه، حتى لو قصد المؤمِّنُ بالإشارة القتل، لكنْ فهمها العدو أنها أمان لوجب تأمين هذا الكافر، وعدم الغدر به.قال السرخسي في شرح السير الكبير: (وذُكر عن عمر بن الخطاب قال: أيما رجل من العدو أشار إليه رجل بإصبعه: أنك إن جئت قتلتُك، فجاءه ـ أي العدو ـ فهو آمن فلا يقتله ... لأنه بالإشارة دعاه إلى نفسه، وإنما يُدعى بمثله الآمن لا الخائف، وما تكلم به ـ أي المؤمِّن ـ "إن جئت قتلتك"، لا طريق للكافر إلى معرفته بدون الاستكشاف منه ... فلابد من إثبات الأمان بظاهر الإشارة وإسقاط ما وراء ذلك للتحرُّزِ من الغدر، فإن ظاهر إشارته أمان) [شرح السير الكبير، السرخسي، (1/275)].وذُكر عن عمر أيضًا أنه إذا أُعلن بالنهي عن أن يؤمِّن أحدٌ أحدًا، كأن يأمُر الوالي بعدم السماح بالأمان، ثم عصى بعضُ المسلمين قوله؛ فأمنوا أحدًا من المشركين، فإن هذا المشرك له الأمان؛ لأنه ليس له ذنب في مخالفة المسلم ذلك.قال عمر: (وإن نهيتم أن يؤمن أحدٌ أحدًا، فجهل أحدٌ منكم أو نسِيَ أو لم يعلم أو عصى فأمَّن أحدًا منهم؛ فليس لكم عليه ـ أي على الكافر المُؤَمَّن ـ سبيل؛ لأنكم نهيتموه، فردوه إلى مأمنه، إلا أن يقيم فيكم، ولا تحملوا إساءتكم على الناس، فإنما أنتم جند الله) [المدونة الكبرى، مالك بن أنس، (2/145)].ويجوز الأمان بما يُعد في العرف أمانًا كالتجارة، فلو أن رجلًا من الكافرين دخل ديار الإسلام متاجرًا، ولم يُعط أمانًا عُدَّتْ تجارته أمانًا، إذا عُرِفَ أنه قد دخل للتجارة.قال ابن قدامة: (إذا دخل حربيٌّ دار الإسلام بغير أمان، نظرتَ فإن كان معه متاع يبيعه في دار الإسلام، وقد جرت العادة بدخولهم إلينا تجَّارًا بغير أمان لم يُعرض لهم) [المغني، ابن قدامة، (9/199)].بل الأمر أشد من ذلك، فإن الكافر إذا دخل إلى دار المسلمين بغير أمان ولا تجارة لكنه دخل وهو يظن أنهم لن يقتلوه، ما لم يقصد ضررًا بالمسلمين فلا يعرض له أحدٌ كذلك:


في المدونة الكبرى عن عمر قال: (وإذا أقبل الرجل إليكم منهم مطمئنًا، فأخذتموه فليس لكم عليه سبيل، إن كنتم علمتم أنه جاءكم متعمدًا) [المدونة الكبرى، مالك بن أنس، (2/145)].


وكذلك من سُبُل الأمان الضحك في وجه المستأمَن، والترحيب به، فهذا أكبر مما سبق ذكره في باب الأمان، وكذلك إذا دخل الرجل سائحًا إلى بلد المسلمين بجواز سفره؛ فإنه لا يعرض له؛ لأنه يأخذ الأمان من جهتين:


الأولى: وهي إذن الدولة له في ذلك، وهي مسئولة عن أفعاله.


الثاني: ما يلقاه السائح من الترحيب من قِبَل الوفد المقابل له، ومَنْ يراهم من المسلمين ممن يضحكون إليه، ويشعرونه بالأمان، فهذه كلها من أنواع طرق الأمان، ولا يجوز لأحد من المسلمين أو للدولة أن تخفر أو تخون هذا الأمان.وإذا كان الشرع قد أجاز لآحاد المسلمين أن يعطي عهدًا بالأمان للكافر الحربي فضلًا عن غير الحربي، حتى جعل جواز ذلك للمرأة والعبد والصبي عند بعضهم، فإن هذا الأمان يكون أقوى وأشد حرمة ورعاية إذا صدر من الدولة، التي تأذن لهؤلاء السياح أو لغيرهم بالدخول إلى دار الإسلام.يترتب على هذا الأمان ـ سواء أكان من الأفراد أو الدولة ـ حرمة دم الكافر وماله وعرضه، ولا يجوز أن يُعتدَى عليه في شيءِ من ذلك بغير حق، قال ابن قدامة: (وجملته: أن الأمان إذا أُعطى أهل الحرب؛ حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم) [المغني، ابن قدامة، (9/195)].وفي كشاف القناع: (ويحرم به ـ أي بالأمان ـ قتلٌ ورقٌ وأسرٌ وأخذُ مالٍ، والتعرضُ لهم لعصمتهم) [كشاف القناع، البهوتي، (8/211-212)].ومَنْ تعرَّض لهم فقد ارتكب كبيرة، وعليه لعنة الله؛ لأنه قد غدر وخان، وأخفر ذمة المسلمين؛ وفي الصحيحين: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرف ولا عدل) [متفق عليه، رواه البخاري، (3172)، ومسلم، (3867)].


