عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .


عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .



عالم القانون

العدل أساس الملك - Justice is the basis
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
TvQuran
الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  110
AlexaLaw on facebook
الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  110
الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  110
الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  110
الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  110
الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  110

شاطر | 
 

 الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655185

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  1384c10


الأوسمة
 :


الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  Empty
مُساهمةموضوع: الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة    الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة  I_icon_minitime30/7/2010, 21:48

خيارات المساهمة


الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة

د. عبدالرحمن مدخلي


بسم الله الرحمن الرحيم


تمهيـد:
الحمد لله وَحْدَهُ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعدَهُ.. وبعدُ:
فبما أنَّ مِنْ أهمّ خصائِص الثَّقافة الإسلامية الشُّمولَ والتوازُنَ - فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ الجوانب التي يَنْبَغِي التَّركيزُ عليها - عند إعداد مُفْرَدات الثقافة الإسلامية - مَبْحَثَ الفِقْهِ في الدِّين، سيما في هذا الزمن الذي اخْتَلَطَ فيه الحابل بالنابل، وكثُر عدد المتعالِمين والمُفْتِين، وأصبح الدم رخيصًا، بِناءً على فتاوى سُفهاء الأحلام حُدَثاءِ الأسنان؛ ذلك أنَّ الفقه في الدِّين يجعل المرء المسلم ثابتًا على قِمَّة الوسطيَّة، بعيدًا عن طَرَفَيِ الإفراط والتفريط، إذِ الحقُّ حسنةٌ بين سيئتين.

وبِما أنَّ طلبة الجامعات والكليات هم صفوة المجتمع وموجِّهو المستقبل، وصانعو عقول الأجيال القادمة - كان لزامًا أن يكونوا فقهاء بدينهم، وواقعهم، حريصين على مصالح بلدانهم، يوازنون بين المصالح والمفاسد، ويفْقَهُون أدب الخلاف، ويُبَلِّغون الخير للغير بحكمة وموعظة حسنة، وهذا هو سِرُّ اختيار هذا الموضوع وضرورته.

المقصود بالفقه:
الفقه في اللغة: العِلْمُ بالشيء، والفَهْمُ له، والفِطنة فيه، وهو في الأصل: الفَهْم؛ يقال: أُوتِيَ فلانٌ فِقْهًا في الدِّين؛ أي فَهْمًا فيه، وفَقُهَ فِقْهًا: بمعنى علمًا، وفِقه – بالكسر -: فهم، وغَلَّبَ على علم الدين لشَرَفِهِ[1].

وفي الاصطلاح: العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسَبة من أدلتها التفصيلية[2].
والمراد بالفقه في هذه الورقة: المعنى اللغوي لا الاصطلاحي.

وأقصد بالفقه في الدين: فَهْمُ المراد من نصوص الشرع، سواء كانت النصوص تتعلق بمسائل الأصول أو مسائل الفروع، وتقديم الآراء والحلول لما يجدُّ من أشياءَ وأمورٍ استنادًا للنصوص الشرعية والفقه فيها، وهذا الفَهْم يُفهَم في ضوء قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هذا جبريل جاء ليعلِّم الناس دينهم))، بعد ما سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، مع قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ يُرِدِ الله به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّين))[3] والآثار الأخرى.

لماذا الفقه؟
1- لِتَوافُر النصوص الشرعية الواردة في بيان فضل الفقه في الدِّين، والترغيب فيه، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[4].
وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ يُرِدِ الله به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّين، وإنما أنا قاسمٌ والله يعطي، ولن تزال هذه الأمَّةُ قائمةً على أمر الله، لا يَضُرُّهم مَنْ خَالَفَهُمْ حتى يأتِيَ أمر الله))[5]
وقولِهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الناس مَعَادِنُ، خِيارُهُم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقِهُوا)) الحديثَ[6]. وفي لفظ: ((خياركم إسلامًا، أحاسِنُكُمْ أخلاقًا إذا فَقِهُوا))[7].
ودعاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لابن عباس بقوله: ((اللهمَّ فقِّهْهُ في الدِّين، وعلِّمه التأويل))[8].

2- لأنَّ جُلَّ الأخطاء التي تقع في هذا العصر وتنسب إلى الإسلام تقع بسبب جهل المرتكبين لها بدينهم، وعدم فِقْههم له.

3- ولأنَّ هذا الدِّين هو الدِّين الشامل الكامل الخاتم، الذي لا يقبل الله يوم القيامة دينًا سواه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[9]، فكان لابدَّ من بيانه للناس، كما أُنزِلَ؛ {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}.

