عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .


عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .



عالم القانون

العدل أساس الملك - Justice is the basis
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
TvQuran
القرآن الكريم  110
AlexaLaw on facebook
القرآن الكريم  110
القرآن الكريم  110
القرآن الكريم  110
القرآن الكريم  110
القرآن الكريم  110

شاطر | 
 

 القرآن الكريم

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 17:07

خيارات المساهمة


القرآن الكريم


مدخل
من فضل الله على الإنسان، أنه لم يتركه في الحياة ضائعاً، بل غرس فيه فطرة سليمة تقوده إلى الخير وترشده إلى البرِّ. ثم زاد الله من فضله، فبعث إلى الإنسان، بين فترة وأخرى، رسولاً يحمل إليه كتاباً يدعو إلى معرفة الله وتوحيده، يبشره وينذره، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( سورة النحل، الآية 36 ). وذلك لإقامة الحجة على الإنسان، قال تعالي: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ( سورة النساء، الآية 165 ).

فلمّا اكتمل نضج الإنسانية، وازداد رقيها وتطورها، أراد الله أن يختم الرسالات، فأشرقت الدنيا برسالة محمد، ليكمل البناء، الذي بدأه إخوانه السابقون من الرسل. وأيده الله بآخر كتبه، وأعظمها، القرآن الكريم رسالة الإنسانية كافة: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ( سورة الفرقان، الآية 1 ). قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ( سورة الأعراف، الآية 158 ). ذلك أن رسالة الإسلام، التي حملها القرآن إلى الناس، على لسان نبيه، هي للناس كل الناس، وبذلك تختلف عن الرسالات الأخرى، حيث كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة.

فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي. كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي؛ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ؛ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ .

ولن تكون هناك رسالة أخرى بعد رسالة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ( سورة الأحزاب، الآية 40 ).

القرآن لغة واصطلاحاً
القرآن في اللغة مصدر مرادف للقراءة، على وزن فُعلان، مثل غُفران وشكران، ومعناها ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ( سورة القيامة، الآيتان 17 و18 ). ثم نُقل من هذا المعنى المصدري، وجُعل اسما للكلام المعجز، المنزّل على محمد ـ المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة .

وفي الاصطلاح: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المُنزّل على محمد ـ للبيان والإعجاز، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف أو كيفيتها، من تخفيف وتشديد وغيرهما .

وذكر بعض العلماء أن هذا الكتاب سَمّي "قرآناً"، من بين كتب الله السابقة، لكونه جامعاً لثمرة كتبه، بل جامعاً لثمرة جميع العلوم. كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ( سورة النحل، الآية 89 )، وقوله مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ( سورة الأنعام، الآية 38 ). وهو كلام الله المُنزّل على محمد، المُتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس، المنقول إلينا بالتواتر.

وقد سماه الله بأسماء كثيرة، منها:

القرآن: إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ( سورة الإسراء، الآية 9 ).

والكتاب: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ( سورة الأنبياء، الآية 10 ).

والفرقان: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ( سورة الفرقان، الآية 1 ).

والذكر: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( سورة الحجر، الآية 9 ).

والتنزيل: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( سورة الشعراء، الآية 192 ).

ووصف الله القرآن بأوصاف كثيرة، كذلك، منها:

" نور ": يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ( سورة النساء، الآية 174 ).

وهدى، وشفاء، ورحمه، وموعظة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ( سورة يونس، الآية 57 ).

ومبارك: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ( سورة الأنعام، الآية 92 ).

ومبين: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ( سورة المائدة، الآية 15 ).

وبشرى: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ( سورة البقرة، الآية 97 ).

وعزيز: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ( سورة فصلت، الآية 41 ).

ومجيد: بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ ( سورة البروج، الآية 21 ).

وبشير ونذير: كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا ( سورة فصلت، الآيتان 3 و4 ).

وكل اسم أو وصف للقرآن الكريم، مستمد أو مشتق من معنى من معانيه.

الفرق بين القرآن والحديث القدسي
قد تلتبس على بعض الناس ألفاظ القرآن مع ألفاظ الحديث القدسي، وهو الحديث الذي، ينسبه النبي، إلى الله تعالى. أي أن النبي يروي الحديث، الذي هو من عند الله، بلفظ من عنده. وإذا روى الحديث أحد الرواة، رواه عن رسول الله، مسنداً إلى الله عز وجل، فيقول: قال رسول الله، قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى.

هناك عدة فروق بين القرآن الكريم، والحديث القدسي، أهمها:

أن القرآن كلام الله أوحى به إلى رسوله بلفظه، وتحدى به العرب، فعجزوا عن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة واحدة من مثله. بينما الحديث القدسي لم يقع به التحدي والإعجاز.
القرآن الكريم لا ينسب إلاّ إلى الله تعالى، فيقال: قال الله تعالى. بينما الحديث القدسي قد يروى مضافاً إلى الله وتكون النسبة إليه حينئذ نسبة إنشاء، فيقال قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى، وقد يروى مضافاً إلى رسول الله وتكون النسبة حينئذ نسبة إخبار لأنه، عليه الصلاة والسلام، هو المخبر به عن الله، فيقال: قال رسول الله، فيما يرويه عن ربه عز وجل.
القرآن الكريم جميعه منقول بالتواتر ، فهو قطعي الثبوت . والأحاديث القدسية أكثرها أخبار آحاد ، فهي ظنية الثبوت. وقد يكون الحديث القدسي صحيحاً ، وقد يكون حسناً ، وقد يكون ضعيفاً.
القرآن الكريم من عند الله لفظاً ومعنى، فهو وحي باللفظ والمعنى. والحديث القدسي معناه من عند الله، ولفظه من عند الرسول، على الصحيح؛ فهو وحي بالمعنى دون اللفظ، ولذا تجوز روايته بالمعنى عند جمهور المحدثين.
القرآن الكريم متعبد بتلاوته، فهو الذي تتعين القراءة به في الصلاة فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ ( سورة المزمل، الآية 20 ) وقراءته عبادة يثيب الله عليها، وفقاً لِما ورد في الحديث أنّ رَسُولُ اللَّهِ قال: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ .
والحديث القدسي لا يُقرأ ( يتلى ) في الصلاة، ولكن الله يثيب على فهمه والعمل به.

القرآن والإعجاز
نزل القرآن واللغة العربية في قمة ازدهارها، حيث كانت تقام المهرجانات الأدبية في أسواق العرب المختلفة. وكان فحول الشعراء يتبارون في القصيد والإنشاد، ليسمع الآخرون أشعارهم، ويفاضلوا بينهم. إلاّ أن نزول القرآن أحدث ضجة في صفوف بلغائهم، فكان المقصد من نزوله أن يقوم آية شاهدة برسالة الرسول، وأن يبقى على الدهر معجزة خالدة، ينطق بالهدى ودين الحق. وأن تكون المعجزة في نقطة قوتهم، وهي البلاغة، مع أن وِجوه إعجاز القرآن كثيرة، إلاّ أن بلاغته العليا هي أبرز وجوهه وجوداً، فقد تحدى الله بالقرآن أئمة البيان في عصر ازدهاره والنبوغ فيه، فعجزوا عن محاكاته، وكان سائر الخلق أشد عجزاً. فبلاغة القرآن تمثلت فيما اشتمل عليه من الخصوصيات والاعتبارات الزائدة، فهي سارية فيه سريان الماء في العود الأخضر، أو سريان الروح في الجسم الحي، وأنّ نظم القرآن مصدر لهداياته كلّها.

ومن عجيب أمر القرآن وأمر العرب، أنه طاولهم في المعارضة، وتنازل لهم عن التحدي بجميع القرآن إلى التحدي بعشر سور مثله، ثم إلى التحدي بسورة واحدة من مثله، وهم على رغم هذه المطاولة، ينتقلون من عجز إلى عجز، ومن هزيمة إلى هزيمة. فقد قال لهم في أول تحدٍّ لهم: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ( سورة الطور، الآيتان 33 و34 ). فلما عجزوا، مدّ لهم في الحبل، وخفّف عنهم حجم التحدي حين قال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( سورة هود، الآيتان 13 و14 ). فلما عجزوا هذه المرة أيضاً، طاولهم مرة أخرى، وأرخى لهم الحبل إلى آخره، وخفّف حجم الإعجاز مرة أخرى إلى أقلّ قدر يمكن أن يتمثل فيه الإعجاز، فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( سورة يونس، الآية 38 ). وقال: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) ( سورة البقرة، الآيتان 23 و24 ).

وقد حسمت الآية التالية الأمر: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( سورة الإسراء، الآية 88 ).

وجوه الإعجاز في القرآن الكريم
المعجزة: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدّي، سالم عن المعارضة. وهي إمّا حسية وإما عقلية . وأكثر معجزات الأنبياء السابقين كانت حسية، تنتهي بانتهاء عصرها. فمعجزة موسى مثلاً ـ لم يرها إلا الذين عاصروه، وكذا معجزة عيسى أمّا المعجزة العقلية فمعجزة باقية؛ يقرؤها الخلف كما قرأها السلف، ويدركها الناس في جميع العصور، كما أدركها الذين شافهوا الرسول ـ وعاصروه.

كانت معجزة الرسول قرآناً يتلى، ولم تكن أمراً حسياً كغيره من الأنبياء السابقين. فقد سأل المشركون الرسول ـ قائلين له: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ( سورة الإسراء، الآيات 90 ـ 93 ). ولكن الله أعلم بما تُكِن نفوسهم فلم يجبهم إلى ما طلبوه. وأما ما حدث من خوارق العادات على يديه، عليه الصلاة والسلام، غير القرآن كما أوردته كتب السنة الصحيحة والسير، فإن التحدي لم يكن به، إنما كان التحدي بالقرآن وحده.

1. الإعجاز البياني
لا خلاف أن كتاب الله تعالى معجز لم يقدر أحد على معارضته بعد تحديهم بذلك، قال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ( سورة التوبة، الآية 6 ). فلولا أن سماعه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه، ولا يكون حجة إلا وهو معجزة، وقال تعالى: وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ءَايَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ( سورة العنكبوت، الآيتان 50 و51 ). فأخبر أن الكتاب آية من آياته، كاف في الدلالة، قائم مقام معجزات غيره، وآيات مَنْ سواه من الأنبياء.

يروى أن عمر بن الخطاب أراد أن يبيت ليلة خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي ـ قائم يصلي، وقد استفتح سورة " الحاقة ". فجعل عمر بن الخطاب يستمع إلى القرآن ويعجب من تأليفه، فقال في نفسه: هذا والله شاعر، كما قالت قريش. فقرأ النبي إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ٍ(40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ ( سورة الحاقة، الآيتان 40 و41 ). قال عمر فقلت في نفسي: كاهن، قال النبي: وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلى آخر السورة، ( سورة الحاقة، الآيتان 42 و43 ). قال عمر "فوقع الإسلام في قلبي". ولكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، والعصبية التقليدية، والتعاظم بدين الآباء، هي غالبة على عين الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه، فبقي مجداً في عمله ضد الإسلام.

وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لمحمد ـ أنه خرج يوماً متوشحاً سيفه، يريد القضاء على النبي، فلقيه نعيم بن عبدالله النحام العدوي، فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمداً، قال: كيف تأمن من بني هاشم، ومن بني زهرة وقد قتلت محمداً؟ فقال له عمر: ما أراك إلاّ قد صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه، قال أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إنّ أختك وخدنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر حتى أتاهما، وعندهما من يقرئهما القرآن، فلما سمعوا حس عمر توارى المقرئ ( خباب بن الأرت ) في البيت، وسترت فاطمة ( أخت عمر ) الصحيفة، وكان عمر قد سمع حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلمّا دخل عليهما قال: ما هذا الذي سمعته عندكم؟ فقالا: حديث تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما ـ فقال له زوج أخته: يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر عليه فوطئه وطأ شديداً. فجاءت أخته فرفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده ـ فدمى وجهها ـ فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. فلما يئس عمر، ورأى ما بأخته من الدم، ندم واستحى، وقال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فاقرؤوه، فقالت أخته إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال: أسماء طيبة طاهرة. ثم قرأ: " طه " ( سورة طه، الآية 1 )، حتى انتهى إلى قوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ( سورة طه، الآية 14 ). فقال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه؟! دلوني على محمد، فكانت فصاحة القرآن وإعجازه سبباً في إسلام عمر، حيث أخذ عمر سيفه بعد ذلك وتوشحه، ثم انطلق حتى الدار التي فيها رسول الله، فضرب الباب فقام رجل ينظر من خلل الباب فرأى عمر متوشحاً السيف، فأخبر رسول الله ـ واستجمع القوم، فقال لهم حمزة: مالكم؟ قالوا: عمر، فقال: وعمر، افتحوا له الباب فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه، فخرج له رسول الله فأسلم .

وقد انتزع القرآن اعتراف العرب به، وأنه كلام معجز لا يشبه كلامهم. يروى أن قريشاً اجتمعت تبحث في أمر محمد، فاستقر رأيهم أن يبعثوا له ممثلاً يفاوضه ليردّه عمّا هو فيه، فوقع اختيارهم على عتبة بن ربيعة، فذهب إليه حتى جلس عنده، فقال عتبة للنبي: يا ابن أخي، إنّك منا حيث قد علمت من الرفعة في العشيرة، والمكانة في النسب، وإنّك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلّك تقبل منها بعضها. فقال رسول الله ـ حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّ ةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ (سورة فصلت، الآيات 1 ـ 5). ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما، يسمع منه، ثم انتهى رسول الله إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ـ فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال ورائي أني سمعت قولاً، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم". وهكذا انبرى أحد صناديد قريش يدافع عن القرآن وينزهه عما ألصقوه به من سحر وكهانة وشعر.

وتروي كتب السيرة قصصاً كثيرة عن تأثير القرآن في سامعيه. فمما يروى أنّ رسول الله وهو في مكة قبل الهجرة، أرسل مع أهل المدينة الذين جاءوا وبايعوه بيعة العقبة الأولى مبعوثين جليلين: مصعب بن عمير ، وعبد الله بن أم مكتوم، فنزلا على أسعد بن زرارة، وأخذا يبثان الإسلام في أهل يثرب. وكان مُعصب يُعرف بالمقرئ فخرج مع أسعد بن زرارة، الذي كان يريد دار بني عبد الأشهل، ودار بني ظفر، فدخلا في حائط ( أي بستان )، من حوائط بني ظفر، وجلسا على بئر يقال لها بئر مرق، واجتمع إليهما رجال من المسلمين. وسعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير سيدا قومهما من بني عبد الأشهل يومئذ على الشرك، فلما سمعا بذلك، قال سعد لأسيد: اذهب إلى هذين اللذين أتيا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما عن أن يأتيا دارينا، فإنّ أسعد بن زرارة ابن خالتي، ولو لا ذلك لكفيتك هذا.

فأخذ أسيد حربته، وأقبل إليهما، فلما رآه أسعد قال لمصعب: هذا سيّد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه. وجاء أسيد فوقف عليهما متشتماً، وقال: ما جاء بكما إلينا؟ تسفهان ضعفاءنا؟! اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره، فقال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس، فكلمه مصعب بالإسلام وتلا عليه القرآن. قال: فو الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلّم، في إشراقه وتهلله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله فأسلم، ثم قال: إن ورائي رجلاً إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرشده إليكما الآن ـ سعد بن معاذ ـ ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد في قومه، وهم جلوس في ناديهم، فقال سعد: أحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم.

فلما وقف أسيد على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ فقال: كلمت الرجلين، فو الله ما رأيت بهما بأساً وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت. ثم احتال أُسيد حيلة جعلت سعداً يذهب بنفسه إلى هناك، فحدث له مثل ما حدث لأُسيد، فأسلم، وأسلم لإسلامه جميع بني عبدالأشهل.

ومن أروع ما يروى في تأثير القرآن على المستمعين له، أنّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي ـ فقرأ عليه النبي القرآن فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قبَله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنّك كاره له، قال: وماذا أقول! فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: دعني حتى أفكر، فلما فكّر قال: هذا " سحر " ، فصوره الله حاله، وما انتهى إليه تفكيره في سورة المدثر .

وتأتي وجوه الإعجاز البياني في القرآن، من مخالفته لكل ضروب البيان المعروفة للعرب، مثل: الشعر، والسّجع، والخطب، والرسائل، والنثر. فقد أتى نظم القرآن بطريقة مفردة خارجة عمّا ألفه الناس، لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة، وتفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام. بينما وجوه الإعجاز البياني في القرآن على تعددها، يمكن حصرها في الآتي:

أ.
طريقة تأليفه، والتئام كلمه وفصاحته، ووجوه إيجازه، وبلاغته التي فاقت أساليب العرب، الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن.

ب.
صورة نظمه، والأسلوب المخالف لأساليب كلام العرب، ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه، ووقفت عليه مقاطع آياته، وانتهت إليه فواصل كلماته؛ فبلاغته ونظمه نوع من الإعجاز لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما، إذ كلاهما فاق قدرتها وبيان فصاحتها وكلامه .

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 17:08

خيارات المساهمة


2. الإعجاز الخبري

اشتمل القرآن على كثير من قصص الأنبياء والرسل، وما لحق بهم، فكان ذلك وجه إعجاز آخر فيه. فقد أوحى الله هذه الأخبار إلى نبي أميّ لا يعرف الكتابة والقراءة، وجعله يلمّ بأخبار السابقين وقصصهم. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاَ مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ( سورة غافر، الآية 78 ). ومنه، وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) ( سورة الفرقان، الآيات 35 ـ 38 ). وكذلك، من الإعجاز الخبري، قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ( سورة ق، الآيات 12 ـ 14 ).

فإن كان ما سبق يتعلق بإعجاز القرآن الخبري عن الماضي، فهو يتضمن أخباراً عن المستقبل، فيها ما تحقق وفيها ما ينتظر تحقيقه.

ومن إخباره بالمُغيّبات المستقبلية قوله تعالى: "سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ" (سورة القمر، الآية 45). فهذا مما أخبر الله به نبيه، فكانت الهزيمة يوم بدر . ومنه قوله: "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ" (سورة الأنفال، الآية7). فالله وعد المسلمين بالاستيلاء على عير قريش أو الانتصار عليهم، وقد تحقق منه قوله: "لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا" (سورة الفتح، الآية 27). فكان فتح مكة.

3. الإعجاز العلمي
من العلماء من رأى في القرآن الكريم معجزة علمية واضحة، توافقت معها الاكتشافات العلمية، التي تظهر في كل حين. ومع ذلك يخطئ كثير من الناس، حين يحرصون على أن يتضمن القرآن الكريم كل نظرية علمية. فهم كلمّا ظهرت نظرية جديدة التمسوا لها محملاً في آية يتأولونها، بما يوافق هذه النظرية. ومنشأ الخطأ أن العلوم تتجدد نظرياتها مع الزمن تبعاً لسُّنة التقدم، فلا تزال في نقص دائم يكتنفه الغموض أحياناً، والخطأ أحياناً أخرى، وتستمر هكذا حتى تقترب من الصواب، وتصل إلى درجة اليقين. وكثير من القواعد العلمية، التي ظن الناس أنها أصبحت من المسلمات تتزعزع بعد ثبوت، ثم يستأنف الباحثون تجاربهم فيها مرة أخرى.