شروط الأمان:


الأمان جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وقد ذكر العلماء له شرطين:


الأول: عدم المضرة.


الثاني: أن يكون من مسلم عند الجماهير.


وهذه قضية خطيرة قلَّ مَنْ يتحدث عنها مع كثرة المتحدثين عن الأمان الواجب لغير المسلم في بلاد الإسلام، ونسي أكثرهم أو تناسوا أن هذا مشروط بشرائط، كان يجب التنبيه عليها؛ حتى يعلمها كلٌّ من المؤمَّن والمؤمِّن؛ وإذا كان الإسلام يعد الغدر بالمؤمَّن جريمة، فإن عدم توضيح شروط الأمان جريمة أخرى.وقد عهدنا كثيرين ممن يتكلمون في مسائل مثل هذه يذكر بعض الأحكام الشرعية، ويغض الطرف عن بعضها الآخر، وهذه خيانة للعلم، ومن قَبْلُ لله ورسوله وللمؤمنين.أو يفعل ذلك بتأويل فاسد، ويعلم الله أن أكثرهم يصانعون في هذا لمصلحة مزعومة، وندُر في حياة المسلمين اليوم ـ وتلك فاقرة لم تكن موجودة في حياة المسلمين إلا في هذه الأيام، عند من لا يُحسنون إلا المُصانعة بحجة الدعوة وعدم الضرر، ونسي هؤلاء أنه إذا صانع مَنْ يوقِّع عن الله فمَنْ الذي يتكلم بالحق حتى يتبينه الناس ـ أقول ندر اليوم مَنْ يقوم بأمر الله من غير تهورٍ ومزايدةٍ، وكذلك من غير تقصيرٍ أو مجاملةٍ، وإن لم تخْلُ أرضٌ من قائمٍ لله بحجَّة.وإن أحببتَ أن ترى أوضح دليل على ذلك؛ اقرأ أو اسمع ما قيل أو كُتب هذه الأيام عن حُكم الكافر الذي أُعطي له حقُّ الأمان ـ مع أن في المتحدثين من نحترمهم ونحسبهم من أهل العلم والنَّصفَة ـ وتأمل كم متكلمًا منهم تحدَّث عن شروط هذا الأمان؟! مع خطورتها؛ لتدرك أن في الأمر شيئًا، لأنه ربما كان الجاني الذي يغدر بالمؤمَّن له ويقتله يرى أن سبب ذلك عنده هو عدم تحقق شروط الأمان، وتلك قضية خطيرة، يجب علاجها والتنبيه عليها إذا أردنا أن ننجح في علاج هذه القضايا وأمثالها.


والشرط الأول: وهو أنه يجوز الأمان للكافر، ما لم يترتب على هذا الأمان ضررٌ للمسلمين، سواء أكان هذا في الحرب، فيعطل الجهاد أو في السلم فينتشر الفساد، وكلا الأمرين ممنوع في الشرع.


قال في شرح منتهى الإرادات: (وشرط الأمان عدم الضرر على المسلمين فيه، وألا تزيد مدته على عشر سنين) [شرح منتهى الإرادات، البهوتي، (4/461)].وقال في المجموع: (ويجوز للمسلم أن يؤمن من الكفار آحادًا لا يتعطل بأمانهم الجهاد في ناحيته) [المجموع، النووي، (19/303)].فكل أمان تحققت فيه مفسدةٌ جليَّةٌ على المسلمين، وليس من ورائه مصلحة تربوا على هذه المفسدة وتزيد، فإن هذا الأمان لا يجوز، إذ المتقرر أن الضرر يُزال كما في الأصول.والشرط الثاني: أن يكون الأمان من مسلم عاقل، ولا يجوز من كافر أو ذمي أو مستأمن عند الجمهور.


قال في التاج والإكليل لمختصر خليل: (المشهور أن من كمُلت فيه خمسةُ شروط؛ وهي: الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والذكورية، فإذا أعطى أمانًا فهو كأمان الإمام) [التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله العبدري، (5/172)].وقال: (قال مالك: أمان المرأة جائز عندي، وكذلك عندي أمان العبد والصبي إذا كان الصبي يعقل الأمان) [التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله العبدري، (5/170)].وقال في شرح منتهى الإرادات: (وشُرِطَ للأمان كونه من مسلم، فلا يصح من كافر ولو ذميًّا أو مستأمنًا؛ لأنه غير مأمون علينا، عاقل ... مختار ... غير سكران لأنه لا يعرف المصلحة، ولو كان قنًّا أو أنثى أو مميزًا، فلا يُشترط حريته ولا ذكوريته ولا بلوغه) [شرح منتهى الإرادات، البهوتي، (4/461)].