4- لأن طلبة الجامعات والكليات هم مُوَجِّهو الأجيال وبُناةُ أفكارهم في المستقبل - فلابد من تأصيل هذه المسألة لَدَيْهِم وفِقْهِهِمْ لها؛ إذ يَصْعُب إحاطتهم بكلِّ أصول الدين وفروعه، غير أنَّ فقههم لمقاصد الشريعة، وفقه الموازنات والأوَّليات، وفقه أدب الخلاف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من مسائل الفقه الكليَّة - مقدورٌ عليه.

5- لأنَّ الأُمَّة تُبتلى في كلِّ عصر بغُلاةٍ وجُفاة، وقد قيل: "ضاع هذا الدين بين الغالي فيه والجافي عنه"، وفي هذا العَصْرِ ابْتلُِيَتِ الأُمَّة بالغُلاة من دعاة التكفير والتفجير والتدمير، وبِالمُتَفلِّتين المستغرِبين، دعاةِ التجديد المُطْلَق والتحلُّل من كلِّ القِيَم، والانسياق وراءَ أُطروحاتِ الغرْبِ والشَّرقِ؛ فكان لابُدَّ من تأصيلِ وتعْمِيقِ مَبْدَأ الفِقْهِ في الدِّين في عقول أبناء الأمَّة؛ ليحدَّ الغلاة ويقْصر المتفلِّتون، ويلتقي الطَّرفان في وسطيَّة الإسلام.

شمولية الفقه:
ليس الفِقْهُ شيئًا واحدًا؛ بل هو متنوِّعٌ شاملٌ؛ فمِنْ ذلِك: فقه المقاصد والنيَّات، وفقه الموازنات والأوليَّات، وفقه الاختلاف، وفقه سماحة الإسلام ويُسْره، وفقه الواقع، وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقه الدعوة، وفقْه الثوابت والمتغيِّرات.. وغير ذلك، وسأشير في هذا البحث المختصر إلى المقصود بيانه من كلِّ نوعٍ من هذه الأنواع، بشيءٍ من الإيجاز والإيضاح.

1) فقه المقاصد والنيَّات:
والمَقْصُود بِهَذَا الفِقْهِ: مُراعاةُ قَصْد المُتَكَلِّم ونيَّتِهِ قبل الحكم عليه، وبيان أثر النيَّة والقَصْد عِنْدَ التَّعامُلِ مَعَ الآخَرِين، ويشْمَلُ ذَلِكَ قواعدَ عِدَّةً، مِنْهَا:

1- مقاصِدُ اللَّفْظِ على نِيَّة اللافظ، إلاَّ في مَوْضِعٍ واحِدٍ؛ وهو الحَلِف؛ فإنه على نيَّة المستحلِف، وفي هذا المعنى يقول ابْنُ القَيٍّم: "وإيَّاك أن تُهمِل قَصْدَ المتكلِّم ونِيَّته وعُرْفَهُ؛ فَتَجْنِيَ عليه وعلى الشريعة، وتَنْسُبَ إليها ما هي بريئةٌ منه، وتُلْزِم الحالف والمقرَّ والنَّاذِر والعاقِد ما لم يُلْزِمْه اللهُ ورسوله به"[10].
ويدخل في هذه القاعدة في باب التطبيق والتعامل مع الآخَرين: أن المسلِم الورِع ينقل ما يصدر عن الآخرين من عبارات ومقولات كما صَدَرَتْ، دون تعرُّض للمعنى، ويعلِّلُ ذلك ابن الوزير بأن حكاية كلام الخصوم بالمعنى فيه ظلمٌ لهم؛ لأن الخصم اختار لفظًا وعبارةً ارتضاها لبيان مقصِده.

ويدخل في ذلك: عدم اتِّهام النيِّات؛ إذ اللفظ على نيَّة اللافظ، ومن قواعد الإسلام:
أن القلوب عِلْمُها عند الله، وعلى الناس ألاَّ يأخذوا إلاَّ بالظاهر، والله يتولَّى السَّرائر:
والأصل في ذلك أحاديث عدَّة، منها:
- قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما الأعمال بالنيِّات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى))[11].
- قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديث أبي سعيد الخُدْري في ذكر أوصاف الخوارج، وقول خالد - رضيَ الله عنه -: "وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه!". فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إني لم أؤمر أن أنقِّب قلوبَ الناس، ولا أشقَّ عن بطونهم))[12]، وغير ذلك.