والقرآن الكريم كتاب عقيدة وهداية، وإعجازه العلمي ليس في اشتماله على النظريات العلمية، التي تتجدد وتتبدل، وإنما في حثه على التفكير والنظر في الكون وتدبره، وحَثّه الإنسان على التفكير في نفسه، وفي الأرض التي يعمرها، وفي المخلوقات من حوله:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ ( سورة آل عمران، الآية 190 ).

ووَفِي الأَرْضِ ءَايَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ( سورة الذاريات، الآيتان 20 و21 ).

وأَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ( سورة الغاشية، الآيات 17 ـ 20 ). وغير ذلك كثير.

ومع هذا ففي القرآن إشارات إلى حقائق علمية سيقت مساق الهداية، فمن ذلك ما أشار به القرآن إلى حالة الإنسان عند صعوده في طبقات الجو العُليا، إذ يضيق صدره حتى يصبح في مأزق حرج، لقلة الضغط الجوّي، وندرة الأكسجين، وعدم ثبات درجة الحرارة في الطبقات العليا من الجو، وانعدام الوزن إذا انتقل الإنسان إلى أجواء بعيدة المدى. قال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ( سورة الأنعام، الآية 125 ). وهو إشارة واضحة لِما وصلت إليه الكشوف العلمية من انعدام الأكسجين، الذي يضمن حياة الكائن الحي في طبقات الجو العليا، ولذا عملوا على تزويد المسافرين إلى طبقات الجو بالأكسجين اللازم .

جاء في كتاب " الإعجاز العلمي في القرآن الكريم " أن السَّنة الشّمسية، التـي يسمونها بالسنة الانقلابية، عبـارة عـن مـدة تنقضي بين مرورين متتاليين للشمس، بنقطة اعتـدال واحـد مقدارهـا ( 365.2422 يوماً شمسياً )، وبمرورها يحدث الصيف والخريف، والشتاء والربيع.

أمّا السَّنة القمرية فتتكون من ( 36708, 354 يوماً )، وهي المدة بين كسوفين متواليين، مقسومة على عدد الحركات القمرية الدائرية.

والفرق بين السَّنة الشمسية والقمرية ( 875137, 10 أيام )، وبذلك يقع في كل ( 33 سنة ) فرق قدره (358,87917 يوماً)، أو نحو سنة تقريباً، وعلى ذلك فإن كل مائة سنة تزيد ثلاث سنوات، وتكون ثلاثة المائة السنة الشمسية يقابلها ( 309 سنوات قمرية ).

وهذه الحقيقة الكونية الثابتة، التي اطمأن إليها العلم الحديث واستقر عليها، سبق إليها القرآن الكريم في سرده لقصة أهل الكهف، في قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ( سورة الكهف، الآية 25 ).

وكثير من الإعجازات القرآنية الغيبية، التي لم يعرفها الأقدمون، الذين سمعوا القرآن وصدقوه وآمنوا به، فوّضوا تأويلها وتفسيرها وفهم معانيها إلى الله سبحانه وتعالى، بيد أنهم أفرغوا مجهودهم، وبذلوا قصارى جهودهم في فهم معانيها، واستطاعوا تأويل بعض منها بظنون مرجوحة لا تقدر على الارتقاء إلى أدنى درجات اليقين، لأن اليقين متطلب جزماً وقطعاً، من غير نكير.

عملية تشكيل الكون الأساسية وانتهاؤها إلى تكوين العوالم

يقدّم القرآن في آيتين، خلاصة مركبة ومختصرة للظواهر، التي كوّنت العملية الأساسية لتشكيل الكون. يقول تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ( سورة الأنبياء، الآية 30 ).

وفي سورة فصلت آية تدعو إلى التأمل في عملية خلق الأرض، يقول سبحانه: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( سورة فصلت، الآية 11 ).

ومعنى هذا أن ثمة حقيقة ثابتة، هي: وجود كتلة غازية ذات جزيئات، وهذا تفسير كلمة " دخان ". إذ يتكون الدخان عموماً من قوام غازي، حيث تعلق به ـ بشكل أكثر أو أقل ثبوتاً ـ جزئيات دقيقة قد تنتمي إلى حالات المواد الصلبة، أو حتى السائلة، مع درجة في الحرارة قد تقل أو تكثر.

ويُشير القرآن إلى عملية " الفتق " للكتلة الفريدة الأولى، التي كانت عناصرها في البداية ملتحمة. ويدرك أهل اللغة أن: " الفتق " هو فعل القطع أو فك اللحام أو الفصل، بينما " الرتق " فعل اللحام ووصل العناصر بهدف تكوين كل.

هذا المفهوم في تفصيل الكل إلى أجزاء، يتحدد بشكل دقيق في آيات أخرى من القرآن، وذلك بذكر عوالم متعددة، في أول آية من سورة الفاتحة، بعد بسم الله الرحمن الرحيم، وهي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( سورة الفاتحة، الآية 2 ).

ويتكرر تعبير " العالمين " عشرات المرات في القرآن. وكذلك السماوات فهي تُذكر باعتبارها متعددة.

وسبب آخر لإثارة تأمل قارئ القرآن في القرن العشرين، تلك الحقيقة، التي تشير إلى ثلاث مجموعات من المخلوقات، وهي:

* المخلوقات التي توجد في السماء.

* المخلوقات التي توجد على الأرض.

* المخلوقات التي توجد بين السماوات والأرض.

ومثال ذلك قوله تعالى:

لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ( سورة طه، الآية 6 ).

الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ( سورة الفرقان، الآية 59 ).

وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ( سورة ق، الآية 38 ).

وقد يبدو هذا الخلق، " خارج السماوات وخارج الأرض "، الذي أشير إليه مرات عدة، قليل التصور. ولكن لفهم معاني تلك الآيات، لا بدّ من الاستعانة بأحدث المكتشفات العلمية، حول وجود مادة كونية " خارج المجرات "، كما يجب، للسبب نفسه، أن يحدث تناول جديد للمعارف، التي أثبتها العلم المعاصر حول تشكيل الكون، تنتقل من الأبسط إلى الأعقد.

وفي ضوء هذه التأملات العلمية، فيما يتعلق بالخلق يُعَلِّمنا القرآن الآتي:

أ. وجود ست مراحل للخلق عموماً.

ب. تداخل مراحل خلق السماوات مع مراحل خلق الأرض.

ج. خلق الكون ابتداء من كومة أولية فريدة، كانت تشكل كتلة متماسكة انفصلت بعد ذلك.

د. تعدد السماوات وتعدد الكواكب التي تشبه الأرض.

هـ. وجود خلق وسيط " بين السماوات والأرض " .

ومن مثل هذه الغيبيات ما أخبر عنه القرآن الكريم، من وسائل المواصلات الحديثة في قوله تعالى: وَءَايَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ( سورة يس، الآيتان 41 و42 )، والمقصود من الآية الشريفة هو ما يركبون في البر مما يشابه الفلك المشحون، مثل السيارات الناقلة الكبيرة العملاقة التي تحمل الكثرة الكثيرة من الناس وأمتعتهم ، والطائرات والغواصات ومراكب الفضاء.

وفيما يخص النفاذ في الفضاء، وردت آيتان في القرآن، تشير إحداهما إلى ما سيتحقق يوماً بفضل العلوم والمعرفة، التي سيخولها الله للفطنة والعبقرية البشريتين. في حين تشير الآية الثانية إلى أن هذا الحدث، لن يشهده كفار مكة. ومن هنا كانت سمة هذا الفرض، الذي لن يتحقق. ولكن هناك عصراً سوف يشهد هذا الحدث، كما نصت الآية الأولى على ذلك. إنها تصف رد الفعل الإنساني أمام المشهد غير المنتظر، الذي سيراه المسافرون في الفضاء.

ومثل هذه التجربة، عاشها تماماً رواد الفضاء عام 1961، وهو تاريخ أول طيران للإنسان حول الأرض. ومن الثابت علمياً أننا عندما نكون خارج طبقة الجو المحيطة بالأرض، لا تبدو السماء في صورتها اللازوردية التي يراها عليها سكان الأرض، وذلك نتيجة لظاهرات امتصاص طبقات الجو للضوء الشمسي. إن الإنسان في الفضاء يرى أبعد من الطبقة الجوية المحيطة بالأرض، يرى السماء سوداء وتبدو له الأرض محاطة بهالة زرقاء، بسب ظاهرة الامتصاص الضوئي لطبقة الجو الأرضية، على حين يبدو القمر، الذي لا يحيط به جو، في ألوانه الخاصة به على خلفية سوداء من السماء. هو إذن مشهد جديد تماماً ـ ذلك الذي يراه الإنسان في الفضاء .

والشمس أكبر نجم في المجموعة السّيارة، وتتكون من نار ومن نور أيضاً. أمّا الكواكب فإن نورها من الشّمس يرتد عنها انعكاسا، والكواكب السّيارة حول الشمس محكومة بقانوني الجاذبية المركزية من ناحية، وقوة الطرد المركزية من ناحية أخرى. وحتى يستقيم أمر هذه المنظومات السّيارة، فإن القوتين لابد أن تكون كل منهما مساوية للأخرى تماماً، أي قوة جذب الشمس، مساوية لقوة الطرد والإبعاد عنها. ونجم الشمس الضخم هذا، دائم النشاط، دائب الحركة، فالشمس، على كِبَرِ حجمها، تجري لمستقر لها لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، القادر على كل شيء ، قال تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( سورة يس، الآية 38 ).

تمد الشمس الكائنات بالطاقة الحرارية، التي يختزنها النبات كطاقة كيمائية في صورة تغذية بثاني أوكسيد الكربون، الموجود بوفرة في الهواء. وتتم عملية التغذية به، بواسطة البلاستيدات الخضراء في الأوراق، عندما تتعرض لضوء الشمس المباشر أو غير المباشر.

وعندما تقع الزلازل في مختلف أرجاء العالم، فإن الأشجار تنطمر وتسيخ في الأرض، التي تبتلعها تماماً. وتحت تأثير الضغط والحرارة في باطن الأرض، وبين طبقاتها الكثيفة يحدث التفحم الحجري لتلك الأشجار، ومن ثم يُنتج الفحم الذي نوقده. وإلى هذه الظاهرة الكونية أشار القرآن الكريم، في وضوح وبيان لا مزيد عليه ، في قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ( سورة يس، الآية 80 ).

ويقول العلماء إن القمر قد اقتُطع من الأرض، عندما كانت الأرض مائعة. ولو صح هذا القول لكان عمر القمر، هو عمر القشرة الأرضية نفسها عندما بدأت تبرد وتتجمد. والأرض أثقل من القمر 82 مرة، وقد بلغ بُعْدُ القمر عن الأرض مسافة 240 ألف ميلاً، ولكن قطر الأرض يبلغ نحواً من 8000 ميلاً، وقطر القمر يزيد قليلاً عن ربع قطر الأرض.

ويوجد بالقمر فوهات وبراكين ووهاد وجبال مختلفة الأشكال والهيئات، وعليه قمم مرتفعة شاهقة. لكن العلماء انتهوا إلى أن القمر خلو من الماء، كما لا يوجد عليه هواء، وهو بلقع وخراب يباب.

وتُرى الأرض قمراً عند سطح القمر، ويدور القمر حول الأرض، التي تدور حول نفسها وحول الشمس، وكذلك يدور القمر حول نفسه وحول الأرض في آن واحد. قال تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ( سورة يس، الآيتان 38 و39 ).

ومعنى الآية: والقمر جعلناه منازل كالشمس، وهو يزيد وينقص حتى يصبح كالعذق ( الغصن ) المقوس أو السُبَاطة اليابسة، التي يحول عليها الحول أو العام فأصبحت جافة وصارت مقوسة.

وقد انتهت بحوث الفلكيين إلى أن القمر أول الشهر، يكون ( محاقاً ) لانمحاق نوره ولاختفائه، ثم بعد سبعة أيام يصير إلى ( التربيع الأول )، ثم يُصبح ( بدراً ) وسط الشّهر، ثم يتحول إلى ( التربيع الثاني ) بعد الأسبوع الثالث، ثم يكون في ( المحاق ) آخر الشهر، وهكذا تبدأ دورة الشهر الجديد مرة أخرى.

ولا يمكن للشمس أن تحتل مكان إحدى المنظومات السيارة، وليس في مقدور أي منظومة سيارة أن تحتل محل الأخرى إنما لكل واحدة من هذه المسيّرات فلك خاص بها، ومدار تسير عليه، فلا يخرج على دائرته. قال تعالى: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( سورة يس، الآية 40 ).

ويستنبط من الآية الشريفة، أن كُلاً من الشمس والقمر لا يجتمعان معاً بحال، لأن كلاً منهما يجري في مداره، الذي يوازي مدار الآخر. ولا يمكن، بل يستحيل تماماً، أن يلتقي كل منهما بالآخر، ولا يفوت الليل النهار، فيذهب قبل مجيئه.

وتقدير القمر منازل إنما كان تقديراً من الله سبحانه وتعالى، ليعلم الناس عدد السنين والحساب، لأن نفع الشمس بالدفء والنور والضياء، وكذلك نور القمر الذي يهدي السراة بالليل. قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( سورة يونس، الآية 5 ). وقوله تعالى: وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ يقصد جعله ينزل كل ليلة منزلاً من النجوم، وهي ثمانية وعشرون منزلاً كل شهر، وتسمى هذه المنازل البروج .

وفي علوم الذَّرة ساد الاعتقاد، بأن الذَّرة هي الجزء الذي لا يقبل التجزئة، ثم توصل العلم الحديث إلى إمكانية تحطيم الذَّرة. وقد سبقهم القرآن إلى ذلك فقال: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ( سورة يونس، الآية 61 ).

وفي علم الأجنة يقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاَ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ( سورة الحج، الآية 5 ).

فقد أثبتت العلوم الحديثة، وتصوير مراحل تكوين الجنين بالموجات الصوتية، ما ذكره القرآن .

ومن ذلك ما تحدث عنه القرآن عن أصول مكونات لبن الحيوان، فقد قال تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ( سورة النحل، الآية 66 ).

ويتفق تعريف القرآن، لأصل مكونات لبن الحيوان مع معطيات العلم الحديث اتفاقاً تاماً.

فإن التفسير الذي يبدو مقبولاً هو: " الحقيقة أنكم تجدون علماً في حيواناتكم الماشية: إننا نعطيكم شراباً مما يوجد في أجسامها. أي ما يأتي من التلاحم بين محتوى الأمعاء والدم، لبناً صافياً يسير الابتلاع على من يشربونه ".

ولكي تُفهم هذه الآية من وجهة النظر العلمية، فلابد من الاستعانة بعلم وظائف الأعضاء، الذي يقول إن المواد الأساسية، التي تتكفل بتغذية الجسم عامة، تأتي من تفاعلات كيميائية تحدث في القناة الهضمية. وتأتي هذه المواد من عناصر موجودة في محتوى الأمعاء. وعندما تصل هذه المواد الموجودة بالأمعاء إلى المرحلة المطلوبة في التفاعل الكيميائي، فإنها تمر عبر جدار الأمعاء نحو الدورة العامة. ويتم هذا الانتقال بطريقتين: إمّا مباشرة بواسطة ما يسمى بالأوعية الليمفاوية. وإمّا بشكل غير مباشر بواسطة الدورة البابية، التي تقود هذه الموارد إلى الكبد. حيث تقع عليها بعض التعديلات، ثم تخرج من الكبد لتذهب أخيراً إلى الدورة الدموية. بهذا الشكل إذن يمر كل شئ بالدورة الدموية.

والغدد الثديية هي التي تفرز مكونات اللبن، وتتغذى هذه الغدد، إذا جاز القول، بمنتجات هضم الأغذية، التي تأتي إليها بواسطة الدم الدائر. الدم إذن يلعب دور المحصل والناقل للمواد المستخرجة من الأغذية، ومغذي الغدد الثديية منتجة اللبن، مثلما يغذي أي عضو آخر.

فكل شئ يحدث هنا إذن، ابتداء من مواجهة محتوى الأمعاء مع الدم في الجدار الأمعائي نفسه. هذه المعلومة المحددة تعد اليوم من مكتسبات الكيمياء وفسيولوجيا الهضم. وكانت غير معروفة مطلقاً في عصر النبي، صلى الله عليه وسلم، إن معرفتها ترجع إلى العصر الحديث. أمّا اكتشاف الدورة الدموية فهو من عمل هارفي، وقد تم هذا الاكتشاف بعد عشرة قرون تقريباً من تنزيل القرآن .

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 17:09

خيارات المساهمة


4. الإعجاز العددي
يقول عبد الرزاق نوفل في مقدمة كتابه " الإعجاز العددي للقرآن ": ما كنت أدري أن التناسق والاتزان يشمل كل ما جاء في القرآن الكريم. فكلما بحثت في موضوع وجدت عجباً، وأي عجب! تماثل عددي، وتكرار رقمي، أو تناسب وتوازن في كل الموضوعات، التي كانت موضع البحث، سواء الموضوعات المتماثلة أو المتشابهة أو المتناقضة أو المترابطة. إنها معجزة وأي معجزة، وإنها لصورة من صور الإعجاز، التي لا يمكن لأي باحث أو دارس أو قارئ أن يستعرضها، إلاّ ويؤمن الإيمان الكامل المطلق، أن هذا القرآن لا يمكن إلا أن يكون وحي الله سبحانه وتعالى، لآخر أنبيائه، وخاتم رسله، لأنه شيء فوق القدرة، وأعلى من الاستطاعة، وأبعد من حدود العقل البشري " . ثم يُعطي أمثلة على هذا الإعجاز العددي من الرقم " 19 "، في قوله تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ( سورة المدثر، الآيات 26 ـ 30 ). فالعدد " تسعة عشر " تلقاه المؤمنون بالتسليم اللائق بمن وثق بربه، وأما المشركون فتلقوا هذا العدد بقلوب خاوية من الإيمان، واتخذوه موضعاً للتندر والمزاح، قال قائل منهم: أليس يتكفل كل عشرة منكم بواحد من هؤلاء التسعة عشر؟! وقال قائل: لا بل اكفوني أنتم أمر اثنين منهم، وعليّ الباقي أنا أكفيكموهم. وظل المشركون في سخريتهم وحيرتهم حتى أتاهم الرد الحاسم من الله سبحانه وتعالى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِيمَانًا ولاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ( سورة المدثر، الآية 31 ).

فالمشركون هم الذين يثير ذكر العدد في قلوبهم رغبة الجدل، والإنسان إنما يجادل فيما لديه عنه علم سابق، يناقض الخبر الجديد أو يغايره. أمّا لِم كان الملائكة تسعة عشر ( أياً كان مدلول هذا العدد )، فهو أمر يعلمه الله، الذي ينسق الوجود كله، ويخلق كل شيء بقدر، وهذا العدد كغيره من الأعداد. ولكن من يطلب الجدل، يمكنه أن يجادل وأن يعترض على أي عدد آخر، لِم كانت السموات سبعاً؟ لِم كان حمل الجنين تسعة أشهر؟ " .

فاستخدام القرآن للأعداد إنما كان لحكمة، عرف الإنسان بعضها وجهل العديد منها. فالعدد تسعة عشر، وهو عدد حراس النار، يماثل عدد آيات أول سورة نزلت من القرآن ـ وهي سورة العلق ـ تسع عشرة آية.