فإذا فُقِدَ شرطٌ منهما فلا يجوز إعطاء الأمان؛ لأن في هذا ضررًا على المسلمين، ولا يجوز إلحاق الضرر بالمسلمين باتفاق، فإن وقعت المخالفةُ وأُعطي للكافر الأمان لزم أيضًا الوفاءُ به، فإذا كان في استمرار أمان هذا الكافر ضررٌ لزِم رفعُ الأمان عنه، ويجب إخباره بذلك؛ حتى يعلم به.قال في الجوهرة النيرة: (ولا يجوز لأحد من المسلمين قتالهم ـ أي قتال مَنْ أعطيناهم الأمان ـ إلا أن يكون فيه ـ أي في الأمان ـ مفسدة؛ فيبرز إليهم الإمام؛ لأنه إذا كان يلحق بالمسلمين بذلك وَهَنٌ ومذلةٌ كان للإمام نقضه، فينبذ إليهم) [الجوهرة النيرة، أبو بكر الزبيدي، (6/92)].


وبالجملة فإن شرطي الأمان إن لم يتحققا، وأُعطي الكافر الأمان فقد وقع من أعطاه الأمان في المخالفة، لكنه يلزم الوفاءُ للمؤمَّن له بذلك، ولا يجوز الغدر به، ولا التعدي عليه، لا في ماله ولا عرضه ولا دمه، ما لم يكن جاسوسًا أو مُغيرًا.فإذا تبين وقوعُ المفسدة من تأمينه لزم الإمام ردُّه عليه، فينبذ إليه، ويُعلم الكافر بذلك؛ حتى لا يُوصف المسلم بالغدر.ولا يجوز لأي أحد أن يغدر به؛ لأن الغدر محرم بالإجماع، ومن قبل بالكتاب والسنة، وهذا وإن فقدت شروط صحة الأمان إلا أنه يترتب عليه أحكام العهد الصحيح، ما لم يُنبذ إليه، ويعلم بأننا رفعنا عنه الأمان.


ونحن مطالبون بالوفاء، وكما قال عمر: (ولا تحملوا إساءتكم على الناس؛ فإنما أنتم جنود الله) [المدونة الكبرى، مالك بن أنس، (2/145)].وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة؛ فيُقال: هذه غدرة فلان بن فلان) [متفق عليه، رواه البخاري، (6178)، ومسلم، (4629)].ويقول صلى الله عليه وسلم: (منْ أمَّن رجلًا على دمه ثم قتله؛ فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرًا) [رواه ابن ماجه، (6082)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (3007)].


وفي الخلاصة أقول:إن دماء المسلمين والمؤمَّنين محرمة، وكذا أموالهم وأعراضهم، ما داموا قد دخلوا في أمان الأفراد أو الدولة، والأمان يثبت بالقول والفعل واللفظ وما يقره العرفُ كذلك، فمن غدر بالأمان فهو خائن يستحق العقاب، ويجب على الدولة والأفراد أن يراعوا شروط الأمان، كي لا يجلبوا على البلاد والعباد هذه البلايا.وليعلم الإنسان الذي يقتل المؤمَّن أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وقد أضر الإسلام إضرارًا بالغًا من جرَّاء هذه الأعمال الآثمة، وترتب على هذا مفسدة عظيمة في الدين؛ إذ ظن كثيرٌ من غير المسلمين أن الإسلام دين قتل وتدمير وغدر ـ عياذًا بالله ـ وهذا صد عن سبيل الله، وعلى المتسبب في ذلك أكبر كفل، وله من إثمه أكبر نصيب، وكم زَهَدَ أُناسٌ في الإسلام ورغبوا عنه بسبب هذا الهَوَس، وعدم الفهم لمبادئ هذا الدين.ألا فليعلم أهلُ الإسلام بل أهلُ الأرض أن الإسلام دين الوفاء والأمان، ولو خاننا خائن فإننا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نفي لهم بعهدهم, ونستعين الله عليهم) [رواه مسلم، (4740)].

منقووووول .

التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
 

الإجماع ومدى إمكانه في هذا العصر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

 مواضيع مماثلة

+
صفحة 1 من اصل 1

.:: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ::.


      هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة     
odessarab الكلمات الدلالية
odessarab رابط الموضوع
AlexaLaw bbcode BBCode
odessarab HTML HTML كود الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عالم القانون :: منتدى AlexaLaw لعالم القانون :: القانون و الشريعة الإسلامية-
انتقل الى:  
الإسلامي العام | عالم القانون | عالم الكتاب و الثقافة العامه | التجاره و المال و الأعمال | البرامج و تكنولوجيا المعلومات | تطوير المواقع و المدونات | الترفيهي و الإداري العام

Powered by AlexaLaw.com ® Phpbb Version 2
Copyright © 2010
.:: جميع الحقوق محفوظه لمنتدى عالم القانون © ::.

.::جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه و إنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه في حدود الديمقراطيه و حرية الرأي في التعبير ::.