2- القاعدة الثانية: يُغتفَر في الوسائل ما لا يُغتفَر في المقاصِد:
وتعني هذه القاعدة: أنَّ حكم الوسيلة إلى الشيء يختلف عن حكم الغاية والمقصِد، ولا يعني ذلك المقولة المشهورة المرذولة: (الغاية تبرر الوسيلة)؛ بل الأمر عند المسلم يختلف، فوسيلته وغايته شرعيَّتان، ويمكن التَّمثيل لهذه القاعدة بقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس الكذَّاب الذي يُصلِح بين الناس، فيقول خيرًا أو يُنْمِي خيرًا))[13]،فالكذب لإصلاح ذات البَيْن جائزٌ، إذ هو وسيلة لمقصد عظيم، وهو الإصلاح بين الناس، مع أن الكذب في أصله غير جائز.

وخلاصة هذه القاعدة: أنه لابد من التفريق بين الأحكام المتعلِّقة بالوسائل والأحكام المتعلِّقة بالمقاصد؛ وهذه القاعدة لها تعلُّق عند التطبيق بحسن الظنِّ بالمسلمين، وحَمْلِ ما يَصْدُر عنهم على المَحْمَلِ الحَسَنِ، سيَّما إذا كان من أهل الخير والصلاح، ويمكن التَّمثيل لهذه القضية بقصة حاطب بن أبي بَلْتَعَة في كِتَابَتِهِ لِكُفَّار قريش.

3- القاعدة الثالثة: الحكم مترتِّبٌ على القَصْد:
ويُقصد بهذه القاعدة: أنَّ من عَمِلَ عَمَلاً ولم يَنْوِهِ أو يقصِدْهُ لعارضٍ؛ كالنوم أو النسيان أو الخطأ - فإن هذا العمل لا يترتَّب عليه من الآثار والأحكام ما يترتَّب على مَنْ قَصَدَ العمل وأراده، والأصل في ذلك قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رُفع عن أمَّتي الخطأ والنسيان وما استُكْرِهُوا عليه))[14].
والغرض من تأصيل هَذَا الفِقْهِ: بَيان المنهج الشرعي في التعامل مع ما يَصْدُر من أهل العلم والفضل ممَّا ظاهره الزَّلل والخطأ، والتفريق بين المتعمِّد لذلك وبين مَنْ لم يقصد الخطأ.

2) فقه أدب الخلاف:
والمقصود بهذا الفقه: بيان المنهج الشرعي في التعامل مع المخالِف، سواءٌ كان مسلمًا أم كافرًا، وبيان آداب الحوار مع الآخَرين، والقضاء على ظاهرة الإقصاء واحتكار الحقيقة المطلقة.
والمخالِفون أنواع وأصناف شتَّى من الناس، ولكنهم على اختلافهم ينقسمون إلى قسمين:
1- المخالف المسلم.
2- المخالف الكافر.

والمسلم مُطالَب بالالتزام بأخلاق الإسلام في التعامل مع المخالِفين، وهذا مرهونٌ بأمرَيْن:
1- الفقه الشرعي، والمعرفة الصحيحة بالأحكام الشرعية المتعلقة بالموضوع.
2- الأخلاق النفسية الشخصية المستقرَّة داخل النَّفْس.

والفقه الشرعي في هذه المسألة يسلتزم معرفة ثلاثة أمور:
- أقسام الاختلاف.
- أسباب الاختلاف.
- أدب الاختلاف.
الخلاف على نوعَيْن: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد.
واختلاف التنوع له صورٌ كثيرةٌ مبسوطةٌ في مظانِّ ذلك.

أصولٌ عامَّةٌ للتعامل مع الآخَرين:
1- العدل.
2- الأخْذ بالظَّاهر.
3- مرجعية الكتاب والسنَّة.
4- التثبُّت من المنقول قبل اتِّخاذ المواقف.
6- قَبول الحقِّ ممَّن جاء به.

أسباب الاختلاف:
1- طبيعة البشر، وتفاوتهم في القدرة على الفَهْم والاستدلال.
2- طبيعة النصوص.
3- طبيعة اللغة.
4- عدم بلوغ الدليل للعالِم أو الفقيه.
5- عدم ثبوت الحديث عند البعض وثبوته عند غيرهم.
6- النسيان.
7- الخطأ والوهم.
8- عدم العلم بالنَّسخ.
9- اختلافهم في دلالة النصِّ[15].