فالأعداد في القرآن لها موازناتها، ومقارنتها، وهي تتمثل في القرآن كلّه، ما صُرّح به منها، وما لم يُصرح به، مثال ذلك أنّ لفظ: " الرحمن "، وهو من أسماء الله الحسنى، تكرر في القرآن الكريم ( 57 ) مرة، في مثل قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( سورة طه، الآية 5 ). كما تكرر لفظ الرحيم ( 95 ) مرة بلفظ " رحيم "، في مثل قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ( سورة الشعراء، الآية 217 ).

وورد بلفظ " رحيما "، ( 20 ) مرة في مثل: إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ( سورة النساء، الآية 16 ). فيكون الرحيم قد تكرر ( 115 ) مرة، ولكن منها مرة تخص رسول الله ـ في الآية الكريمة: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( سورة التوبة، الآية 128 ).

وبذلك، فإن لفظ " الرحيم "، وهو من أسماء الله الحسنى قد تكرر ( 114 ) مرة، بينما تكرر الرحمن ( 57 ) مرة، أي أن " الرحيم " تكرر ضعف الرحمن تماماً. ومن عجب أنّ العدد ( 114 ) هو عدد سور القرآن الكريم.

ومن ذلك أن الصلاة بكل مشتقاتها، تكرر ذكرها ( 99 ) مرة، أي بعدد أسماء الله الحسنى. كما تكرر لفظ الصلاة ( 67 ) مرة، ولفظ الزكاة ( 32 ) مرة، ويكون مجموعهما أيضاً ( 99 ).

ولفظ الصلاة مع المُصلي، ورد ( 68 )، ولفظ الزكاة ( 32 ) مرة، ولفظ الصوم ومشتقاته ( 14 ) مرة، ومجموع ذلك كله ( 114 ) مرة، بعدد سور القرآن الكريم .

ومن ذلك أيضاً، أنّ لفظ: " محمد "، تكرر في القرآن الكريم ( 4 ) مرات، متساوياً بذلك في العدد مع عدد مرات ذكر روح القدس، وأيضاً الملكوت، وكذلك السّراج، ويتساوى كذلك مع الشريعة بكل مشتقاتها، إذ وردت بلفظ " شريعة " مرة واحدة في القرآن الكريم: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ( سورة الجاثية، الآية 18 ). ومرة واحدة بلفظ " شَرَع َ" في مثل: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ( سورة الشورى، الآية 13 ). ومرة بلفظ: " شرعوا "، في قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ( سورة الشورى، الآية 21 ). ومرة بلفظ: " شرْعة "، في قوله: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ( سورة المائدة، الآية 48 ).

وبذلك يتساوى عدد مرات ذكر " محمد "، مع عدد مرات ذكر " روح القدس "، وعدد مرات ذكر " الملكوت "، وعدد مرات ذكر " السّراج "، وعدد مرات ذكر " الشريعة " .

ومنه قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ( سورة التوبة، الآية 36 )، حيث أُشير إلى أن عدد الشهور ( 12 )، ونجد أن لفظ الشهر تكرر ( 12 ) مرة أيضاً بقدر عدد الشهور، إذ ورد بلفظ " الشهر " ( 10 ) مرات، في مثل قوله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ( سورة القدر، الآية 3 )، ومرتين بلفظ " شهراً " في مثل قوله: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا ( سورة الأحقاف، الآية 15 ). ووُجِد أنّ لفظ " اليوم " تكرّر ( 349 ) مرة في مثل قوله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ( سورة المائدة، الآية 5 ). وبلفظ " يوماً " تكرر ( 16 ) مرة، في مثل قوله: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ( سورة البقرة، الآية 281 ). وهذه مجموعها (365)، أي أن " اليوم " تكرر ( 365 ) مرة، بقدر عدد أيام السنة، أي بعدد ( 12 ) شهراً، وهو عدد المرات التي تكرر فيها ذكر الشهر.

وقد تكرر " اليوم " بلفظ الجمع " أيام " ( 23 ) مرة، كقوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَات ( سورة البقرة، الآية 203 )، وبلفظ " أياماً " ( 4 ) مرات، كقوله: سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ( سورة سبأ، الآية 18 ). وبلفظ المثنى " يومين " تكرر ( 3 ) مرات في مثل قوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاً إِثْمَ عَلَيْهِ ( سورة البقرة، الآية 203 )، وهذه مجموعها ( 30 ) يوماً، بقدر عدد أيام الشهر. أي أنّ " اليوم " تكرر ( 365 ) مرة، بقدر عدد أيام السنة، وأنّ جمع اليوم وتثنيته تكررا ( 30 ) مرة، أي بقدر عدد أيام الشهر، كما تكرر لفظ الشهر ( 12 ) مرة بقدر عدد شهور السنة .

وأمّا الرقم ( 7 ) فيرد 24 مرة في القرآن الكريم، وكثيراً ما يعني العدد " 7 " الكثرة أو التعدد، من دون أن نعرف بشكل محدد سبب هذا الاستخدام. ويبدو الرقم " 7 " عند اليونان والرومان وله التعدد غير المحدد نفسه. وفي القرآن يعود الرقم " 7 " على السماوات بمعناها الصرف، سبع مرات. كما يشير الرقم مرة واحدة بشكل ضمني إلى السماوات. كما يشير مرة واحدة إلى طرق السماء السبعة.

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( سورة البقرة، الآية 29 ).

وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ( سورة المؤمنون، الآية 17 ).

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ( سورة الملك، الآية 3 ).

أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ( سورة نوح، الآيتان 15 و16 ).

وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ( سورة النبأ، الآيتان 12 و13 ).

ويجمع مفسرو القرآن ـ في هذه الآيات ـ أن الرقم ( 7 ) يشير إلى مُطلق التعدد، دون تحديد آخر.

فالسماوات، إذن، متعددة، وكذلك الكواكب المشابهة للأرض. وقد صرّح علماء الفلك في العصر الحديث، بإمكان وجود كواكب أخرى تشبه الأرض في الكون. وهو أمرٌ لم يتحقق منه الناس بعد، في هذا العصر.

فقد قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأََمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ( سورة الطلاق، الآية 12 ).

إن الإعجاز العددي للقرآن الكريم، أمر لابد من الالتفات إليه، وهو لغة العصر، فنحن في جيل الأرقام وعصر العدد والإحصاء.

وخير مقولة عن إعجاز القرآن، بأوجهه المتعدّدة، ما روي عن رسول الله ـ عن ابن أبي الحارث الأعور عن الحارث قال: مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الأَحَادِيثِ؟ قَالَ: وَقَدْ فَعَلُوهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ، اللَّهِ يَقُولُ أَلاَ إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

نزول القرآن الكريم
نزل القرآن الكريم على النبي، عقب بعثته، في ليلة من ليالي رمضان، في السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة، وانتهى نزوله قبيل وفاته، .

ومن الثابت أن القرآن نزل مفرقاً، ولم ينزل دفعة واحدة، ولم يكن تفريقه على نسق واحد، بل كان ينزل منه في بعض الأحيان الآية، وفي أخرى الآيتان أو الثلاث أو العشر، وتارة تنزل السورة كاملة. وذلك حسب ما تدعو إليه الحاجة، وما تقضي به المناسبة . ففي حادثة الإفك، نزلت عشر آيات جملة واحدة، كما نزلت عشر آيات من أول سورة المؤمنين جملة واحدة أيضاً. كما صح نزول قوله تعالى: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ( سورة النساء، الآية 95 )، وحدها وهي بعض آية، وكذلك قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ( سورة التوبة، الآية 28 )، وهي بعض آية، نزلت بعد نزول أول آية.

وقد قال المشركون: لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ( سورة الفرقان، الآية 32 )، فرد الله سبحانه عليهم، مشيراً إلى الحكمة في هذا التفريق: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ( سورة الفرقان، الآية 32 ). ففي هذه الآية برزت الحكمة من إنزال القرآن منجماً، أي مفرقاً، وهي تثبيت قلب النبي، وإمكان ترتيل القرآن. ويدخل في ذلك سهولة حفظه، واستمراره لوقت طويل، مع إيراد القدر المناسب للسبب. ويورد السّيوطي حكمة لإنزال القرآن مفرقاً هي: أنّ هذا التفريق والنزول على التدريج أدعى إلى قبوله، خلافاً لنزوله جملة واحدة، خشية أن ينفر من قبوله كثير من الناس، لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي .

وفي تحديد الزمن الذي نزل فيه القرآن، ورد قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ( سورة البقرة، الآية 185 )، وقوله: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ( سورة القدر، الآية 1 )، وقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ( سورة الدخان، الآية 3 ). فإن الآيتين الأخيرتين تدلان على أنه نزل جملة واحدة في ليلة القدر، وهي ليلة من ليالي رمضان، كما دلّ على ذلك جملة الأحاديث، التي ربطت بين شهر رمضان وليلة القدر ، وهو ما تفيده الآية الأولى.

وينقسم العلماء في هذا الأمر إلى فريقين: فريق يرى أن المراد " بنزول القرآن "، ابتداء النزول أي أول آية، لا نزوله جملة بكل سورة. ويعتمدون في ذلك إلى أن هذا المعنى هو الذي يتبادر إلى الذهن، والذي لا يصح صرف الكلام عنه، حتى يقوم دليل خلافه. وبهذا المراد تتفق الآيات، مع ما ورد من الأحاديث الدالة على أن القرآن نزل منجماً، ( أي مفرقاً ) لا دفعة واحدة، كما يتناسب مع كون القرآن حدثاً مهماً في تاريخ البشرية. فقد أحدث انقلاباً يستحق أن يؤرخ له بالوقت الذي ابتدأ نزوله فيه.

أمّا الفريق الأخر، فيرى أن المراد هو " نزول القرآن " دفعة واحدة من اللوح المحفوظ، إلى السماء الدنيا، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: وَقُرْءَانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ( سورة الإسراء، الآية 106 ).

وأكثر العلماء يرجّحون الرأي الأول.

1. كيفية نزول الوحي على رسول الله، صلى الله عليه وسلم
الوحي هو كلام الله المنزّل على رسوله، بواسطة وبغير واسطة. وقد بيَّن ابن قيم الجوزية، أن للوحي مراتب عديدة:

أولهما:
الرُّؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه، وكان لا يرى رؤياً إلاّ جاءت مثل فلق الصبح.

الثانية:
ما كان يُلْقيه المَلَكُ في روعه وقلبه من غير أنّ يراه الرسول. أو قد يَحَلُّ عليه الوحي مثل صلصلة الجرس. فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا .

الثالثة:
أن يتمثل له المَلك على هيئة بشرٍ، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحياناً.

الرابعة:
رؤيته لجبريل في صورته، التي خُلق عليها، فعَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَا أَبَا عَائِشَةَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ، عَنْ هَذِهِ قَالَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا إِلاَ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ، سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ . وفي سورة النجم: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( سورة النجم، الآيتان 13 و14 ).

الخامسة:
" ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج، من فرض الصلاة وغيرها.

السادسة:
خطابه لنبيه بلا واسطة مَلك، كما كلّم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة ثابتة لموسى قطعاً بنص القرآن، وكذلك لنبينا، في حديث الإسراء .

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 17:10

خيارات المساهمة


. أول ما نزل من القرآن
اختُلف في أول ما نزل من آي القرآن الكريم، يقول السّيوطي: روى الشيخان وغيرهما عن عائشة، قالت: " أول ما بدىء به رسول الله، من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبّب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء، فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد، ويتزوّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها، فتزوّده لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ. قال رسول الله فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني ( أي ضمني ) حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( سورة العلق، الآية 1 )، حتى بلغ: مَا لَمْ يَعْلَمْ ( سورة العلق، الآية 5 )، فرجع بها رسول الله ترجف بوادره " ( أي أطرافه ).

وهناك أقوال أخرى في أوليات النزول، يشير بعضها إلى أوليات متعددة، باعتبار الظروف، وأولية النزول ابتداء، وأولوية النزول بعد فترة انقطاع الوحي، وغير ذلك.

فمن ذلك ما روي عن ابن عباس، قال: أول آية نزلت في القتال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ( سورة الحج، الآية 39 ).

وأنّ أول ما نزل في الخمر، ما روي عن ابن عمر، قال: نزل في الخمر ثلاث آيات، فأول شيء: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ( سورة البقرة، الآية 219 )، فقيل: حرّمت الخمر، فقالوا: يا رسول الله، دعنا ننتفع بها، كما قال الله، فسكت عنهم، ثم نزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ( سورة النساء، الآية 43 )، فقيل: حرمت الخمر فقالوا: يا رسول الله، لا نشرب قرب الصلاة، فسكت عنهم، ثم نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( سورة المائدة، الآية 90 )، فقال رسول الله حرّمت الخمر.

3. آخر ما نزل من القرآن
اختلف العلماء في تعيين آخر ما نزل من القرآن، واستند كل منهم إلى آثار فيها حديث مرفوع إلى النبي، . ويُجمل السّيوطي ذلك بقوله: روى الشيخان عن البراء بن عازب، قال: آخر آية نزلت: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ ( سورة النساء، الآية 176 )، وآخر سورة نزلت براءة ( التوبة ).

فعن الْبَرَاء بن عازب أنّ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ .

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أن: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آيَةُ الرِّبَا .

وروى البيهقي عن عمر، مثل قول ابن عباس. وأخرج النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ( سورة البقرة، الآية 281 )، وفي المستدرك عن أُبي بن كعب، قال: آخر آية نزلت: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( سورة التوبة، الآية 128 )، إلى آخر السورة.

وعن أبي كعب، أنهم جمعوا القرآن في خلافة أبي بكر الصديق وكان رجال يكتبون، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة التوبة: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ ( سورة التوبة، الآية 127 )، ظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن، فقال لهم أُبيّ بن كعب: إنّ رسول الله اقرأني بعدها آيتين: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( سورة التوبة، الآيتان 128 و129 )، وقال: هذا آخر ما نزل من القرآن.

وقيل آخر ما نزل من القرآن آية الدّين، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ( سورة البقرة، الآية 282 )، إلى قوله: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( سورة البقرة، 282 )، وهي أطول آية في القرآن.

القرآن المكي والمدني
ينقسم القرآن، إلى نوعين: مكي، ومدني، نسبة إلى مكان النزول.

فالمكي هو الذي نزل على رسول الله، مدة مقامه في مكة، وهي أثنتا عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة عشر يوماً، من سابع عشر من رمضان سنة 41، إلى أول ربيع الأول سنة 54، من ميلاده الشريف.

والمدني هو الذي نزل عليه، مدة مقامه في المدينة، وهي تسع سنوات وتسعة أشهر وتسعة أيام، من أول ربيع الأول سنة 54 إلى تاسع ذي الحجة سنة 63، من ميلاده الشريف .

والآيات المكية ذات خصائص تختلف عن خصائص الآيات المدنية، سواء في وقعها أو في معانيها، وإن كانت الآيات المدنية مبينة على المكية في الأحكام والتشريع.

فالآيات المكية تخاطب قوماً، يعبدون الأوثان، ويشركون بالله، وينكرون الوحي، ويكذبون بيوم الدين، يقولون: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( سورة الصافات، الآية 16 )، كما يقولون: مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ ( سورة الجاثية، الآية 24 ). وهم ألداء في الخصومة، أهل مماراة ولجاجة في القول، عن فصاحة وبيان. لذلك نزل الوحي المكي قوارع زاجرة، وشهباً منذرة، وحججاً قاطعة، يحطم وثنيتهم في العقيدة، ويدعوهم إلى توحيد الألوهية والربوبية، ويهتك أستار فسادهم، ويسفه أحلامهم، ويقيم دلائل النبوة، ويضرب الأمثلة للحياة الآخرة وما فيها من جنة ونار، ويتحداهم ـ على فصاحتهم ـ بأن يأتوا بمثل القرآن، ويسوق إليهم قصص المكذبين الغابرين عبرة وذكرى. فنجد في القرآن المكي ألفاظاً شديدة القرع على المسامع، تقذف حروفها شرر الوعيد وألسنة العذاب، فآياته هي الرادعة الزاجرة، والصاخبة والقارعة، والغاشية والواقعة، وألفاظ الهجاء في فواتح السور، وآيات التحدي في ثناياها، ومصير الأمم السابقة، وإقامة الأدلة الكونية، والبراهين العقلية.

وحين اشتد أذى مشركي مكة، على الجماعة القليلة العدد، التي آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وامتحنت في عقيدتها بأذى المشركين فصبرت، وهاجرت بدينها مؤثرة ما عند الله على متاع الحياة، نزلت الآيات المدنية، طويلة المقطع، تتناول أحكام الإسلام وحدوده، وتدعو إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وتفصّل أصول التشريع، وتضع قواعد المجتمع، وتحدد روابط الأسرة، وصلات الأفراد، وعلاقات الدول والأمم، كما تفضح المنافقين وتكشف دخيلتهم، وتجادل أهل الكتاب وتلجم أفواههم. وهذا هو الطابع العام للقرآن المدني.

1. فوائد العلم بالمكي والمدني
وللعلم بالمكي والمدني فوائد، أهمها:

أ.
الاستعانة به في تفسير القرآن: فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها تفسيراً صحيحاً، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ويستطيع المفسِّر في ضوء ذلك، عند تعارض المعنى في آيتين أن يميز بين الناسخ والمنسوخ، فإن المتأخر يكون ناسخاً للمتقدم.

ب.
تذوق أساليب القرآن، والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله، فإن لكل مقام مقالاً، ومراعاة مقتضى الحال من أخص معاني البلاغة. وخصائص الأسلوب المكي والمدني في القرآن، تعطي الدارس منهجاً لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله، بما يلائم نفسية المخاطب، ويمتلك عليه لبه ومشاعره، ويعالج فيه دخيلته بالحكمة البالغة. ولكل مرحلة من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليب الخطاب فيها، كما يختلف الخطاب باختلاف أنماط الناس ومعتقداتهم وأحوال بيئتهم. ويبدو هذا واضحاً جلياً في أساليب القرآن المختلفة، في مخاطبة المؤمنين والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب.

ج.
الوقوف على السيرة النبوية، من خلال الآيات القرآنية. فإن تتابع الوحي على رسول الله، ساير تاريخ الدعوة بأحداثها في العهدين المكي والمدني، منذ بدأ الوحي حتى آخر آية نزلت. والقرآن الكريم هو المرجع الأصيل لهذه السيرة، الذي لا يدع مجالاً للشك فيما روي عن أهل السير موافقاً له، ويقطع دابر الخلاف عند اختلاف الروايات.


2. معرفة المكي والمدني
اعتمد العلماء في معرفة المكي والمدني، على منهجين أساسين، هما: المنهج السماعي النقلي، والمنهج القياسي الاجتهادي.

أ. المنهج السّماعي النقلي

يستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة، الذين عاصروا الوحي، وشاهدوا نزوله؛ أو عن التابعين، الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول، ومواقعه وأحداثه. ومعظم ما ورد في تحديد المكي والمدني من هذا القبيل. وقد حفلت بأمثلة منه كتب التفسير بالمأثور، ومؤلفات أسباب النزول، ومباحث علوم القرآن. يقول القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني، في "الانتصار"؛ "إنما يرجع في معرفة المكي والمدني لحفظ الصحابة والتابعين، ولم يرد عن رسول الله، في ذلك قولا لأنه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم، ومعرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول .

ب. المنهج القياسي الاجتهادي

يستند إلى اختلاف خصائص المكي عن المدني، فإذا ورد في السّورة المكية آية تحمل التنزيل المدني، أو تتضمن شيئاً من حوادثه، قالوا إنها مدنية. وإذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي، أو تتضمن شيئاً من حوادثه، قالوا إنها مكية، وإذا وجد في السورة خصائص المكي قالوا إنها مكية، وإذا وجد فيها خصائص المدني قالوا إنها مدنية. وهذا قياس اجتهادي، ولذا قالوا، مثلاً: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حدٌّ مدنية، وهكذا. قال الجعبري: " لمعرفة المكي والمدني طريقان: سماعي وقياسي " ولا شك أن السماع يعتمد على النقل، والقياس يعتمد على العقل، والنقل والعقل هما طريقا المعرفة السليمة والتحقيق العلمي .

3. الفرق بين المكي والمدني
للعلماء في الفرق بين المكي والمدني ثلاثة آراء، كل رأي منها بُنِيَ على اعتبار خاص:

الأول: اعتبار النزول

فالمكي ما نزل قبل الهجرة، وإن كان بغير مكة؛ والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان بغير المدينة. فما نزل بعد الهجرة، ولو في مكة أو عرفه، مدني، كالذي نزل عام الفتح، من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ( سورة النساء، الآية 58 )، فإنها نزلت في مكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم؛ أو ما نزل بحجة الوداع كقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ( سورة المائدة، الآية 3 ).

الثاني: اعتبار مكان النزول

فالمكي: ما نزل في مكة وما جاورها، كمنى وعرفات والحديبية.

والمدني ما نزل في المدينة وما جاورها، كأحد وقباء وسلع.

ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة ، وحصرها، فما نزل بالأسفار أو بتبوك أو بيت المقدس لا يدخل تحت القسمة، فلا يسمى مكياً ولا مدنياً. كما يترتب عليه كذلك، أن ما نزل في مكة بعد الهجرة يكون مكياً.

الثالث: اعتبار المخاطب

فالمكي: ما كان خطاباً لأهل مكة.

والمدني ما كان خطاباً لأهل المدينة.

ويُبني على هذا الرأي، عند أصحابه، أن ما في القرآن من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مكي، وما فيه من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مدني.

ولكن هذا الضابط لا يَطْرد في السّور المكية أو المدنية. فسورة البقرة مدنية، وفيها يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( سورة البقرة، الآية 21 )، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأّرْضِ حَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( سورة البقرة، الآية 168 )، وسورة النساء مدنية، وأولها يَا أَيُّهَا النَّاسُ وسورة الحج مكية، وفيها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( سورة الحج، الآية 77 ). فالقرآن الكريم هو خطاب الله للخلق أجمعين، ويجوز أن ُيخاطَب المؤمنون بصفتهم وباسمهم وجنسهم. كما يجوز أن يُؤمر غير المؤمنين بالعبادة، كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار عليها والازدياد منها.

4. مميزات المكي والمدني
استقرأ العلماء السّور المكية والمدنية، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات، التي يتناولها. وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات.

أ. ضوابط المكي، ومميزاته الموضوعية

( 1 )
كل سورة فيها سجدة فهي مكية.

( 2 )
كل سورة فيها لفظ ( كلا ) فهي مكية، ولم ترد إلاّ في النصف الأخير من القرآن. وذُكرت ثلاثاً وثلاثين مرة في خمس عشر سورة.

( 3 )
كل سورة فيها يَا أَيُّهَا النَّاسُ، وليس فيها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا فهي مكية، إلاّ سورة الحج ففي أواخرها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ومع هذا فإن كثيراً من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك.

( 4 )
كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة، فهي مكية، سوى البقرة.

( 5 )
كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية، سوى البقرة كذلك.

( 6 )
كل سورة تُفْتَتَح بحروف التهجي ( ألم ) و ( الر ) و ( حم ) ونحو ذلك، فهي مكية سوى الزّهراوين: وهما البقرة وآل عمران، واختلفوا في سورة الرعد.


هذا من ناحية الضوابط، أمّا من ناحية المميزات الموضعية وخصائص الأسلوب، فتُجملُ فيما يأتي:

( 1 )
الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده، وإثبات الرسالة، وإثبات البعث والجزاء، وذكر القيامة وهولها، والنار وعذابها، والجنة ونعيمها، ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية، والآيات الكونية.

( 2 )
وضع الأسس العامة للتشريع والفضائل الأخلاقية، التي يقوم عليها كيان المجتمع، وفضح جرائم المشركين في سفك الدماء، وأكل أموال اليتامى ظلماً، ووأد البنات، وما كانوا عليه من سوء العادات.

( 3 )
ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجراً لهم، حتى يعتبروا بمصير المكذبين قبلهم، وتسلية لرسول الله، حتى يَصْبر على أذاهم ويطمئن إلى الانتصار عليهم.

( 4 )
قِصَر الفواصل مع قوة الألفاظ، وإيجاز العبارة، بما يقرع الآذان، ويشتد وقعه على المسامع، ويصعق القلوب، ويؤكد المعنى بكثرة القسم، كقصار المفصل، إلاّ نادراً.


ب. ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية

( 1 ) كل سورة فيها فريضة أو حد، فهي مدنية.

( 2 ) كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية، سوى العنكبوت فإنها مكية.

( 3 ) كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب، فهي مدنية.

هذا من ناحية الضوابط، أمّا من ناحية المميزات الموضوعية وخصائص الأسلوب فتُجملُ فيما يأتي:

( 1 )
بيان العبادات، والمعاملات، والحدود، ونظام الأسرة، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصلات الاجتماعية، والعلاقات الدولية في السِّلم والحرب، وقواعد الحكم، ومسائل الشرع.

( 2 )
مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم.

( 3 )
الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين.

( 4 )
طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة، ويوضح أهدافها ومراميها .


أسباب النزول
يقصد بسبب النزول، الدافع أو المحرك الذي أدى إلى نزول الوحي بالآية أو الآيات؛ وقد يكون سبب النزول وقوع حادثة في زمن النبي، أو إجابة عن سؤالٍ وجّه إليه، أو يكون النزول ابتداءً، من دون أن تسبقه حادثة أو سؤال.

ولا يعني هذا أن يلتمس الإنسان لكل آية سبباً، فنزول القرآن لم يكن فقط وقفاً على الحوادث والوقائع، أو على السؤال والاستفسار، بل كان القرآن يتنزل ابتداءً، بعقائد الإيمان، وواجبات الإسلام، وشرائع الله تعالى في حياة الفرد والجماعة .

1. أسباب النزول المتصلة بحادثة
قد تنزل الآية أو الآيات من القرآن، مبينة ما يتصل بوقوع حادثة، لها أثرها وخطرها على حياة المسلمين، وذلك على النحو التالي:

أ.
قد تكون الحادثة خصومة، كالخلاف الذي وقع بين جماعة من الأوس وجماعة من الخزرج، بدسيسة من اليهود، حتى تنادى الفريقان المسلمان: السِّلاحَ السِّلاحَ. فنزل بسبب هذه الحادثة الآيات الحكيمة في سورة آل عمران، من أول قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ( سورة آل عمران، الآية 100 )، حتى قوله وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( سورة آل عمران، الآية 105 ). وتُعدّ هذه الآيات من أشدّ ما ينفّر من الانقسام، والشقاق، ويرغِّب في المحبة والوحدة والاتفاق.

ب.
قد تكون الحادثة خطأ فاحشاً ارتُكب، مثل الحكاية التي رواها الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنْ الْخَمْرِ فَأَخَذَتْ الْخَمْرُ مِنَّا وَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ.

ج.
قد تكون الحادثة رغبة أو أمنيةٌ، مثل موافقات عمر، لربه سبحانه وتعالى. قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي ثَلاَثٍ، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلاَثٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ الْمَقَامَ مُصَلًّى، قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّىٍ وَقُلْتُ لَوْ حَجَبْتَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْءٌ فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ أَقُولُ لَهُنَّ لَتَكُفُّنَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، أَوْ لَيُبْدِلَنَّهُ اللَّهُ بِكُنَّ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ يَا عُمَرُ أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ، فَكَفَفْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ الآيَةَ .

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 17:11

خيارات المساهمة


2. أسباب النزول المتصل بسؤال
قد تنزل الآية أو الآيات من القرآن الكريم، لبيان ما يتصل بجواب سؤال أو استفسار، وجه للنبي، وذلك على النحو الآتي:

أ.
قد يكون السؤال رُفع إلى النبي ـ في أمر مضى، مثل قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ( سورة الكهف، الآية 83 ).

ب.
قد يتصل السؤال بحاضر، مثل قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ( سورة الإسراء، الآية 85 ).

ج.
قد يتصل السؤال بالمستقبل، مثل قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ( سورة النازعات، الآية 42 ).


وقد تنزل الآيات عقب السؤال مباشرة، وقد تتأخر عنه، لحكمة يعلمها الله. روي عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبد بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى أتيا المدينة، فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله ـ ووصفوا لهم أمره، وبعض قوله، فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهنّ فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان أمرهم؟ فإنه كان لهم أمر عجيب؛ وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فأقبلا حتى قدما على قريش، فقالا: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، فجاءوا رسول الله ـ فسألوه، فقال: أخبركم غداً بما سألتم عنه، ولم يستثن ( أي لم يستثنِ بالمشيئة، فلم يقل: إن شاء الله ). فانصرفوا، ومكث رسول الله ـ خمس عشرة ليلة لا يُحْدِث الله في ذلك إليه وحياً، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف ( تحدثوا بالباطل ) أهل مكة، وحتى أحزن رسول الله ـ مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلّم به أهل مكة؛ ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبة له على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطّواف، وقول الله وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ( سورة الإسراء، الآية 85 ).

ومن خلال سورة الكهف، يرشد الله رسوله إلى أدب الاستثناء بالمشيئة، وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ( سورة الكهف، الآيتان 23 و24 ).

3. أسباب النزول، من دون حادثة أو سؤال
هناك بعض آيات القرآن، التي تنزل ابتداء، من غير سبب ظاهر، وهي تتحدث عن بعض الوقائع، مثال ذلك:

أ.
الحديث عن الأحوال الماضية، مثل قصة أصحاب الفيل، وما جرى لهم في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ( سورة الفيل، الآيات 1 ـ 5 ). ومثل قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور ٍ(5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ( سورة إبراهيم، الآيتان 5 و6 )، ومثل قوله تعالى في قصة إبراهيم وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ( سورة إبراهيم، الآيات 35 ـ 37 ).

ب.
ومن القرآن الذي نزل ابتداء، ما يتحدث عن الوقائع المستقبلة، كالحديث عن يوم القيامة وأهوال ذلك اليوم، ومن ذلك قوله تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ( سورة الزلزلة، الآيات 1 ـ 6 ).


4. فوائد معرفة أسباب النزول
رأى بعض العلماء إنّ معرفة أسباب النزول، أمرٌ لا فائدة منه، وأنه لا يعدو أن يكون تاريخاً للنزول، أو جارياً مجرى التاريخ، بينما رأى آخرون أن لمعرفة أسباب النزول فوائد متعددة، أوجزوها في الآتي:

أ. بيان الحكمة التي دعت إلى تشريع حُكْمٍ من الأحكام

تُعين معرفة أسباب النزول، في تفهم حكمة الله تعالى، فيما شرعه بالتنزيل، وفي ذلك نفع للمؤمن وغير المؤمن. أمّا المؤمن فيزداد إيماناً على إيمانه، ويحرص كل الحرص على تنفيذ أحكام الله والعمل بكتابه، لِما يتجلى له من المصالح والمزايا، التي علقت بهذه الأحكام. وأمّا الكافر فتسوقه الحكم الباهرة إلى الإيمان، إن كان منصفاً، حين يعلم أنّ هذا التشريع الإسلامي قائم على رعاية مصالح الإنسان، لا على الاستبداد والتحكم والطغيان.

ب. الإعانة على فهم الآية

تُعين معرفة أسباب النزول، أيضاً، على فهم الآية ( أو الآيات )، ودفع الإشكال عنها، قال الإمام القشيري: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز، وهو أمر تحصّل للصحابة بقرائن تحف بالقضايا . كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب .

ومن أمثلة ذلك أن مروان بن الحكم بعث لابن عباس يسأله عن قول الله تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ( سورة آل عمران، الآية 187 ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الآيَةِ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ تَلاَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ وَتَلاَ: لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَأَلَهُمْ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا قَدْ سَأَلَهُمْ عَنْهُ، فَاسْتُحْمِدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ .

وإن كانت هذه الآية نزلت لهذا السبب، فلا يفهمن من ذلك أن مَنْ يُحب أن يحمد بما لم يفعل، هو بمنجاة من العذاب، لأن الذي يطلب الحمد لنفسه بما لم يفعله من أعمال إنما يفتح باباً للغش والتدليس

ج. دفع توهم الحصر

تدفع معرفة سبب النزول توهم الحصر، عما يفيد بظاهره الحصر: نحو قوله تعالى: قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ( سورة الأنعام، الآية 145 ). فإنّ الحصر في هذه الآية غير مقصود، لأنها نزلت بسبب أولئك الكفار، الذين أبوا إلاّ أن يحرّموا ما أحلّ الله، ويحلوا ما حرّم الله، عناداً منهم ومحادة لله ورسوله، فنزلت الآية بهذا الحصر الصوري، مشادة لهم ومحادة من الله ورسوله، لا قصداً إلى حقيقة الحصر.

د. تخصيص الحكم بالسبب

عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ ـ وهي مسألة خلافية ـ فإن معرفة أسباب النزول، تخصص الحكم بالسبب، الذي نزلت الآيات من أجله. فمن ذلك ما جاء في آيات الظِّهار. عن عائشة رضي الله عنها قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علىّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله، وتقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي ظاهر مني، أللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( سورة المجادلة، الآية 1 )، وزوجها هو أوس بن الصامت .

هـ. تعيين من نزل فيه القرآن

وهو معرفة الشخص ( أو الأشخاص ) الذي نزلت فيه الآية أو الآيات على التعيين، حتى لا يشتبه بغيره، فيُتهم البرىء، ويُبّرأ المريب. عن السدي قال: نزلت هذه الآية وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ( سورة الأحقاف، الآية 17 )، في عبد الرحمن بن أبي بكر، قالها لأبويه، وكانا قد أسلما، وأبى هو أن يسلم، فكانا يأمرانه بالإسلام فيردّ عليهما ويكذبهما، ويقول فأين فلان وأين فلان؟ يعني مشايخ قريش مِمَن قد مات، ثم أسلم فحسن إسلامه، فنزلت توبته في هذه الآية وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ( سورة الأنعام، الآية 132 ).

ولكن ما ورد من الأحاديث عن عائشة ، رضي الله عنها، ينفي ذلك. يروى أنّ مروان بن أبي الحكم، عامل معاوية على المدينة، دعا الناس إلى بيعة يزيد، فخالفه عبدالرحمن بن أبي بكر، فأراد أن يقتله، فدخل بيت عائشة ، فلم يقدروا عليه. فقال مروان هذا الذي قال الله فيه: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( سورة الأحقاف، الآية 17 )، فقالت عائشة: " كذب مروان، والله ما هو به، ولو شئت إن أسمي الذي نزلت فيه لسميته " .

5. كيفية معرفة أسباب النزول
لا يُعرف سبب النزول إلاّ عن طريق النّقل الصحيح. روى الواحدي بسنده عن ابن عباس، عَنْ النَّبِيِّ، قال: اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ . لذلك، قال العلماء: لا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع، ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها.

6. كيفية التعبير عن سبب النزول
يختلف المفسرون في التعبير عن سبب النزول، فتارة يصرّحون بلفظ السبب، فيقال: ( سبب نزول الآية كذا )، وهذه العبارة نصّ في السببيّة لا تحتمل غيرها. وتارة لا يُصرّح بلفظ السبب، ولكن يؤتى بفاء داخلة على مادة نزول الآية عقب سرد حادثة، وهذه العبارة مثل العبارة الأولى في الدلالة على السببيّة. ومثاله، عن جابر قال: كانت اليهود تقول: " من أتى امرأة من دبرها ( أي في قُبلها من ناحية الدُّبر ) جاء الولد " فأنزل الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( سورة البقرة، الآية 223 ). وفي بعض المواقف قد يُسأل الرسول، عن أمر من الأمور، فيُوحى إليه ويجيب بما نزل عليه، ولا يكون التعبير بلفظ سبب النزول، ولا بتلك الفاء، ولكن يفهم السّبب من المقام، مثل ما روي عن ابن مسعود، قال: " كنت أمشي مع النبي، بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب، فمرّ بنفر من اليهود فقال بعضهم: لو سألتموه، فقالوا: حدّثنا عن الروح، فقام ساعة ورفع رأسه، فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي، ثم قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ( سورة الإسراء، الآية 85 ). وحُكْمٌ هذه أيضاً، حُكم ما هو نص في السببية. فلم يصرّح بلفظ السبب ولم يؤت بتلك " الفاء " ولا بذلك الجواب المبني على السؤال، بل يُقال: نزلت هذه الآية في كذا، وهذه العبارة ليست نصاً في السببية، بل تحتملها وتحتمل أمراً آخر، هو بيان ما تضمنته الآية من الأحكام، والقرائن وحدها، هي التي تُعيِّن أحد هذين الاحتمالين أو ترجحه .

وهكذا، يتضح أنه إذا وردت عبارتان في موضوع واحد: إحداهما نصّ في السببيّة لنزول آية أو آيات، والثانية ليست نصاً في السببيّة لنزول تلك الآية، أو الآيات، يؤخذ في السببيّة بما هو نصّ، وتُّحمل الأخرى على أنها بيان لمدلول الآية، لأن النص أقوى في الدلالة من المحتمل.

ويُتبين من ذلك، أن القرآن قد ينزل عاماً فيتخصص بالسبب، وقد ينزل خاصاً ثم يَعُم؛ وقد تتعدد الأسباب والنازل من القرآن واحد، وقد يتعدد النازل من القرآن والسبب واحد.

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

إذا اتفق ما نزل من الآيات مع السبب في العموم، أو اتفق معه في الخُصوص، حُمِل العام على عمومه، والخاص على خصوصيته.

مثال ذلك قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ( سورة البقرة، الآية 222 ). فعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ النَّبِيَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلاَّ خَالَفَنَا فِيهِ فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَلاَ نُجَامِعُهُنَّ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا .

ومثال آخر، قوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ( سورة الليل، الآيتان 17 و18 )، فأنها نزلت في أبي بكر الصديق. فالأتقى هو أبو بكر الصديق، في قول جميع المفسرين.

أمّا إذا كان السبب خاصاً ونزلت الآية بصيغة العموم، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، مثال ذلك نزول آيات الظهار في أوس بن الصامت، ونزول آية الكلالة في جابر بن عبدالله، وغير ذلك. فإن العبرة والحكم يختص بنوع ذلك الشخص، فتعم ما يشبهه، والآية التي لها سبب معين، إن كانت أمراً أو نهياً، فهي تتناول ذلك الشخص وغيره ممن كان مثله .

وخير من صنّف في أسباب النزول من العلماء، الواحدي النيسابوري ، وجلال الدين السّيوطي ، في مصنفيهما " أسباب النزول "، حيث تناولا سور القرآن، سورة سورة، مع بيان ما ورد في سبب نزولها.