الدَّعائم الفكريَّة في فقه الاختلاف:
1- الاختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسَعة.
2- اتِّباع المنهج الوَسَط، وترك التنطُّع في الدِّين.
3- التركيز على المحكَمات لا المشتَبِهات.
4- تجنُّب القطع والإنكار في المسائل الاجتهادية.
5- ضرورة الاطِّلاع على اختلاف العلماء.
6- شغل المسلم بهموم أمَّته الكبرى.
7- فقه أصول المعاملة الشرعية الواجبة على المسلم تجاه أخيه المسلم.

آداب وأخلاقيَّات الخلاف:
1- الإخلاص والتجرُّد من الأهواء.
2- التحرُّر من التعصُّب للأشخاص والمذاهب والطوائف.
3- إحسان الظنِّ بالآخَرين.
4- ترك الطَّعْن والتَّجْريح.
5- البُعْد عن المِراء واللَّدَد في الخصومة.
6- الحوار بالتي هي أحسن.

مظاهر لمفاهيم مغلوطة في هذا الباب، تُنبئ عن عدم الفقه بالدِّين:
1- الظنُّ بأنَّ المخالَفة في الرأي توجِب العداء والإيذاء.
2- الظنُّ بأنَّ المسلم المخالِف لا يصحُّ ذِكْر شيءٌ من محاسنه أو العدل معه.
3- الظنُّ بأنَّ المسلم المخالِف لا يصحُّ إحسان الظنِّ به.
4- الظنُّ بأنه يجوز الحكم على عقائد الناس بالظنِّ.
5- استباحة عدد من الأساليب المحرَّمة في التعامل مع المسلم المخالِف.
6- الظنُّ بأنَّ المسلم المخالِف لا يصحُّ التعامل معه، أو إعطاؤه شيئًا من الحقوق.
7- الظنُّ بأنَّ المسلم المخالِف يجوز الكلام في عِرْضه.
8- زَعْم التقرُّب إلى الله تعالى بأذيَّة المسلم لأخيه المسلم.
9- معارضة هذه الأوهام لما جاءت به شريعة الإسلام.

خُلُقُ التَّعامل مع المخالِف الكافر:
ينقسم الكافر إلى محارب وغير محارب، ولكلٍّ منهما أحكامٌ:
مظاهر العلاقة بالكافر غير المحارب:
1- كَفُّ الأَذَى والظلم وعدم التَّعَدِّي: ((مَنْ قتل معاهِدًا لم يَرِحْ رائحةَ الجنة))[16].
2- التزام أصول الأخلاق في الإسلام معه، من الصدق والأمانة والعدل، وتحريم الغدر والظلم.
3- جواز إيصال البِرِّ والمعروف الإنساني إليه، ومن ذلك: جواز الهديَّة، لكنَّ الإسلام في الوقت نفسه لا يسوِّي بين المسلم والكافر في مجال آخَر؛ هو مجال الدِّين، وما يستلزمه من حقوق بين المسلمين، ومجال ولاية الله ونُصرته.

ولذا حرَّم الإسْلام على المسلم أنواعًا من الأخلاق وصورًا من التعامل مع الكافر، لعلَّ أصولها ما يلي:
- مَحَبَّة الكافر ومودَّته لا تجوز، وهذا حكمٌ معلَّقٌ بالأوصاف لا بالأشخاص.
- موالاة الكفَّار من دون المؤمنين.

مظاهر طبيعة علاقة المسلم بالكافر المحارِب:
1- النهي عن البدء معهم بالقتال قبل الدعوة.
2- النهي عن الغدر والمُثْلَة في القتال.
3- النهيُ عن قتل مَنْ لا يَقْتضي الجِهاد في سبيل الله قتله؛ كالصبيان والنساء.
4- تحريم إفساد الزروع والثمار، وإحراق الدُّور.

مفاهيم مغلوطةٌ في التعامل مع الكفَّار:
1- الانْطِلاقُ من الانفعالات والمواقف الشخصية.
2- الانطلاق من مفاهيم يظنّ أنها شرعية.
3- الظنُّ بأنَّ أذيَّة المسلم للكافر فيها أجرٌ مطلقًا.
4- الظنُّ بأنَّ التعامل الحسن مع الكافرين حرامٌ.
5- اختلاط مفهوم التعامل الحسن بمفهوم الولاء.
6- الظنُّ بأنَّه لا يَجُوزُ السلام على الكافر مطلقًا.
7- الخَلْط بين تفضيل الإسلام وتفضيل الخُلُق الشخصي للمسلم[17].