جمع القرآن وتدوينه
يُقصد بمصطلح " جمع القرآن " تارة حفظه واستظهاره في الصدور، كما يراد به كتابته حروفاً وكلمات وآيات وسوراً. فهذا جُمع في الصحائف والسطور، وذلك جُمع في القلوب والصدور. ثم إن جمعه بمعنى كتابته، حدث في الصدر الأول للإسلام ثلاث مرات: الأولى في عهد النبي، ، والثانية في خلافة أبي بكر، والثالثة في عهد عثمان وفي عهد عثمان نُسخت المصاحف وأرسلت إلى الآفاق.

1. في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم
أ. جمع الحفظ والاستظهار

عندما نزل القرآن على النبي، ، كانت همته في بادئ الأمر موجهة إلى أن يحفظ القرآن ويستظهره، ثم يقرأه على الناس على مكث، ليحفظوه، ويستظهروه، لأنه نبي أمي بعثه الله في الأميين: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ( سورة الجمعة، الآية 2 ).

ومن شأن الأمي أن يركز على حافظته فيما يهمه أمره، ويعنيه استحضاره وجمعه، خاصة إذا أوتي من قوة الحفظ والاستظهار، ما ييسر له هذا الجمع والاستحضار. وكذلك كانت الأمة العربية على عهد نزول القرآن، متمتعة بخصائص العروبة الكاملة، التي منها سرعة الحفظ، وصفاء الأذهان، حتى كانت عقولهم سجلات أنسابهم وأيامهم، وحوافظهم دواوين أشعارهم وأيامهم ومفاخرهم. ثم جاء القرآن فهزّهم بقوة بيانه، وأخذ عليهم مشاعرهم بسطوة سلطانه، واستأثر بكريم مواهبهم في لفظه، فأوقفوا عليه حياتهم حين علموا أنه روح حياتهم.

أمّا النبي، ، فبلغ من حرصه على استظهار القرآن وحفظه، أنه كان يحرّك لسانه به في أشد حالات حرجه وشدته، وهو يعاني ما يعانيه من الوحي وسطوته، وجبريل في هبوطه عليه بقوته. يفعل الرسول، ، كل ذلك استعجالاً لحفظ القرآن وجمعه في قلبه، مخافة أن تفوته كلمة، أو يفلت منه حرف. وما زال يفعل ذلك، حتى طمأنه ربّه بأن وعده أن يجمع له القرآن في صدره، وأن يسهل له قراءة لفظه، وفهم معناه، فقال سبحانه مخاطباً نبيه: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ( سورة القيامة، الآيات 16 ـ 19 )، وقال سبحانه: وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ( سورة طه، الآية 114 ).

وهكذا، كان ، أول جامع للقرآن في قلبه الشريف، وسيّد الحفاظ في عصره بلا منازع، ومرجع المسلمين في كل ما يعنيهم من أمر القرآن وعلومه. وكان ، يقرأ القرآن على الناس على مكث كما أمره مولاه، وكان يحيي به الليل، ويزيّن به الصلاة، وكان جبريل يعارضه إياه مرة في كل عام. وعارضه إياه في العام الأخير، الذي قُبض فيه مرتين، عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ، فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ .

وأمّا الصحابة، رضوان الله عليهم، فقد كان القرآن في المحل الأول من عنايتهم، يتنافسون في استظهاره وحفظه؛ ويسابقون إلى مدارسته وفهمه. ويتفاضلون فيما بينهم على مقدار ما يحفظون منه. وربما كانت قرّة عين المرأة منهم أن يكون مهرها في زواجها سورة من القرآن، يعلّمها إياها زوجها. وكانوا يهجرون لذة النوم وراحة الفراش، إيثاراً للذة القيام به في الليل، وتلاوة القرآن في الأسحار، والصلاة به والناس نيام، حتى لقد كان الذي يمرّ ببيوت الصحابة في الليل، يسمع فيها دوياً كدوي النّحل. وكان الرسول، ، يذكّي فيهم روح العناية بالتنزيل، يُبلغهم ما أُنزل إليه من ربه، ويبعث إلى من كان بعيد الدار منهم من يعلمهم ويقرئهم، كما بعث مصعب بن عمير وعبدالله بن أمّ مكتوم، إلى أهل المدينة قبل هجرته، يعلمان الناس الإسلام، وقراءة القرآن، كما أرسل معاذ بن جبل إلى مكة بعد هجرته للتحفيظ والإقراء.

وهكذا، بلغ حُفّاظ القرآن في حياة الرسول، ، عدداً كبيراً؛ منهم الخلفاء الراشدون، الأربعة، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن معاذ، وعبدالله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو هريرة، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، وعمرو بن العاص، وابنه عبدالله، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبدالله بن الزبير، وعبد الله بن السّائب بن يزيد. كما حفظ القرآن من الأنصار في حياته، ، أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأنس بن مالك. وقد روى البخاري أنّ عَبْدَ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، عندما ذُكر لدى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ، يَقُولُ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ .

وعَنْ أَنَسٍ، أن الْقُرْآنَ، جمعه عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ، : أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الأَنْصَارِ: أُبَيٌّ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فهذا الحصر الذي بدا في هذين الحديثين أقرب لأن يكون حصراً نسبياً، ولا ينفي ذلك أن الصحابة غير من ذكر في الحديثين قد حفظ وكان جامعاً له . وإلاّ فكيف نفسر القول بأنه قد قُتل في عهد النبي، ، ببئر معونة سبعون من حفظة القرآن، وقتل يوم اليمامة سبعون، فعلام يدل هذا العدد! ألا يؤكد هذا كثرة الصحابة الذين جمعوا القرآن في صدورهم؟!.

ب. جمع الكتابة والتدوين

لم تكن أدوات الكتابة ووسائلها ـ بداهة ـ ميسورة في ذلك العهد. لذلك، كان الأوفق التعويل على حفظ القرآن في الصدور، جرياً على عادة العرب عندئذ، من جعل صفحات صدورهم وقلوبهم، دواوين لأشعارهم وأنسابهم ومفاخرهم وأّيامهم.

وقد حظي حفظ القرآن بأوفى نصيب، من عناية النبي، . ولكن لم تصرفه العناية بحفظ القرآن واستظهاره، عن العناية بكتابته ونقشه، بالقدر الذي سمحت به وسائل الكتابة وأدواتها في ذلك العصر. فقد اتخذ الرسول، ، كُتاباً للوحي، كلّما نزل شيء من القرآن أمرهم بكتابه، حرصاً على تسجيله وتقييده، وزيادة في التوثيق والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى، حتى تظاهر الكتابة الحفظ، ويعاضد الرسم اللفظ. وكان كتاب الوحي من خيرة الصحابة، فيهم أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، وأبان بن سعيد، وخالد بن الوليد، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وثابت بن قيس، وغيرهم . وكان يَدُلّهم على موضع المكتوب من سورته، فيكتبونه فيما يجدونه من العُسب ( جريد النخل )، واللخاف ( الحجارة البيضاء )، والرقاع ( الورق )، وقطع الأديم ( الجلد )، وعظام الأكتاف، والأضلاع، ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله . وهكذا، انقضى العهد النبوي والقرآن مجموع على هذه الطريقة، لم يُكتب في صحف، ولا في مصاحف، بل كُتب متفرقاً في الرِّقاع والعظام، ونحوهما.

وهكذا، فإن القرآن كله قد كُتب في عهد رسول الله، ، لكنه لم يُكتب مجموعاً في موضع واحد . يقول الزركشي: وكان كلّما أُنزل عليه شيء من القرآن أمر بكتابته، ويقول: في مفترقات الآيات. " ضعوا هذه في سورة كذا "، وكان يعرضه على جبريل في شهر رمضان كل عام مرة . ومعنى ذلك أنّ القرآن كله دوّن في عهد رسول الله، . فكانت كل آية أو آيات تدوّن عند نزولها، في السورة أو السور الخاصة بها.

وقُبض رسول الله، ، والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في الصحف على نحو مفرق الآيات والسور، وكل سورة في صحيفة على حدة .

2. في عهد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه
جاء في صحيح البخاري: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ إِلَى آخِرِهِمَا. وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ .

يتبيّن من هذا الحديث، أن السبب المباشر لجمع القرآن في صحف مجتمعة، الخوف عليه من الضياع، لأنه كان محفوظاً في صدور الصّحابة. ولمّا كثُر القتل في القُراء وخيف ضياع القرآن، عمد أبو بكر، إلى تنفيذ الفكرة، بانتداب زيد بن ثابت إلى هذه المهمة، وأبو بكر وعمر يعاونانه.

وانتهج زيد في جمع القرآن طريقة دقيقة، وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ، وحذر دقيق، وتحديات شاملة. فلم يكتف زيدٌ بما حفظ قلبه، ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه. بل جعل يتتبع ويستقصي، آخذاً على نفسه أن يعتمد في جمع القرآن، على مصدرين اثنين:

أحدهما: ما كُتب في عهد رسول الله، ، وبين يديه.

والآخر: ما كان محفوظاً في صدور الرجال.

وبلغ زيدٌ بن ثابت في الحيطة والحذر، حداً جعله لا يقبل شيئاً من المكتوب، حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدّي رسول الله، .

ويدل على ذلك، ما روي عن عمر، أنه قال: " من كان تلقى من رسول الله، ، شيئاً من القرآن فليأت به، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان " .

كما يدل على ذلك ما روي من أن أبا بكر، قال لعمر ولزيد: " اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه " . وهكذا، دونت تلك الصحف على يد زيد بن ثابت، وقوبلت بما تستحقه من عناية فائقة، فحفظها أبو بكر عنه. ثم حفظها عمر بعده. ثم حفظتها أم المؤمنين حفصة بنت عمر بعد وفاة عمر، حتى طلبها منها خليفة المسلمين عثمان، حيث اعتمد عليها في استنساخ مصاحف القرآن، ثم ردّها إليها .

وكان من سمات هذه المصاحف الأولى، أنها جَمعت القرآن على أدق وجوه البحث والتحري، وأسلم أصول التثبت العلمي. كما اقتُصر فيها على ما لم تُنسخ تلاوته، مع تواتره ونقله، وأنها ظفرت بإجماع الأمة عليها.

3. في عهد عثمان بن عفَّان، رضي الله عنه
اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة في حاجة إلى دراسة القرآن. وكان أهل كل بلد من البلاد الإسلامية، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة. فأهل الشام يقرأون بقراءة أُبيّ بن كعب، وأهل الكوفة يقرأون بقراءة عبدالله بن مسعود، وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري. فأصبح بينهم اختلاف في حروف الأداء، ووجوه القراءة، على نحو فتح باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن. وهو خلاف يُشبه ما كان بين الصحابة ـ على عهد رسول الله ـ قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف . ولكن الشقاق هذه المرة، كان أشد، لبعد عهد هؤلاء القوم عن عصر النبوة، وعدم وجود الرسول، ، بينهم، يطمئنون إلى حكمه، ويصدرون جميعاً عن رأيه. واستفحل الداء حتى كفّر بعض الصحابة بعضاً، وكادت تقع فتنة في الأرض، وفساد كبير.

وكانت الأمصار النائية، أشد اختلافاً ونزاعاً من المدينة والحجاز. وكان الذين يسمعون اختلاف القراءات من تلك الأمصار، إذا جمعتهم المجامع، أو التقوا على جهاد أعدائهم، يعجبون من ذلك. وكانوا يمعنون في التعجب والإنكار، كلّما سمعوا زيادة في اختلاف طرق أداء القرآن، وأدى بهم التعجب إلى الشكّ والمداراة، ثم إلى التأثيم، والمنازعة، وتيقظت الفتنة، التي كادت تطيح فيها الرءوس، وتُسفك الدماء، وتقود المسلمين إلى مثل اختلاف اليهود والنصارى في كتابهم.

ويُضاف إلى ذلك أن الأحرف السّبعة ـ أي الألسنة أو القراءات ـ التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأقطار، ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلّها، حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون، فقد كان كل صحابي في إقليم، يُقرئ أهل الإقليم بما يعرف فقط من الحروف، التي سمع بها القرآن وقراءه. ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع، يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف، والشقاق البعيد.

وخير ما يصور الموقف وخطورته، ما روي عن أنس بن مالك في صحيح البخاري: أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ، فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ، إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ. فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ .

وبناء على هذه الأسباب رأى عثمان، بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع، وأن يستأصل الداء قبل أن يعزّ الدواء. فجمع أعلام الصحابة، وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، وحسم مادة هذا النزاع. فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف، يُرسل منها إلى الأمصار، وأن يُؤمر الناس بإحراق كل ما عداها، وألاّ يعتمدوا سواها. وبذلك يرأب الصدع، ويجبر الكسر. وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية، نورهم الهادي في ظلام هذا الاختلاف، ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة، وحكمهم العدل في ذاك النزاع، وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء.

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 17:12

خيارات المساهمة


أ. شروط عثمان لكتابة المصاحف

وكان مما تواضع عليه الصحابة المنتدبون للمهمة، ألاّ يكتبوا في هذه المصاحف إلاّ ما تحققوا أنه قرآن، وعلموا أنه قد استقرّ في العرضة الأخيرة ( التي عرض فيها رسول الله القرآن على جبريل، في العام الذي قُبض فيه )، وما أيقنوا صحته عن النبي، ، مما لم يُنسخ، وتركوا ما سوى ذلك، مثل قراءة ( فامضوا ) بدل " فاسعوا " في سورة الجمعة في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( سورة الجمعة، الآية 9 )، ومثل قراءة: ( سفينة صالحة ) في قوله تعالى: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ( سورة الكهف، الآية 79 )، بزيادة ( صالحة )، إلى غير ذلك. وقد كتبوا مصاحف متعددة، لأنّ عثمان، قصد إرسال ما وقع عليه الإجماع إلى أقطار بلاد المسلمين، وهي الأخرى متعددة. وقد كتبوا المصاحف متفاوتة، في إثبات وحذف وبدل، وغيرها، لأنه، قصد اشتمالها على الأحرف كُلها. وجعلوها خالية من النقط والشكل، تحقيقا لهذا الاحتمال، فكانت بعض الكلمات يُقرأ رسمها بأكثر من وجه، عند تجردها من النقط والشكل، مثل: فَتَبَيَّنُوا من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ( سورة الحجرات، الآية 6 )، فإنها تصلح أن تقرأ ( فتثبتوا )، عند خلوها من النقط والشكل، وهي قراءة أخرى.

أمّا الكلمات التي لا تدل على أكثر من قراءة عند خلوها من النقط والشكل، مع أنّها واردة بقراءة أخرى أيضاً، فكانوا يرسمونها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وفي بعضها الآخر برسم آخر يدل على القراءة الثانية، مثل قراءة ( وصّى ) بالتضعيف و( أوصى ) بالهمز، وهما قراءتان في قوله تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ( سورة البقرة، الآية 132 ).

وخلاصة الأمر، أن اللفظ، الذي لا تختلف فيه وجوه القراءات، كانوا يرسمونه بصورة واحدة، في كل المصاحف وأما الذي تختلف فيه وجوه القراءات، فإن كان لا يمكن رسمه في الخط، محتملاً لتلك الوجوه كلّها، فإنهم يكتبونه برسم يوافق بعض الوجوه في مصحف، ثم يكتبونه برسم آخر يوافق بعض الوجوه الأخرى في مصحف آخر. وكانوا يتحاشون أن يكتبوه بالرسمين في مصحف واحد، خشية أن يُتوهم أن اللفظ نزل مكرراً بالوجهين في قراءة واحدة، وليس الأمر كذلك، بل هما قراءتان نزل اللفظ في إحداهما بوجه، وفي الثانية بوجه آخر، من غير تكرار في قراءة واحدة منهما.

وقد دعا الصحابة إلى اتباع هذه الخطة، في رسم المصاحف وكتابتها، أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله، ، بجميع وجوه قراءاته، وبحروفه كافة، التي نزل عليها، فكانت هذه الطريقة أقرب إلى الإحاطة بالقرآن على وجوهه كلها، حتى لا يقال: إنهم اسقطوا شيئاً من قراءاته، أو منعوا أحداً من القراءة بأي حرف شاء، على حين أنها كلها منقولة نقلاً متواتراً عن النبي، . وكان مما اشترطه عثمان، في هذا الجمع للقرآن، أنه قال لهؤلاء الكُتّاب: " إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ". وقد توافر لتلك المصاحف من المزايا، ما لم يتوافر في غيرها، مثل:

ـ
الاقتصار في وجوه القرآن على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحاداً.

ـ
إهمال ما نُسخت تلاوته من الآيات، ولم يستقر في آخر قراءة.

ـ
ترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن، بخلاف صحف أبي بكر، فقد كانت مرتبة الآيات دون السّور.

ـ
كتابة هذه المصاحف على نحو يجمع كل وجوه القراءات المختلفة، والأحرف التي نزل عليها القرآن، مع عدم إعجامها وشكلها، وتوزيع وجوه القراءات على المصاحف، إذا لم يحتملها الرسم الواحد.

ـ
تجريد المصاحف من كل ما ليس قرآناً، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة، شرحاً لمعنى، أو بياناً لناسخ ومنسوخ.


ب. قواعد رسم المصحف العثماني

للمصحف العثماني قواعد خاصة به في خطه ورسمه، حصرها علماء هذا الفن في ست قواعد، وهي: الحذف، والزيادة، والهمز، والبدل، والفصل والوصل، وما فيه قراءتان فأُخذ بإحداهما.

(1) قاعدة الحذف

( أ )
تحذف الألف من ياء النداء الداخلة على ( أيّ )، ومن ( ها ) التنبيه، ومن لفظ الجلالة، ومن كلمة ( إله )، ومن لفظي ( الرحمن ـ سبحان )، وبعد لام نحو كلمة ( خلائف )، وبين اللامين، مثل ( الكلالة )، ومن كل مثنى، ومن كل جمع تصحيح لمذكر أو لمؤنث، ومن كل جمع على وزن ( مفاعل )، ومن كل عدد مثل ( ثلاث )، ومن البسملة، ومن أول الأمر من ( سأل )، إلاّ ما استثني.

( ب )
تحذف الياء من كل اسمٍ منقوص منون رفعاً وجراً، ومن مثل ( اطيعون ) إلا ما استثنى. وهناك ملحظ لطيف في حذف الياء، وهو أنّ اسم ( إبراهيم )، حذفت منه الياء في كل موضع ورد فيه، من سورة ( البقرة )، بينما أثبتت الياء فيه في بقية سور القرآن على غير القاعدة، وكذلك ألف ( مالك ).

( ج )
تحذف الواو، متى وقعت مع واو أخرى.

( د )
كذلك تحذف اللام، إذا كانت مدغمة في مثلها، إلا ما استثنى.


( 2 ) قاعدة الزيادة

تزاد الألف بعد الواو في آخر كل اسم مجموع، أو ما كان في حكم المجموع، وبعد الهمزة المرسومة واواً، وفي كلمات مثل: مائة، والظنون ... ألخ. وتزاد الياء في نحو: ( بأييد ). وتزاد الواو في ( أولو، أولئك، أولاء، أولات ).

( 3 ) قاعدة الهمز

تُكتب الهمزة إذا كانت ساكنة، بحركة الحرف الذي قبلها، إلا ما استثني. فإن كانت أول الكلمة، واتصل بها حرف زائد كتبت بالألف مطلقاً، سواء أكانت مفتوحة أم مكسورة أم مضمومة نحو ( إذا، سأصرف، أولو ). وإن كانت الهمزة متوسطة، فإنها تكتب بحرف من *** حركتها ( سأل، سُئل، نقرؤه )، إلاّ ما استثني، وإن كانت متطرفة كتبت بحرف من *** حركة ما قبلها، نحو: ( سبأ، شاطيء، لؤلؤ )، وإن سُكِّن ما قبلها، أُفردت ( ملء، خبء ).

( 4 ) قاعدة البدل

تُكتب الألف واواً للتفخيم، في مثل: ( الصلاة " الصلوة "، الزكاة " الزكوة "، الحياة " الحيوَة )، إلاّ ما استثني.

وترسم الألف ياءً إذا كانت منقلبة عن ياء، وكذلك ترسم الألف ياءً في بعض الكلمات مثل، ( إلى، على، متى )، وترسم النون ألفاً في نون التوكيد الخفيفة، وفي كلمة ( إذن ). وترسم هاء التأنيث تاء مفتوحة في مثل ( رحمة " رحمت "، لعنة الله " لعنت الله "، شجرة الزقوم " شجرت الزقوم "، امرأة عمران " امرأت عمران " ).

( 5 ) قاعدة الوصل والفصل

موجز هذه القاعدة، أن توصل كلمة ( أن )، بفتح الهمزة، بكلمة ( لا ) إذا وقعت بعدها، لأن اللام من حروف الإدغام فمتى وقعت بعد نون ساكنة أو تنوين، تتحول النون إلى لام ساكنة وتدغم في اللام المتحركة التي تلتها، فتنطق هكذا بالإدغام كقوله تعالى: أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ( سورة الرحمن، الآية 8 ). ويستثنى بعض المواضع مثل: ( أن لا تقولوا ).

كما توصل كلمة ( من ) بكلمة ( ما ) إذا وقعت بعدها، ويستثنى ( من ما ملكت ) في سورتي النساء والروم، ( ومن ما رزقناكم ) في سورة المنافقين. وتوصل كلمة ( مِنْ ) بكلمة ( َمنْ ) مطلقاً. وتوصل كلمة ( عن ) بكلمة ( ما )، إلاّ قوله سبحانه ( عن ما نهوا عنه ). كما توصل كلمة ( إنْ ) بالكسر بكلمة ( ما ) التي بعدها، إلاّ قوله سبحانه ( وإن ما نرينّك ). وتوصل كلمة ( أن ْ) بالفتح بكلمة ( ما ) مطلقاً، وتوصل كلمة ( كل ) بكلمة ( ما ) التي بعدها، إلاّ قوله سبحانه ( كل ما ردّوا ) و( كل ما سألتموه ). وتوصل كلمات ( عمّا، وربما، وكأنّما، ويكأن ّ) ونحوها.

( 6 ) قاعدة ما فيه قراءتان

موجز هذه القاعدة، أن الكلمة إذا احتملت القراءة على وجهين، يُكتب رسم أحدهما، كما رسمت الكلمات التالية من غير ألف في المصحف: ( مالك " ملك " يوم الدين، يخادعون " يخدعون " الله، وواعدنا " وعدنا " موسى، تفادوهم " تفدوهم " ) ونحوها، فكلها مقروءة بإثبات الألف وحذفها. وكذلك، رسمت بعض الكلمات بالتاء المفتوحة ( غيابة " غيابت " الجب، أنزل عليه آية " آيت ") في سورة العنكبوت، و( ثمرة " ثمرت " من أكمامها ) في سورة فصّلت، و( وهم في الغرفة " الغرفات " آمنون ) في سورة سبأ، وذلك لأنها جميعها مقروءة بالجمع والإفراد. وغير هذا كثير.

الفواصل ورؤوس الآيات
تميز القرآن الكريم بمنهج فريد في فواصله ورؤوس آياته.

تعني الفاصلة، الكلام المنفصل عما يأتي بعده، وقد يكون رأس آية وقد لا يكون. وتقع الفاصلة عند نهاية المقطع الخطابي. وسميت بالفاصلة، لأن الكلام ينفصل عندها.

ويعني رأس الآية نهايتها، التي توضع بعدها علامة الفصل بين آية وآية، ولهذا قالوا: " كل رأس آية فاصلة، وليس كل فاصلة رأس آية "، فالفاصلة تضم النوعين، وتجمع الضربين، لأن رأس كل آية، يفصل بينها وبين ما بعدها.

ومثل هذا قد يسمى في النثر سجعاً، على النحو المعروف في علم البديع. ولكن كثيراً من العلماء، لا يطلق هذا الوصف على القرآن الكريم، سمواً به عن كلام الأدباء، وعبارات الأنبياء، وأسلوب البلغاء. لذلك فرقوا بين الفواصل والسجع، فقالوا: الفواصل في القرآن هي التي تُبَلِّغ المعاني، ولا تكون مقصودة لذاتها.

أمّا السجع فهو الذي يقصد في نفسه، ثم يحيل المعنى عليه، لأنه إيراد الكلام على وزن واحد. ورد القاضي أبو بكر الباقلاني، على من قال بالسجع في القرآن، فقال: " وهذا الذي يزعمونه غير صحيح، ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ( أي العرب )، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز، ولو جاز أن يقال: هو سجع معجز لجاز لهم أن يقولوا: شعر معجز، وكيف؟ والسجع مما كانت كهان العرب تألفه، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر، لأن الكهانة تخالف النبوات بخلاف الشعر. وما توهموا أنه سجع باطل. لأن مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو، لأن السجع مع الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي بالسجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن، لأن اللفظ وقع فيه تابعاً للمعنى. فرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه، التي تؤدي المعنى المقصود فيه، وبين أن يكون المعنى منتظماً دون اللفظ .

أنواع الفواصل
فمنها الفواصل المتماثلة، كقوله تعالى وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ( سورة الطور، الآيات 1 ـ 4 )، وقوله تعالى: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ( سورة الفجر، الآيات 1 ـ 4 )، وقوله تعالى: فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ( سورة التكوير، الآيات 15 ـ 18 ).
ومنها الفواصل المتقاربة في الحروف، كقوله تعالى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( سورة الفاتحة، الآيتان 3 و4 ). للتقارب بين الميم والنون في المقطع، وقوله: ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ( سورة ق، الآيات 1 ـ 3 )، بتقارب مقطعي الدال والباء.
ومنها المتوازي، وهو أن تتفق الكلمتان في الوزن وحرف السجع، كقوله تعالى: فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ( سورة الغاشية، الآيتان 13 و14 ).
ومنها المتوازن، وهو أن يراعى في مقاطع الكلام الوزن فقط، كقوله تعالى: وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ( سورة الغاشية، الآيتان 15 و16 ).
وقد يراعى في الفواصل:

ـ
زيادة حرف، كقوله تعالى: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ( سورة الأحزاب، الآية 10 )، بإلحاق ألف، لأن مقاطع فواصل هذه السورة، ألفات منقلبة عن تنوين في الوقف، فزيد على النون ألف لتساوي المقطع، وتناسُب نهايات الفواصل.

ـ
حذف حرف، كقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ( سورة الفجر، الآية 4 )، بحذف الياء، لأن مقاطع الفواصل السابقة واللاحقة بالراء.

ـ
تأخير ما حقه التقديم لنكتة بلاغية، كتشويق النفس إلى الفاعل في قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ( سورة طه، الآية 67 )، لأن الأصل في الكلام أن يتصل الفعل بفاعله ويؤخر المفعول، لكن أُخر الفاعل هنا وهو " موسى "، للنكتة البلاغية السابقة على رعاية الفاصلة .


سور القرآن وآياته
1. الآية في القرآن الكريم
الآية في اللغة لها ثلاثة معان:

الأول:
الجماعة من الناس، تقول العرب: خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم، لم يـتركوا خلفهم أحداً.

الثاني:
العجب، تقول العرب: فلان آية في العلم وفي الجمال، قال الشاعر:

آية في الجمـال ليس له فـي



الـحسن شـبْه وماله من نظيـر


فكأن كل آية عجب في نظمها، والمعاني المودعة فيها.

الثالث:
العلامة، تقول العرب: خُربت دار فلان، وما بقي فيها آية، أي علامة. فكأن كل آية في القرآن علامة، ودلالة على نبوة محمد، .


وأمّا في الاصطلاح، فحدُّ الآية: قرآن مركّب من جمل، ولو تقديراً، ذو مبدأ ومقطع مندرج في سورة.

ومن هذا يتضح أن ( الآية )، قد تكون مجموعة جمل، أو جملة واحدة، أو كلمة عند بعضهم.

أ. معرفة الآية

قال بعض العلماء: الصحيح أن الآية تُعلم بتوقيف من الله، لا مجال للقياس فيه كمعرفة السّورة. " فالآية طائفة حروف من القرآن، عُلم بالتوقيف انقطاعها معنى عن الكلام، الذي بعدها في أول القرآن، وعن الكلام، الذي قبلها في آخر القرآن، وعن الكلام، الذي قبلها، والذي بعدها في غيرهما، غير مشتمل على مثل ذلك. وبهذا القيد خرجت السورة " .

قال القاضي أبو بكر بن العربي: " ذكر النبي، أن الفاتحة سبع آيات، وسورة الملك ثلاثون آية، وصحّ أنه قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران " .

أمّا الكلمة، التي تعد جزءاً من الآية، فقد تكون على حرفين، مثل: ( ما، لي، له، لك )، وقد تكون أكثر. وقد تكون الكلمة آية وهي في الوقت نفسه، اسم للسورة، مثل " وَالْفَجْر ِ"، " وَالضُّحَى "، و" وَالْعَصْر ِ"، وكذلك الحروف في أوائل السور مثل: " الم " في سورة البقرة، و"طه" في سورة طه، و"يس" في سورة يس، و" حم " في سورة غافر.

ب. ترتيب الآي في القرآن الكريم

انعقد إجماع الأمة، على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على هذا النمط، الذي نراه اليوم بالمصاحف، كان بتوقيف من النبي، عن الله تعالى. وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، لأن جبريل كان ينزل بالآيات على الرسول، ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها. ثم يقرؤها النبي على أصحابه، ويأمر كُتّاب الوحي بكتابتها مُعيّناً لهم السورة، التي تكون فيها الآية، وموضع الآية من تلك السّورة.

ج. أقصر آية في القرآن

تُعد أقصر آية في القرآن، تلك التي قامت على كلمة واحدة، وهي قوله تعالى في سورة الرحمن: مُدْهَامَّتَانِ ( سورة الرحمن، الآية 64 ).

د. أطول آية في القرآن

تُعد أطول آية في القرآن آية الدّين، وهي قوله تعالى في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ، إلى قوله تعالى: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( سورة البقرة، الآية 282 ).

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 21:30

خيارات المساهمة


2. السورة في القرآن الكريم
أ. تعريف السورة

اختلف العلماء في المعنى، الذي اشتقت من السّورة، فقيل من الإبانة والارتفاع قال النابغة:

ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب

فكأنّ القارئ ينتقل بها من منزلة إلى منزلة. وقيل لشرفها وارتفاعها كسور البلدان. وقيل سميت سورة لكونها قطعة من القرآن، وجزءاً منه مأخوذ من أسآر الإناء وهو البقية، وعلى هذا فيكون أصلها مهموزاً، وإنما خففت الهمزة فأبدلت الهمزة واواً لانضمام ما قبلها. وقيل لتمامها وكمالها، لأن العرب يسمون الناقة التامة " سورة ". ويحتمل أن يكون الاسم مأخوذاً من الجمع والإحاطة لآياتها، كما يسمى سور البلد لإحاطته بمنازله ودوره. وجمع السورة سوَر بفتح الواو وقد يجمع على سُوْرَات وسُوَرات .

والسورة قطعة مفردة من القرآن الكريم، تتكون من جمل، وهي ذات بداية ونهاية معلومتين، يفصل بينها وبين، سابقتها ولاحقتها، بالبسملة، إلاّ سورة التوبة فلا تسبقها ( بسم الله الرحمن الرحيم ). وتشتمل السورة على مجموعة من الآيات، وأقصر سورة لا تقل عن 3 آيات ( مثل سورتي العصر والكوثر )، وأطولها لا تتجاوز 286 آية ( مثل سورة البقرة ) .

ولعلّ الحكمة في تقطيع السور آيات معدودات، لكل آية حد ومطلع، لتكون كل سورة، بل كل آية، فناً مستقلاً وقرآناً معتبراً. وفي تسوير كل السّورة، تحقيق لمعنى أن السورة وحدها معجزة، وآية من آيات الله تعالى. ونزول السور طوالاً وقصاراً وأوساطاً، تنبيهاً على أن الطول ليس من شرط الإعجاز. فسورتا الكوثر والعصر كل منهما ثلاث آيات، وهما معجزتان إعجاز سورة البقرة .

وتختلف سور القرآن طولاً وقصراً، ومرجع الطول والقصر والتوسط، وتحديد المطلع والمقطع، مرجعه إلى الله وحده، لحكمة سامية، علمها من علمها وجهلها من جهلها.

ب. الحكمة من تقسيم القرآن إلى سور

لعلّ الحكمة في تقسيم القرآن إلى سور، هي التيسير على الناس، وتشويقهم إلى مدارسة القرآن وحفّظه. لأنه لو كان سبيكة واحدة لا حلقات بها، لصعب عليهم حفظه وفهمه، وأعياهم أن يخوضوا عُباب هذا البحر الخضمّ، الذي لا يشاهدون فيه عن كثب، مرافئ ولا شواطئ. ولكل سورة، عادة، موضوع بارز تتحدث عنه. فسورة يوسف مثلاً تترجم عن قصته، وسورة براءة تترجم عن أحوال المنافقين، وكامن أسرارهم، وغير ذلك .

ج. أقسام السور

قسّم العلماء سور القرآن الكريم إلى أقسام أربعة، حسب عدد آيات السورة، من الطول والتوسط والقصر. فخصوا كل قسم من القرآن باسم مستمد من طبيعة سوره. وهذه الأقسام، هي: الطّوال، والمؤن، والمثاني، والمفصل.

( 1 ) الطوال من السور

عددها سبع، هي: البقرة، وآل عمران, والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، واختلفوا في السابعة أهي: الأنفال وبراءة ( التوبة ) معاً، لعدم الفصل بينهما بالبسملة، أم هي: سورة يونس.

( 2 ) المئون من السور

هي السور التي يزيد عدد آياتها عن مائة، أو يقارب المائة مثل: هود، ويوسف.

( 3 ) المثاني من السور

هي التي تأتي بعد السور المئين في عدد الآيات، وهي سور لا تقل عدد آياتها عن مائة آية، لأنها تكرر (تُثنّى) أكثر مما تكرر الطوال والمئون، مثل: الرعد، وإبراهيم.

( 4 ) المفصّل من السور

هو أواخر القرآن، واختلفوا في تعيين أوله، فقيل: أوله سورة ( ق )، وقيل ( الحجرات ). وسمي " المفصل " لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، وقيل لقلة المنسوخ منه، ولهذا يسمى ( المحكم ).

والمفصّل ثلاثة أقسام: طوال، وأوساط، وقصار. فطواله من أول سورة ( الحجرات ) إلى سورة ( البروج )، وأوساطه من سورة ( الطارق ) إلى سورة ( البينة )، وقصاره من سورة ( الزلزلة ) إلى آخر القرآن.

3. ترتيب السور في القرآن الكريم
اختُلف العلماء، في ترتيب السور على أقوال، أشهرها، أنّ ترتيب السور كلها توقيفي، أي ببيان من الرسول، مثله في ذلك مثل ترتيب الآيات، وأن كل سورة في مكانها، بأمر منه، . واستُدل على هذا الرأي بأنّ الصحابة أجمعوا على المصحف، الذي كُتب في عهد عثمان، ولم يخالف منهم أحد. وإجماعهم لا يتم إلاّ إذا كان الترتيب، الذي أجمعوا عليه عن توقيف من الرسول، لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بمخالفتهم، لكنهم لم يتمسكوا بها، بل تخلوا عنها وعن ترتيبهم، وعدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها، ورجعوا إلى مصحف عثمان، وترتيبه جميعاً. ثم ساقوا روايات لمذهبهم، كأدلة يستند عليها الإجماع.

ويؤيد هذا الترتيب كذلك ما رواه أبو داود، قَالَ أَوْسٌ: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ قَالُوا ثَلاَثٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ . فالحديث يشير إلى أن القرآن كان مرتب السور، بدليل أن العدد "ثلاث" المخالف لمعدوده ورد مذكراً في هذه الأعداد مما يدل على أن المعدود ( سورة ). كما أن مجموع هذه الأعداد ( 48 ) سورة، وهو يمثل عدد السور من سورة ( الفاتحة ) حتى سورة الفتح، وحزب المفصل يبدأ من ( سورة الحجرات ).

القراءات القرآنية
القراءات جمع قراءة، وهي في اللغة مصدر سماعي لقرأ: أي ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، ولا يقال ذلك لكل جمع. فلا يُقال قرأت القوم: إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا نطق به قراءة .

وفي الاصطلاح: القراءة مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة، مخالفاً به غيره في النطق بالقرآن الكريم، مع اتفاق الروايات والطرق عنه؛ سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها .

فالمعوّل عليه في القراءة القرآنية، إنما هو التلقي والأخذ، ثقة عن ثقة، وإماماً عن إمام إلى النبي، . فالقرآن المدوّن في الصحف لم يكن هو العمدة، وإنما هو مرجع للمسلمين على كتاب ربهم في حدود ما يدلّ عليه المرسوم. فمن الثابت أن القرآن المدون لم يكن منقوطاً ولا مشكولاً قديماً، وأن صورة الكلمة كانت تحتمل وجوهاً متعددة من القراءات القرآنية المختلفة، مما جعل اختلاف القراءات أمراً محتملاً، منذ عهد الرسول، .

1. الأحرف السّبعة
يقول عمر بن الخطاب، سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ، ، أَقْرَأَنِيهَا؛ وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ، ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ لِي أَرْسِلْهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأْ فَقَرَأَ قَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ فَقَرَأْتُ فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ .

وروى الترمذي عن أُبي بن كعب قال: قَالَ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ جِبْرِيلَ فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ مِنْهُمْ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلاَمُ وَالْجَارِيَةُ وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ .

فنزول القرآن على سبعة أحرف، تواترت به الأحاديث، غير أن الاختلاف انصب على دلالة الحرف. فالعرب تسمّي الكلمة المنظومة " حرفاً "، وتسمى القصيدة بأسرها كلمة، والحرف يقع على المقطوع من الحروف المعجمة.

وقد أشكل على كثير من العلماء دلالة الحروف السبعة، وتعددت فيها الآراء. فمن ذلك على سبيل التمثيل:

ـ
أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة، مثل: أقبل وتعال وهلّم، واذهب وأسرع وعجّل.

ـ
إنها سبع لغات في القرآن على لغات العرب، ولا يعني ذلك أن يكون في الحرف الواحد سبع لغات، ولكن هذه السبع متفرقة في القرآن.

ـ
إن المراد بالأحرف السبعة وجوه الاختلاف في القراءة، من حيث الحركات وتبادل الحروف، والزيادة والنقصان.

ـ
إن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع المشهورة.


ويتضح من ذلك، أن الحرف لا يعني حرف الهجاء، ولا حرف المعنى، الذي يُعد قسيماً للاسم والفعل. كما لا يراد به القراءة، وإنما يشير استقراء الواقع إلى أنّ المراد به اللغة واللهجة، وكل حرف يتضمن كماً هائلاً من اللغات واللهجات، تسهيلاً لقارئي القرآن.