1) فقه مقاصد الشريعة ومراتبها:
المقصود بمقاصد الشريعة: هي الغايات التي أُنزلت الشريعة لتحقيقها لمصلحة الخَلْق في الدَّارَيْن.
المقصد العام للشريعة الإسلامية: عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلَفين فيها، وقيامهم بما كُلِّفوا به من عدل واستقامة.
وما من حكم شرعي إلاَّ وهو يحقِّق مصلحة أساسها المحافظة على النفس أو العقل أو الدين أو النسل أو المال، وإنَّ هذا يبدو من الشريعة من جملة مقاصدها، ولا يمكن أن يكون حكمٌ شرعيٌّ إلاَّ وهو متَّجه إلى ناحية من هذه النواحي.

مراتب مقاصِد الشريعة:
اصطلح العلماء على تقسيم المقاصد إلى ثلاث مراتب:
1- الضروريات.
2- الحاجيات.
3- التحسينات.

الضروريات: هِيَ التي لابدَّ منها في قيام مصالح الدين والدنيا؛ بحيث إذا فُقدت لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامة؛ بل على فساد وتهارُج وفَوْتِ حياة، وفي الأخرى فَوْتُ النجاة والنعيم، والرجوع بالخُسْرانِ المُبِينِ.
والضروريات - وهِيَ ما اصْطلح على تسمِيَتِه بِالضروريات الخَمْسِ - وَهِيَ: حِفْظُ الدِّين والنَّفس والعقل والنَّسل والمال.
فحفظ الدِّين من باب العبادات، وحفظ النَّفس والعقل من باب العاديَّات، وحفظ النَّسل والمال من باب المعاملات.

والحاجيات: هي المفتقَر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدِّي - في الغالب - إلى الحرج والمشقَّة، وهي جارية في العبادات والعادات والمعاملات.
ففي العبادات: كالرُّخَص المخفَّضة في السَّفر والمرض.
وفي العادات: كإباحَةِ الصَّيْدِ، والتمتُّع بالطَّيِّبات ممَّا هو حلالٌ.
وفي المعاملات: كالقَرْض والمُساقاة والسَّلَم وغيرها.

أمَّا التحسينات: فمعناها الأَخْذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنُّب الأَحْوالِ المدنِّسات التي تَأْنَفُها العقول الرَّاجِحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق؛ كإزالة النجاسة، وسَتْر العورة، وأَخْذِ الزِّينة.

وفي ضوء هذا التقسيم لا يُراعى حكمٌ تَحْسِينيٌّ إذا كان في مراعاته إخلالٌ بِما هُوَ ضَرُوريّ أو حاجي؛ لأنَّ الفرع لا يُراعى إذا كان في مراعاته والمحافظة عليه تفريطٌ في الأصل، ولذلك أُبيحَ شرعًا كشف العورة عند الاقتضاء، لأجل تشخيص داءٍ أو مداواةٍ أو عملية جراحية ضروريَّة؛ لأنَّ سَتْرَ العورة من الأمور التحسينية، أما العلاج فمن الضروريات؛ لأن حياته: النَّفس أو العقل أو النَّسل.

وبعد هذا التَّأصيل لهذا الفقه لنا أن نسأل: هل سمع دعاة التفجير والتدمير من خوارج العصر بِهَذا الفقه - فضلاً عن امتثاله -؟ وهل وازنوا بين المصالح والمفاسد عندما دمروا وقتلوا؟! وأيُّ مصلحة راجحة أو مرجوحة خرجوا بها من جرَّاء أعمالهم؟!

إنَّنِي أقولُ جازمًا وبدون تردُّد: لو أنَّ هؤلاء القومَ على دراية بأصول هذا الفقه - ما دمَّروا وأفسدوا وقتلوا؛ فهل يشكُّ عاقلٌ بعد ذلك في ضرورة هذا الفقه في مناهج تعليمنا العالي وغيره.