فالقراءات السبع أو العشر أو الأربع عشرة، لم تخرج عن إطار حرف واحد، هو الذي جمع عليه عثمان، المصحف، الذي تم توزيعه على الأمصار.

ولقد جاء في البرهان: " رأوا أن ضرورة اختلاف لغات العرب ومشقة نطقهم بغير لغتهم، اقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر، فأُذن لكل منهم أن يقرأ على حرفه، أي على طريقته في اللغة؛ إلى أن انضبط الأمر في آخر العهد، وتدربت الألسن، وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة؛ فعارض جبريل النبي، القرآن مرتين في السنة الآخرة، واستقرّ على ما هو عليه الآن، فنسخ الله سبحانه تلك القراءة المأذون فيها، بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة، التي تلقاها الناس. ويشهد لهذا الحديث، الذي أشار إلى مراعاة التخفيف على العجوز والشيخ والكبير ".

ويقول الإمام الذهبي، في طبقات القراءة: " المشتهرون بإقراء القرآن من الصحابة، سبعة: عثمان، وعلي، وأبي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري. وقال: وقد قرأ على أُبي جماعة من الصحابة منهم: أبو هريرة، وابن عباس، وعبدالله بن السائب، وأخذ ابن عباس عن زيد أيضاً، وأخذ عنهم خلق من التابعين، فمنهم من كان بالمدينة أو بمكة أو بالكوفة، أو بالبصرة أو بالشام ".

ثم تجرّد قوم منهم واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية، واتضح مدلول القراءة عندهم، فأجملوه في:

أ.
اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع، مثل: وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ( سورة البقرة، الآية 81 )، قرئت بالإفراد ( خطيئته )، وقرئت بالجمع ( خطيئاته ). ومنه قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ ( سورة المائدة، الآية 107 )، قرئ ( الأوليان ) مثنى أوْلى، وقرئ ( الأوّلين ) جمع أول .

ب.
اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر، مثل: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ( سورة البقرة، الآية 158 )، قرئ ( تطوّع ) بالماضي، وقرئ (يطوّع) بالمضارع ، ومنه قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ ( سورة الزخرف، الآية 24 )، قرئ ( قال ) بالماضي، وقرئ ( قل ْ) بالأمر.

ج.
اختلاف وجوه الإعراب، مثل: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ( سورة النساء، الآية 40 )، قرئ ( حسنةٌ ) بالرفع، وقرئ ( حسنة ً) بالنصب .

د.
الاختلاف بالإثبات والحذف مثل: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( سورة الحديد، الآية 24 )، قرئ بحذف ( هو )، وقرئ بإثباتها .

هـ.
الاختلاف بالتقديم والتأخير، مثل: وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ( سورة آل عمران، الآية 195 )، قرئ بتقديم ( قاتَلوا )، على ( قتلِوا ) وقرىء بتقديم ( قُتِلوا ) على قاتلوا ).

و.
الاختلاف بالإبدال أي يجعل حرف مكان حرف، مثل: فَتَبَيَّنُوا ( سورة النساء، الآية 94؛ سورة الحجرات، الآية 6 )، قرىء ( بجعل الثاء مكان الباء، والباء مكان الياء، والتاء مكان النون ( فتثبتوا ).

ز.
الاختلاف في اللهجات، مثل: الفتح والإمالة والإدغام والإظهار، وإبدال الهمزة وتخفيفها، ونقل حركة الهمزة أو إبقائها، إلى غير ذلك: وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ( سورة يوسف، الآية 13 )، قرئ ( الذئب ) بالهمزة وقرئ ( الذيب ) بتخفيفها .


فهذه الأوجه كانت اختيار أولئك، الذين اهتموا بالقراءات القرآنية "فإن كل واحد اختار، فيما روى وعلم وجهاً من القراءة، هو الأحسن عنده والأوْلى، ولزم طريقة منها، رواها وقرأ بها، واشتهرت عنه، ونسبت إليه؛ فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير. ولم يمنع واحد منهم حرف الآخر ولا أنكره، بل سوّغه، وحسّنه" .

فأتقن كل واحد منهم قراءة أو أكثر، فصاروا أئمة يقتدى بهم، ويُرحل إليهم.

2. التأليف في القراءات
عندما تعدد القراء، وتباينت قراءاتهم، وكاد الحق يلتبس بالباطل، انبرى للأمر صفوة من العلماء، وجدّوا في الاجتهاد. فصنّفوا الحروف والقراءات، ونسبوا الوجوه، وعزوا الروايات وأبانوا الصحيح، والمشهور، والشاذ، بأصول تواضعوا على تأصيلها، وأركان أفاضوا في تفصيلها.

فأول من تطرق للتأليف في القراءات، أبو عبيد القاسم بن سلاّم، ثم أحمد بن جبير الكوفي، ثم إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون، ثم أبو جعفر بن جرير الطبري، ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الدّجوني، ثم أبو بكر مجاهد. ثم بدأ العلماء التأليف في أنواع القراءات، وأئمتها.

3. القُرّاء السّبعة
قسّم العلماء القراءات إلى ثلاثة أقسام، حسب درجة القراءة: متواترة، وآحادية، وشاذة.

فالقراءة المتواترة هي، التي نقلها عن النبي جمعٌ يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب لمثلهم ، وهي القراءات السبع المشهورة، المنسوبة إلى واحد من الأئمة القراء السبعة، ومن روى عنهم. والسبعة هم: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة الكوفي، والكسائي. وروى عن كل واحد منهم رواة .

أ. نسبة القراءات للقُرّاء

القرآن متواتر في جميع القراءات المتواترة، وإنما نسبت القراءة إلى قارئ محدد من المشهورين، لأنه تفرغ لتعليم الناس هذه القراءة، فنسبت إليه.

ب. مصطلحات خاصة بالقراءة

قراءة: وهي ما ينسب إلى الأئمة، فتقول قراءة نافع وهكذا.

رواية: وهي ما ينسب إلى الرواة، فتقول رواية قالون، ورواية البزي وهكذا..

طريق: وهي ما ينسب إلى راوي الراوي، فتقول طريق أبي نشيط، وطريق الأزرق، وهكذا..

وليس بهذه الطرق من مدلّس محتال يُخشى من تدليسه، بل كلهم ثقات.

تجويد القرآن
التجويد في اللغة: التحسين، وفي الاصطلاح تلاوة القرآن الكريم، بإعطاء كل حرف حقّه من التحقيق. ويؤخذ علم التجويد بالتلقي من أفواه العلماء العارفين بطرق القراءة. وهو يُتعلّم لصون اللّسان عن الخطأ في كتاب الله تعالى، ونيل الأجر والثواب. وهو واجب على كل مسلم ومسلمة، بأمر الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً ( سورة المزمل، الآية 4 )، كما أبان الله تعالى فضل من يتلو القرآن: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ( سورة فاطر، الآيتان 29 و30 ).

فالتجويد في القرآن، يعني حُسن أداء قراءة القرآن: فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا ، وعن البراء أيضاً أنّ النَّبِيِّ قَالَ: زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ .

وقد أصبح التجويد عِلْماً، له أحكام متعددة يتعين على القارئ تعلمها، وهذه الأحكام تتعلق بالنون الساكنة، والميم الساكنة، والتنوين، والنون والميم المشدّدتين، والمد، واللام الشمسية واللام القمرية، والوقوف، والابتداء، وغير ذلك .

1. مراتب تلاوة القرآن
لتلاوة القرآن ثلاث مراتب: الترتيل، والتدوير، والحدر.

الترتيل: وهو القراءة بتمهل وتفهم من غير عجلة، وهو المرتبة التي نزل بها القرآن: وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً ( سورة المزمل، الآية 4 ).

الحدر: وهو إدراج القراءة وسرعتها، مع مراعاة أحكام التجويد من مدّ، وتشديد، وقطع، ووصل.

التدوير: وهي مرتبة متوسطة، بين الترتيل والحدر.

2. فضل تلاوة القرآن وسماعه
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ مَسْأَلَتِي وَذِكْرِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ ثَوَابِ السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ .

وعن فضل تلاوة القرآن، أورد عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَولَ رَسُولِ اللَّهِ، مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ .

وقد روى الدارمي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَا جَالَسَ الْقُرْآنَ أَحَدٌ فَقَامَ عَنْهُ إِلاَّ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ثُمَّ قَرَأَ: وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا .

وقد ورد في فضل سماع القرآن، قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( سورة الأعراف، الآية 204 )، وعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: إِنَّ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَهُ أَجْرٌ وَإِنَّ الَّذِي يَسْتَمِعُ لَهُ أَجْرَانِ .

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 21:31

خيارات المساهمة


3. سجود التلاوة
يتصل بسماع القرآن وتلاوته، أحكام خاصة، منها حكم " سجود التلاوة ". فإذا قرأ المسلم آية فيها سجدة سُنّ له السجود سجدة واحدة، وكذلك إذا كان مستمعاً إلى قارئ، فقرأ أية فيها سجدة، وسجد القارئ، سُنّ للمُستمع أن يسجد، وان يُكبر عند الخفض والرفع. ويقول في سجوده، كما كان يقول النبي، فيما روى الإمام عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ: كَانَ إِذَا سَجَدَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ أَنْتَ رَبِّي سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي شَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ .

وحكم سجود التلاوة سُّنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ .

4. فضل بعض آيات القرآن
وعن فضل بعض آيات القرآن الكريم، ورد عن النبي قوله: مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ شَيْطَانٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى يُصْبِحَ، أَرْبَعًا مِنْ أَوَّلِهَا، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآيَتَانِ بَعْدَهَا وَثَلاَثٌ خَوَاتِيمُهَا أَوَّلُهَا لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ .

وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ .

وعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ . كما قال في فضل سورة البقرة: إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ لُبَابًا وَإِنَّ لُبَابَ الْقُرْآنِ الْمُفَصَّلُ .

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ .

وعن فضل سورة يس، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا وَإِنَّ قَلْبَ الْقُرْآنِ يس مَنْ قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ .

كما روى أنه، قال: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، قَالُوا نَحْنُ أَعْجَزُ وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .

وعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ: مَشَيْتُ مَعَ النَّبِيِّ، فَقَالَ لِي قُلْ يَا عُقْبَةُ، فَقُلْتُ أَيَّ شَيْءٍ أَقُولُ، قَالَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قَالَ يَا عُقْبَةُ قُلْ فَقُلْتُ أَيَّ شَيْءٍ أَقُولُ، قَالَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فَقَرَأْتُهَا حَتَّى جِئْتُ عَلَى آخِرِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، عِنْدَ ذَلِكَ مَا سَأَلَ سَائِلٌ وَلاَ اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهَا .

علم التفسير
نزل القرآن الكريم على الرسول، بلسان عربي مبين، فكان يبيّن أحكامه، فيفصل مجمله، ويقيد مطلقه، ويخصص عامه، ويوضح ناسخه ومنسوخه، ذلك لأن السُّنة هي المبينة الشّارحة لكتاب الله عزّ وجل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( سورة النحل، الآية 44 ).

فتفسير القرآن الكريم كان مصاحباً لنزوله، وقد بيّن الرسول القرآن، وفسّره لأصحابه في حياته. ثم تولى علماء الصحابة ـ من بعده ـ بيانه للتابعين. وقد اشتهر من الصحابة في التفسير: عبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأُبي بن كعب، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. وتخرّج في حلقات الصحابة كبار التابعين، الذين اشتهروا في التفسير أيضاً، مثل: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة بن دعامة السدوسي، وغيرهم رحمهم الله .

وتتالى العلماء من بعدهم في مختلف العصور، يكملون ما بدأ به السابقون، ويستوعبون ما فاتهم على مناهج مختلفة في التفسير، كلها تبتغي بيان القرآن الكريم، والوقوف على أسراره. وقد وصلت إلينا ثروة علمية عظيمة في هذا الميدان، سوى ما فُقد من مؤلفات الأقدمين.

1. نشأة علم التفسير
اعتمد الصحابة، رضوان الله عليهم، في تفسير القرآن الكريم وبيانه، على ما روي عن الرسول، . وقد اجتهد بعضهم في تفسير ما لم يرد فيه عن الرسول تفسير أو بيان.

وفي عصر التابعين، نقل التابعون ما روي عن الرسول وعن الصحابة في التفسير، كما اجتهد بعضهم في بيان ما لم يرد فيه شيء عن الرسول أو أصحابه. وهكذا فعل اتباع التابعين، ومن تبعهم حتى عَظُمَ شأن التفسير.

وكان رجال الحديث هم المرجع في هذا؛ لأنهم حفظوا بالأسانيد ما روي عن الرسول، وعن أصحابه والتابعين. لذلك، خصصت كُتب الحديث، أبواباً خاصة بالتفسير.

ثم استقل علم التفسير استقلالاً تاماً عن كتب الحديث، واشتهر فيه رجاله، وفرسانه. وعُرفت مناهجهم، ومدارس تفاسيرهم.

2. الحاجة إلى التفسير
إن العمل بتعاليم القرآن لا يكون إلاّ بعد فهم القرآن، والإلمام بمبادئه عن طريق تلك القوة الهائلة، التي يحملها أسلوبه البارع المعجز. وهذا لا يتحقق إلاّ عن طريق الكشف والبيان، لما تدل عليه ألفاظ القرآن ومعانيه ، وأسباب نزول السور والآيات، وهو ما يُسمى " علم التفسير ".

فالتفسير مفتاح هذه الكنوز والذخائر، التي احتواها الكتاب المجيد. ومن دون التفسير لا يمكن الوصول إلى هذه الكنوز والذخائر، مهما بالغ الناس في ترديد ألفاظ القرآن، وتوافروا على قراءته كل يوم مئات المرات، بجميع وجوهه التي نزل بها.

وسبب ذلك أن التفسير أساسي، لعمليتي التأمل والتدبر اللازمتين لفهم القرآن ومعرفة حِكمه وأسراره. فالله تعالى يقول: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ( سورة ص، الآية 29 )، ويقول سبحانه: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( سورة محمد، الآية 24 )، ويقول جل ذكره: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ( سورة القمر، الآية 17 ).

3. معنى التفسير والتأويل
أ. التفسير في اللغة

التفسير والفسر: الإبانة وكشف المُغطّى، وفي لسان العرب: الفسر كشف المغطى. والتفسير كشف المراد عن اللفظ المُشْكِل. وفي القرآن وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ( سورة الفرقان، الآية 33 ). أي بياناً وتفصيلاً.

ب. التفسير في الاصطلاح

" علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها، التي تُحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك.

وقال الزركشي: التفسير علم يُفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه .

والتأويل في اللغة: مأخوذ من الأَوَل، وهو الرجوع إلى الأصل، يقال: آل إليه أَوْلاً ومآلا: رجع ويقال: أوّل الكلام تأويلاً وتأوله: دبره وقدره وفسره. وعلى هذا: فتأويل الكلام في الاصطلاح له معنيان:

(1) تأويل تأويل الكلام

بمعنى ما أوله إليه المتكلم، أو ما يؤول إليه الكلام ويرجع، والكلام إنما يرجع ويعود إلى حقيقته، التي هي عين المقصود. وهو نوعان: إنشاء وإخبار، ومن الإنشاء الأمر.

(أ) فتأويل الأمر

هو الفعل المأمور به، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآن . ( تعني قوله تعالى فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا سورة النصر، الآية 3 ).

(ب) تأويل الإخبار

هو عين الأمر المُخْبَر به إذا وقع. كقوله تعالى: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( سورة الأعراف، الآيتان 52 و53 ). فقد أخبر سبحانه، أنه فصّل الكتاب، وأنهم لا ينتظرون إلاّ تأويله، أي مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه، من القيامة وأشراطها، وما في الآخرة في الصحف والموازين، والجنة والنار، وغير ذلك. فحينئذ يقولون: " لقد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل "؟ .

(2) تأويل الكلام

أي تفسيره وبيان معناه، وهو ما يعنيه ابن جرير الطبري في تفسيره، عندما يقول: " القول في تأويل قوله تعالى كذا كذا " وبقوله: " اختلف أَهل التأويل في هذه الآية " فإن مراده اختلافهم في التفسير.

ج. الفرق بين التفسير والتأويل

اختلف العلماء في الفرق بين التفسير والتأويل. وفي ضوء ما سبق من معاني التفسير والتأويل، نستخلص أهم الآراء فيما يأتي:

( 1 )
إذا افتُرض أن التأويل هو تفسير الكلام وبيان معناه، يكون التأويل والتفسير على هذا متقاربين أو مترادفين، فمن ذلك دعوة رَسُولَ اللَّهِ لابن عباس: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ.

( 2 )
إذا افتُرض أن التأويل هو المراد نفسه بالكلام، فعلى هذا يكون الفرق كبيراً بين التفسير والتأويل، لأن التفسير شرح وإيضاح للكلام، ويكون وجوده في الذهن بفهمه، وفي اللسان بالعبارة الدّالة عليه. أمّا التأويل فهو الأمور الموجودة في الخارج نفسها، فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا هو نفس طلوعها، وهذا هو الغالب في لغة القرآن، يقول تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ( سورة يونس، الآيتان 38 و39 )، فالمراد بالتأويل وقوع الشيء المُخْبَر به.

( 3 )
وقد قيل: التفسير ما جاء في كتاب الله، أو صحيح السُّنة، مبيناً لآيات في القرآن الكريم؛ والتأويل ما استنبطه العلماء، ولذا قال بعضهم: " التفسير ما يتعلق بالرواية، والتأويل ما يتعلق بالدراية ".

( 4 )
كما قيل: إن التفسير أكثر ما يستعمل في الألفاظ ومفرداتها، والتأويل أكثر ما يستعمل في المعاني والجمل، وقيل غير ذلك.


4. أقسام التفسير
قسّم العلماء التفسير إلى عدة أقسام: تفسير بالرواية، ويسمى التفسير بالمأثور أو المنقول، وتفسير بالدِّراية، ويسمى التفسير بالرأي أو المعقول. والتفسير الفقهي.

أ. التفسير بالمأثور

المقصود بالتفسير بالمأثور، هو كل ما ثبت بالنقل من بيان لآيات الله تعالى، بآيات من القرآن الكريم، وهو تفسير القرآن بالقرآن. أو ما ورد عن الرسول، من تفسير لآيات القرآن الكريم. ويلحق بهذا ما روي عن الصحابة، والتابعين، من بيان وإيضاح للقرآن الكريم.

(1) تفسير القرآن بالقرآن

منه قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ( سورة البقرة، الآية 187 )، فإن كلمة ( من الفجر )، بيان وشرح للمراد من كلمة ( الخيط الأبيض )، التي قبلها. وكذلك قوله تعالى: قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( سورة الأعراف، الآية 23 )، فإنها بيان للفظ ( كلمات )، من قوله تعالى: فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ( سورة البقرة، الآية 37 )، على بعض وجوه التفاسير. ومنه قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ( سورة المائدة، الآية 3 )، فإنها بيان للفظ ( ما يتلى عليكم )، من قوله سبحانه: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ( سورة المائدة، الآية 1 )، ومنه قوله تعالى: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَءَاتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَءَامَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لاَّكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ( سورة المائدة، الآية 12 )، فإنها بيان للعهدين في قوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ( سورة البقرة، الآية 40 )، الأول للأول، والثاني للثاني. ومنه قوله تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ ( سورة الطارق، الآيتان 2 و 3)، فإن كلمة ( النجم الثاقب ) بيان لكلمة ( الطارق ) التي قبلها.