ومِمَّا يُبنى على فقه المقاصد فقهٌ آخَر يسَّمى بـ:
فقه الموازنات والأولويَّات:
المراد بهذا الفقه: هو الفقه الذي يوازن بين المصالح بعضها وبعض، مرجِّحًا الراجح على المرجوح، ويقدِّم الأفضلَ على المفضول، والأهمَّ على المهمِّ، والواجبَ على المندوبِ، والضروريَّ على الحاجي، والحاجيَّ على التحسيني عند التعارض.
وهو ذلك الفقه الذي يوازن بين المفاسد بعضها وبعض.
وهو أيضًا: الفقه الذي يوازِن بين المصالح والمفاسد عند التعارض.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشرِّ، وإنما العاقل الذي يعلم خيرَ الخيرَيْن وشرَّ الشرَّيْن..
إِنَّ اللَّبِيبَ إذَا بَدَا مِنْ جِسْمِهِ مَرَضَانِ مُخْتَلِفَانِ دَاوَى الأَخْطَرَا"[18]
والمراد بالتَّعارُض بَيْنَ المَصْلَحتَيْنِ: تعذُّر تحقُّقهما معًا.
والمراد بالتَّعارُضِ بَيْنَ المفسدتين: تعذُّر دفع المفسدتين جميعًا.
والمراد بالتعارض بين المصالح والمفاسد: التلازم بينهما.

ولدفع هذا التعارض؛ يجب مراعاة القواعد التالية:
القاعدة الأولى: إذا تعارضت مصلحتان وتعذَّر الجمع بينهما وتحصيلهما جميعًا؛ وَجَبَ تفويتُ المصلحة الصغرى لتحصيل المصلحة الكبرى؛ كمَن أصاب يدَهُ مرضٌ، وقَرَّرَ الأطباء بَتْرَها، وقد دلَّ عليه من القرآن قول الله تعالى: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}[19].
وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعائشة بنت أبي بكر - رضيَ الله عنهما -: ((لولا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثو عهدٍ بالجاهلية - لهدمتُ الكعبة وجعلتُ لها بابَيْن)) الحديث[20].

القاعدة الثانية: إذا تعارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ وتَعَذَّرَ دَرْؤُهُما جميعًا؛ بل لابد من الوقوع في إحداهما - فحينئذٍ يجب ارْتِكاب المفسدة الصغرى في سبيل دفع المفسدة الكبرى:
مثل: تعارض مفسدة ذَهاب المال مع مفسدة ذهاب الدِّين أوِ النَّفس، ومثل: خَرْق الخَضِر للسفينة حتى لا يأخذها الملك الظالم.

القاعدة الثالثة: إذا تَعارَضَتْ مَفْسَدَةٌ ومَصْلَحَةٌ، وَلِذَلِكَ صور:
1- أن تكون المفسدة أكبر من المصلحة.
2- أن تتساوى.
3- أن تكون المصلحة أكبر، ومثل ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[21]

نماذج من الموازنات:
- استخلاف أبي بكر الصديق قبل دفن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
- حصار المسلمين لمدينة تُسْتَر، والصلاة بعد طلوع الشمس.
- ما حدث للمسلمين في بيروت، عندما أرادوا فكَّ الحصار عن إخوانهم في عَكَّا.
وهذه المواقف مبسوطةٌ في كتب التاريخ.

2) فقه سماحة الإسلام ويُسْره:
والمقصود من هذا الفقه تأصيل المبادئ التالية:
1- ليس من مقاصد الإسلام تحرِّي المشقَّة وجلب العُسْر.
2- لا تكليف إلا بما يُستطاع.
3- عموم الشريعة زمانًا ومكانًا وأشخاصًا.
4- أنَّ التشدُّد والغُلُوَّ ليس شِرْعَة المسلمين، وإنما هو شِرْعَةُ مَنْ قبلَهم.
5- أنَّ الله يحبُّ أن تُؤْتَى رُخَصُه كما يحبُّ أن تؤتى عزائمه.
6- أنَّ القاعدة الشرعيَّة: (المشقَّة تجلب التيسير، والأمر إذا ضاق اتَّسع).
وذلك أنَّ النُّصوص الشرعيَّة قد تَوَاتَرَت على الترغيب في التيسير، ونبذ الغُلُوِّ والتَّنطُّع.

3) فقه الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وهذا الفقه مستخلَص من قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[22]، وقوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[23].
وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمعاذ وأبي موسى عندما أرسلهما إلى اليمن: ((يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا)) الحديث.
وقد ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - قواعد في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبسوطة في كتب الدعوة والحِسْبَة تُكتَب بماء الذهب، فمن تلك القواعد - من باب التمثيل لا الحصر -:

في باب إنكار المنكر:
1- تقديم الأهمِّ على المهم.
2- التدرُّج بالإنكار.
3- ألاَّ يترتَّب على إنكار المنكِر ما هو أنْكَر.
4- ألاَّ يكون المنكر من مسائل الخلاف السَّائغ.
إلى غير ذلك مِمَّا هو مبسوطٌ في مظانِّه.

وفي باب الدَّعوة:
1- الحكمة والرِّفق.
2- مراعاة عقول الناس وأفهامهم.
3- مراعاة الظروف والأحوال.. إلى غير ذلك.

4) فقه الثوابت والمتغيِّرات:
والمقصود بالثوابت: القطعيَّات ومسائل الإجماع، إضافةً إلى بعض الاختيارات العلمية الراجحة، التي تمثِّل مخالفتها نوعًا من الشُّذوذ والزَّلل.

والمتغيرات: هي الظنِّيَّات وموارد الاجتهاد، وكلُّ ما لم يَقُمْ عليه دليلٌ قاطعٌ من نصٍّ صحيح أو إجماع صريح.
والمقصود بفقه الثوابت والمتغيرات: معرفة ذلك، وفَهْم المنهج المعتبَر لدى أهل العلم في التعامُل مع كلٍّ منهما، والهدف من معرفة ذلك بيان ما ينعقِد الولاء والبراء عليه، وبين ما يَسَع الأمَّةَ فيه ما وَسِع مَنْ سَبَقَهُمْ من خيار الأمَّة، فيتكلَّم فيه كلٌّ بما عنده من حُجَج وبيِّنات، مع بقاء الأُلفة والعصمة في الدِّين.
كما أنَّ من أهداف هذا الفقه: بيان أنَّ الثوابت لا مجال فيها للتطوير والاجتهاد، ولا يحلُّ الخلاف فيها لمَنْ علمها.
قال الشافعيُّ: "كلُّ ما أقام به الله الحجَّة في كتابه أو على لسان نبيِّه منصوصًا بيِّنًا - لم يحلّ الاختلافُ فيه لِمَنْ عَلِمَهُ"[24]، بخلاف المتغيّرات والوسائل.
ويبيِّنُ الشَّيْخُ القَرَضَاوِيُّ الفَرْقَ بَيْنَ الثَّوابِتِ والمُتَغَيّرات فَيَقُولُ: "فَمِنْ أَحْكَامِ الدِّين ما يتعلَّق بِالعقائد التي تحدِّد نَظْرَةَ الدِّين إلى المبدأ والمصير، إلى الله والكون والحياة والإنسان، أو ما يسميه علماء العقائد عندنا: الإلهيَّات والنبوَّات والسمعيَّات. وهذه حقائقُ ثابتةٌ لا تتغيَّر.
ومنها: ما يتعلَّق بشعائر العبادات الرئيسة التي تحدِّد صلة الإنسان العملية بربه، وهي التي تعتبَر أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهذه في أسسها العامة ثابتة، وإن كان الاجتهاد يدخل عليها في كثير من التفاصيل.
ومنها: ما يتعلَّق بالقِيَم الخُلُقيَّة، ترغيبًا في الفضائل وترهيبًا من الرَّذائل، وهذه تتميَّز بالثَّبات أيضًا في مجموعها.
وهذه الثلاثة لا يحتاج الناس إلى تغيُّرها؛ بل إلى ثباتها واستقرارها؛ لتستقرَّ معها الحياة وتطمئن العقول والقلوب.
بقيَ أمرُ نظم الحياة المختلفة؛ مثل نظام الأسرة والمواريث ونحوها، ونظام المعاملات والمبادلات المالية، ونظام الجرائم والعقوبات، والأنظمة الدستورية والإدارية والدُّوَلِيَّة ونحوها، وهي التي يفصِّل أحكامها الفقه الإسلامي بمختلف مدارسه ومذاهبه.

وهذه ذات مستويَيْن:
- مستوى يمثِّل الثَّباتَ والدَّوام: وهو ما يتعلَّق بالأُسُسِ والمَبَادِئ والأحكام التي لها صفة العُموم، وهو ما جاءت به النصوص القَطْعِيَّةُ الثُّبوتِ، القَطْعِيَّةُ الدَّلالةِ، التي لا تختلف فيها الأفهام، ولا تتعدَّد الاجتهادات، ولا يؤثِّر فيها تغيُّر الزمان والمكان والحال.

- ومستوى يمثِّل المُرونةَ والتَّغَيُّر: وهو ما يَتَعَلَّقُ بِتَفْصِيلِ الأَحْكَام في شؤون الحياةِ المُخْتَلفة، وخصوصًا ما يتَّصلُ بِالكَيْفِيَّات والإجْراءات ونحوِها، وهذه قلَّما تأتي فيها نُصوصٌ قَطْعِيَّةٌ؛ بل إمَّا أن يكون فيها نصوصٌ محتمِلة، أو تكون متروكة للاجتهاد؛ رحمةً من الله تعالى غيرَ نسيان"[25].
والخلاصة: أنَّ الهدف من تأصيل هذا الفقه وضعُ قواعدَ ثابتةٍ دائمةٍ لجيل المستقبل، حتى لا ينساقوا مع دُعاة التجديد والعَصْرانيين، الذين ينادُونَ بِنَسْفِ كُلِّ قديم، وتَغْيِيرِ كُلِّ ثابت؛ بل ليس ثمَّة ثوابتُ عندهم، كما لا يَقَعُوا في شراك الجامدين على المألوف القديم، ونَبْذِ كلِّ جديد، حتى وإن كان في الوسائل والأساليب، وفيه مصلحةٌ راجحةٌ للأمَّة؛ بل الوسطيَّة في هذا الأمر وغيره هي المنهج الشرعي الدائم، الذي يبيِّن المولى - عزَّ وجلَّ - أنَّه من أخصِّ صفات هذه الأمَّة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[26].

وبعـد:
- فإن المقصود بيانه في هذا الورقة: أن الفقه في الدين ضرورة ملحَّة في زمن الفِتن والعوْلَمَة.
- وأن الفقه في الدِّين شاملٌ ومتنوِّع، وليس حِكْرًا على ما يتبادر الذهن إليه ويعرفه عامة المسلمين - من أنه فقه الأحكام الشرعية بأدلَّتها التفصيلية.
- وأن المقصود من دراسة جوانب هذا الفقه الشامل: تحصين شباب الأمَّة، وموجِّهي أجيالها، من غُلُوِّ المفرِطين وتفلُّت المفرِّطين، وبيان المنهج الوَسَط لهم في ذلك.
- وأن ما ذُكِرَ من أنواع الفقه في هذه الورقة ليس للحصر بل للتمثيل، فهناك أنواع أخرى من الفقه لم أتطرَّق إليها؛ مثل:
- فقه الواقع، أو ما يسمى بفقه المرحلة.
- فقه النوازل.
- فقه السنن الإلهية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] لسان العرب: (مادة فقه 13/522)، والصحاح: (مادة فقه 6/2243).
[2] البحر المحيط للزركشي: (1/ 21).
[3] رواه البخاري ومسلم.
[4] سورة التوبة آية (122).
[5] رواه البخاري [كتاب العلم].
[6] رواه البخاري ومسلم.
[7] أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده وأورده الألباني في الصحيحة 1846.
[8] رواه البخاري ومسلم دون قوله (وعلمه التأويل) فقد رواها أحمد وأبو يعلى والحاكم.
[9] سورة آل عمران آية (85).
[10] إعلام الموقعين: (3/66).
[11] رواه البخاري ومسلم.
[12] رواه البخاري ومسلم.
[13] رواه البخاري ومسلم.
[14] رواه ابن ماجه والطبراني وصححه الألباني.
[15] للاستزادة انظر: كتاب "الإنصاف في بيان أسباب الخلاف" للدهلوي.
[16] رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
[17] أفدتُ في هذا المبحث من كتاب الأخلاق الفاضلة للدكتور ضيف الله الرحيلي.
[18] مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (20/48).
[19] سورة طه آية (94).
[20] رواه البخاري.
[21] سورة البقرة آية (219).
[22] سورة النحل آية (125).
[23] سورة طه آية (44).
[24] الرسالة للشافعي: (560).
[25] بينات الحل الإسلامي للدكتور يوسف القرضاوي: (76 – 77).
[26] سورة البقرة آية (143).

التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
 

الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

 مواضيع مماثلة

+
صفحة 1 من اصل 1

.:: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ::.


      هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة     
odessarab الكلمات الدلالية
odessarab رابط الموضوع
AlexaLaw bbcode BBCode
odessarab HTML HTML كود الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عالم القانون :: منتدى AlexaLaw لعالم القانون :: القانون و الشريعة الإسلامية-
انتقل الى:  
الإسلامي العام | عالم القانون | عالم الكتاب و الثقافة العامه | التجاره و المال و الأعمال | البرامج و تكنولوجيا المعلومات | تطوير المواقع و المدونات | الترفيهي و الإداري العام

Powered by AlexaLaw.com ® Phpbb Version 2
Copyright © 2010
.:: جميع الحقوق محفوظه لمنتدى عالم القانون © ::.

.::جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه و إنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه في حدود الديمقراطيه و حرية الرأي في التعبير ::.