وهذا القدر الوارد من تفسير القرآن بالقرآن، على سبيل التمثيل لا الحصر.

(2) تفسير القرآن بالسُّنة

ومما جاء في السنة شرحاً للقرآن، أنه، فَسّر الظلم بالشرك في قوله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ( سورة الأنعام، الآية 82 )، وأيّد تفسيره هذا بقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( سورة لقمان، الآية 13 ).

ومن أمثلة تفسير القرآن بالسنة، ما روي أَنَّ عَائِشَةَ، أم المؤمنين أنها كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ، إِلاَّ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ؛ فعندما سمعت النَّبِيَّ يقول مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قَالَتْ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ ، فقوله " ذلك العرْض " تفسيراً لقوله تعالى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ( سورة الانشقاق، الآية 8 ).

وكذلك فسّر الرسول، القوة، في قوله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ( سورة الأنفال، الآية 60 )، بأنها الرمي.

(3) تفسير الصحابة والتابعين

يرى العلماء أن تفسير الصحابي، الذي شهد الوحي والتنزيل، له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بما كان في بيّن النزول ونحوه مما لا مجال للرأي فيه.

أمّا ما يُنقل عن التابعين ففيه خلاف، فمنهم من اعتبره من المأثور، لأنهم تلقوه عن الصحابة غالباً، ومنهم من قال إنه تفسير بالرأي.

ب. التفسير بالرأي

هو تفسير القرآن الكريم في ضوء معرفة المُفسِّر للقرآن الكريم والسنة المُطهرة، مجتهداً، فيما لم يرد فيه تفسير، بالاستعانة بمناحي أقوال العرب وألفاظ العربية، ووجوه دلالتها، واستعمال العرب لها في مختلف تلك الوجوه، في أشعارهم وخطبهم.

ج. التفسير الفقهي

هو التفسير الذي يُعنى، بإبراز الجوانب الفقهية في آيات الأحكام، فجاءت المؤلفات فيه مركَزة على هذا الجانب.

وقد بذل العلماء على مدى القرون الماضية، جهوداً مقدّرة في تفسير القرآن الكريم. وكان من نتائج ذلك أن المكتبة القرآنية في علم التفسير، اتسع مداها؛ فشملت طائفة من المؤلفات في " التفسير بالمأثور "، و" التفسير بالرأي "، و" التفسير الفقهي "، فضلاً عن مؤلفات التفسير في الدراسات القرآنية .

الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم
النسخ لغة يُطلق بمعنى الإزالة، ومنه يقال: نسخت الشمس الظل: أي أزالته. ونسخت الرّيح أثر المشي؛ ويطلق بمعنى نقل الشيء من موضع إلى موضع، ومنه نسخت الكتاب: إذا نقلت ما فيه. وفي القرآن إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( سورة الجاثية، الآية 29 ). والمراد به نقل الأعمال إلى الصحف.

والنّسخ في الاصطلاح: رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي.

ويطلق الناسخ على الله تعالى، كقوله: مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( سورة البقرة، الآية 106 ). وعلى الآية وما يُعرف به النسخ، فيقال: هذه الآية ناسخة لآية كذا، وعلى الحكم الناسخ لحكم آخر.

والمنسوخ هو الحكم المرتفع، فآية المواريث مثلاً أو ما فيها من حكم، ناسخ لحكم الوصية للوالدين والأقربين.

ويشترط في النسخ:

أن يكون الحكم المنسوخ شرعياً.
أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم، خطاباً شرعياً متراخياً ( متأخراً ) عن الخطاب المنسوخ حكمه.
أن يكون الخطاب المرفوع حكمه غير مقيدٍ بوقت معين، وإلاّ فالحكم ينتهي بانتهاء وقته ولا يعد هذا نسخاً.
1. ما يقع فيه النسخ
يقع النسخ فقط في الأوامر والنواهي، سواء كانت صريحة في الطلب، أو كانت بلفظ الخبر، الذي بمعنى الأمر أو النهي. ويشترط ألاّ يكون ذلك متعلقاً بالاعتقادات، التي ترجع إلى ذات الله تعالى وصفاته وكتبه ورسله واليوم الآخر، أو الآداب الخلقية، أو أصول العبادات والمعاملات، لأن الشرائع كلها لا تخلو عن هذه الأصول، وهي متفقة فيها، قال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ( سورة الشورى، الآية 13 ). كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ( سورة البقرة، الآية 183 )، وقال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً ( سورة الحج، الآية 27 )، وقال في القصاص: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ( سورة المائدة، الآية 45 )، وقال في الجهاد: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ( سورة آل عمران، الآية 146 )، وفي الأخلاق: وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا ( سورة لقمان، الآية 18 ).

كما لا يدخل النسخ الخبر الصريح، الذي ليس بمعنى الطلب، كالوعد والوعيد.

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 21:32

خيارات المساهمة


2. طُرق معرفة الناسخ والمنسوخ
لمعرفة الناسخ والمنسوخ أهمية كبيرة عند أهل العلم، من الفقهاء والأصوليين والمفسرين، حتى لا تختلط الأحكام. لذلك، وردت آثار كثيرة في الحث على معرفته. فقد روى أن علياً، مرّ على قاض فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، فقال: هلكت وأهلكت ، وعن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ( سورة البقرة، الآية 269 ). قال: " ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره، وحرامه وحلاله ".

ومن طرق معرفة النّاسخ من المنّسوخ

أ.
النقل الصريح عن النبي، أو عن صحابي، فعَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً . وكذلك قول أنس بن مالك في قصة أصحاب بئر معونة: " ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رُفع ".

ب.
إجماع الأمة على أن هذا ناسخ وهذا منسوخ.

ج.
معرفة المتقدم من المتأخر في التاريخ.


ولا يعتمد في النسخ على الاجتهاد، أو قول المفسرين، أو التعارض بين الأدلة ظاهراً، أو تأخر إسلام أحد الراويين.

3. أنواع النسخ في القرآن
النسخ في القرآن ثلاثة أنواع:

النوع الأول: نسخ التلاوة والحكم معاً

ومثاله ما أورده مسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ .

والأظهر أن تلاوة الآية، التي ورد فيها " عشر رضعات " نُسخت، ولم يبلغ ذلك كل الناس إلاّ بعد وفاة رسول الله، . فتوفي الرسول، وظل بعض الناس يقرءون بها.

وقد أنكر بعض العلماء، هذا النوع من النسخ، لأن الأخبار فيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد، لا حجة فيها تفيد القطع، ولكنها ظنية.

وأجاب العلماء المؤيدون لهذا النوع من النسخ، بأن ثبوته شيء، وثبوت نزول القرآن شيء آخر. فثبوت النسخ يكفي فيه الدليل الظني بخبر الآحاد، أمّا ثبوت نزول القرآن، فهو الذي يشترط فيه الدليل القطعي بالخبر المتواتر، والذي ننكره هو ثبوت النسخ لا ثبوت القرآن، فيكفي في ثبوت النسخ أخبار الآحاد. ولو قيل إن هذه القراءة لم تثبت بالتواتر، لصح ذلك.

النوع الثاني: نسخ الحكم وبقاء التلاوة

ومثاله نسخ حكم آية العدة بالحول، مع بقاء تلاوتها. وهذا النوع هو الذي أُلفت فيه الكتب، وذكر المؤلفون فيه الآيات المتعددة.

وقد يُقال ما الحكمة في رفع الحكم، وبقاء التلاوة؟

والجواب من وجهين: أحدهما أن القرآن كما يُتلى، ليُعْرف الحكم منه، والعمل به، فإنه يُتعبد بتلاوته، فيثاب قارئه على التلاوة. لذلك بقيت التلاوة لهذه الحكمة.

وثانيهما: أن النسخ غالباً يكون للتخفيف، فأُبقيت التلاوة تذكيراً بالنعمة في رفع المشقة.

وأمّا حكمة النسخ قبل العمل، كالصدقة عند النجوى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( سورة المجادلة، الآية 12 )، فيثاب المؤمن على الإيمان بالحكم، وعلى نية طاعة الأمر.

النوع الثالث: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم

ذكر العلماء لهذا النوع أمثله كثيرة، منها آية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ". ومنه ما روي في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة الذين قُتلوا، وقنت الرسول يدعو على قاتليهم، قال أنس: ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع " أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا "، ثم نسخت تلاوته. وبعض أهل العلم ينكر هذا النوع من النسخ، لأن الأخبار فيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد. قالوا في هذا " إنما يُرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله، أو عن صحابي يقول: آية كذا نَسخت كذا، وقالوا: يُحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر؛ وعندهم لا يعتمد في النسخ على قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صريح، ولا معارضة بينه، لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرر في عهده، والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد. والعلماء في هذا بين طرفي نقيض، فمنهم من لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول، ومنهم متساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد.

وقد يقال: إن الآية والحكم المستفاد منها متلازمان، لأن الآية دليل على الحكم. فإذا نُسخت الآية نُسخ حكمها، وإلاّ وقع الناس في لبس.

ويجاب عن ذلك بأن هذا التلازم يكون صحيحاً، لو لم يُقِمْ الشارع دليلاً على نسخ التلاوة، وعلى إبقاء الحكم، أمّا وقد أمام الدليل على نسخ التلاوة وحدها، وعلى إبقاء الحكم واستمراره، فإن التلازم يكون باطلاً، وينتفي اللبس بهذا الدليل الشرعي، الذي يدل على نسخ التلاوة مع بقاء الحكم .

4. حكمة النسخ
لم يكن النسخ عملاً دون اعتبار، بل هو جار على نسق وحكمة قدّرها الله تعالى، في ضوء الآتي:

أ.
مراعاة مصالح العباد.

ب.
تطور التشريع إلى مرتبة الكمال، حسب تطور الدعوة وتطور حال الناس.

ج.
ابتلاء المكلف واختباره بالامتثال أو عدمه.

د.
إرادة الخير للأمة والتيسير عليها، لأن النسخ إن كان إلى أشق ففيه زيادة الثواب، وإن كان إلى أخف ففيه سهولة ويسر.


يكون النسخ إمّا إلى بدل وإلى غير بدل؛ فإن كان إلى بدل، فهو إمّا بدل أخف، أو بدل مماثل، أو بدل أثقل.

أ. النسخ إلى غير بدل

مثاله: نسخ تقديم الصدقة بين يدي نجوى رسول الله، في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ( سورة المجادلة، الآية 12 )، نسخت بقوله ءَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( سورة المجادلة، الآية 13 ).

وقد أنكرت بعض الفرق الكلامية النسخ بغير بدل، وقالوا إِنه لا يجوز شرعاً، لأن الله تعالى يقول: مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ( سورة البقرة، الآية 106 )، إذ أفادت الآية أنه لا بد أن يؤتى مكان الحكم المنسوخ، بحكم آخر خير منه أو مثله.

وأجاب العلماء عن ذلك بأن الله تعالى، إذا نسخ حكم الآية بغير بدل، فإن هذا يكون بمقتضى حكمته، رعاية لمصلحة عباده، فيكون عدم الحكم خيراً من ذلك الحكم المنسوخ، في نفعه للناس. ويصح حينئذ أن يُقال: إن الله نسخ حكم الآية السابقة، بما هو خير منها حيث كان عدم الحكم خيراً للناس.

ب. النسخ إلى بدل أخف

ومثاله قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ( سورة البقرة، الآية 187 )، فهي ناسخة لقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( سورة البقرة، الآية 183 )، لأن مقتضاها الموافقة لِما كان عليه السابقون، من تحريم الأكل والشرب والوطء إذا صلوا العتمة أو ناموا إلى الليلة التالية. فقد روى ابن عمر قال: أنزلت كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( سورة البقرة، الآية 183 )، فكتب عليهم إذا صلى أحدهم العتمة أو نام، حَرُمَ عليه الطعام والشرب والنساء إلى مثلها، وروى مثله أحمد والحاكم وغيرهما، فأنزل الله، عز وجل، في ذلك: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ( سورة البقرة، الآية 187 ).

ثم نُسخ هذا الحكم، وخفف الله عن المؤمنين، بقوله: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالاَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ ءَايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( سورة البقرة، الآية 187 ).

ج. النسخ إلى بدل مماثل

ومثاله نسخ حكم التوجه إلى بيت المقدس في الصلاة بالتوجه إلى الكعبة، في قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( سورة البقرة، الآية 144 ).

د. النسخ إلى بدل أثقل

ومثاله نسخ حكم الحبس في البيوت، في قوله تعالى: وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ( سورة النساء، الآية 15 )، بالجلد في قوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( سورة النور، الآية 2 ).

ترجمة القرآن الكريم
اختلف العلماء في ترجمة القرآن الكريم، فمنهم مانعون لها، ومنهم مجيزون لها بشروط.

1. أدلة المانعين للترجمة
أ.
إن إعجاز القرآن يكمُن في نُظمه المستمدة من أسلوبه وبيانه وبلاغته، وكل ذلك لا يمكن أن يُترجم. وإن فيه ألفاظاً لا مقابل لها في اللغات الأخرى، وذلك يدفع المترجم إلى أن التعبير عن معانيها بلكمات تُحدث شيئاً من التغيير، فإذا نُقلت هذه الترجمة إلى لغة أخرى، فقد يحدث فيها تغيير آخر، وهكذا، فينفتح على القرآن باب التحريف.

ب.
إن للنُظم القرآني في اللغة العربية، من الروعة والطلاوة واللذة والتأثير في النفوس، ما لا يمكن أن يوجد في التراجم، ومن ثم فالاعتماد على التراجم يحرم من يقرأها من ذلك كله، كما يَحْرِمه من الينبوع الصافي للمعارف الإلهية.

ج.
إن ترجمة القرآن ترجمة حرفية غير ميسورة. فيضطر المترجم إلى نقل المعاني، التي يفهمها أو يفهمها غيره من العلماء، وهذا لا يكون النص المُترجم "قرآناً"، ولا يمكن أن يسمى نصاً شرعياً تُستخرج منه الأحكام.


2. أدلة المجيزين للترجمة بشروط
أ.
أجاز بعض العلماء، ترجمة "معاني القرآن" ، لأن المسلمين أجمعوا على جواز تفسير القرآن باللفظ العربي، على أن يأخذ الفقيه الأحكام بناء على ما يفهمه من النظم العربي، باعتبار أن ما فهمه هو معنى كلام الله. فكما صح هذا، يصح كذلك، أن يُنقل هذا المعنى إلى اللغة الأخرى، على أنه المعنى المفهوم للناقل والمترجم. والمحذور هو أن يفهم غير العربي، الذي تنقل له الترجمة، أن هذا المعنى هو مراد الله تعالى قطعاً.

ب.
في القرآن الكريم وجوه إعجاز ـ خلاف اللغة والنظم ـ وألوان من معاني حِكَمِ الله وأسراره الباهرة، وما سرد من قصص، وما أخبر عنه من غيب، ولا يصح أن تبقى هذه المعاني محجوبة عن الناس، بسبب الخوف من الترجمة .

ج.
لا توجد خطورة من ترجمة المعاني، لأن الناس متى علموا، علماً لا لبس فيه، أن الترجمة ليست قرآناً، وليس لها خصائص القرآن، وأنها لا تحمل الإعجاز الموجود في النظم العربي، بل ولا تحمل معاني النظم العربي جميعها، وإنما تحمل المعاني التي فهمها المفسرون، وجد الناس الأمن والطمأنينة التامة، إلى أن التراجم لا تأخذ قُدسية القرآن في نصه العربي، وأنه لا يمكن أن يخطر بالبال أن هذه التراجم هي القرآن المُنَزّل على الرسول الكريم، صلوات الله عليه وسلامه .


قال الحافظ بن حجر العسقلاني في شرحه للبخاري، إن الوحي كله، متلواً أو غير متلو، إنما نزل بلسان العرب، ولا يتناقض ذلك مع أنّ النبي، بُعث إلى الناس كافة، عرباً وعجماً، لأن اللسان، الذي نزل به الوحي ( على النبي ) عربي، وهو يُبلّغه إلى طوائف العرب، وهم يترجمون لغير العرب بألسنتهم .

د.
إنّ جمال معاني آيات القرآن لا يمكن أن يفارقها تماماً في اللغات الأخرى، فقد تضيع روعة الألفاظ وشدة تأثيرها البياني، ولكن تبقى روعة المعاني.

هـ.
الترجمة نوع من التفسير، ومن يمنعها يمنع التفسير، فلا حرج في الترجمة من قِبَلِ المترجمين المُخلصين، لا أهل الأهواء والأغراض، الذين تتوق نفوسهم لتحريف الكلم عن مواضعه .


3. أنواع الترجمة
أ. الترجمة الحرفية

وهي نقل ألفاظ من لغة إلى نظائرها من اللغة الأخرى، بحيث يكون النظم موافقاً للنظم، والترتيب موافقاً للترتيب.

حُكمها

لا توجد أدنى شبهة في حرمة الترجمة الحرفية؛ فالقرآن كلام الله المُنَزّل على رسوله، المعجز بألفاظه ومعانيه، المتعبد بتلاوته. ولا يقول أحد من الناس إن الكلمة من القرآن إذا تُرجمت يقال فيها إنها كلام الله، كما لن يتأتى الإعجاز بالترجمة، لأن الإعجاز خاص بما أُنزل باللغة العربية. فترجمة القرآن الحرفية على هذا، مهما كان المترجم على دراية باللغات وأساليبها وتراكبها، تُخْرِج القرآن عن أن يكون قرآناً .

ب. الترجمة المعنوية

وهي بيان معنى الكلام بلغة أخرى، من غير تقييد بترتيب كلمات الأصل، أو مراعاة لنظمه.

حكمها

للقرآن الكريم معان أصلية، وأخرى ثانوية. والمراد بالمعاني الأصلية، تلك التي يستوي في فهمها، كل من عرف مدلولات الألفاظ المفردة، ووجوه تراكيبها معرفة إجمالية.

والمراد بالمعاني الثانوية خواص النظم، التي يرتفع بها شأن الكلام، وبها كان القرآن مُعجزاً، وهي لطائف خاصة في المعاني. ومن ثم فترجمة معاني القرآن الثانوية أمر غير ميسور، إذ لا توجد لغة توافق اللغة العربية في دلالة ألفاظها، على هذه المعاني، المسماة عند علماء البيان " خواص التركيب ". ووجوه البلاغة القرآنية تكمُن في اللفظ والتركيب: تنكيراً وتعريفاً، أو تقديماً وتأخيراً، أو ذكراً وحذفاً، إلى غير ذلك مما تسامت به لغة القرآن، وكان له وقعه في النفوس. هذه الوجوه لا يفي بحقها لغة أخرى، لأن أي لغة لا تحمل تلك الخواص .

أمّا المعاني الأصلية، فيمكن نقلها إلى لغة أخرى، وإن كانت لا تخلو من ضرر. قد يكون للفظ الواحد في القرآن معنيان، أو معان تحتملها الآية؛ فيضع المترجم لفظاً يدل على معنى واحد، حين لا يجد لفظاً يشاكل اللفظ العربي في احتمال تلك المعاني المتعددة. ونذكر مثالاً واحداً على هذا، في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ( سورة المائدة، الآية 48 ). فكيف تُترجم كلمة " مهيمناً "، ولها عدة معان في العربية، منها : مؤتمناً، وشاهداً، وأميناً، وشهيداً، وحاكماً. واسم المهيمن يتضمن هذا كله، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قَبْله، إذ جعل الله هذا الكتاب آخر الكُتب، وخاتمها، وأشملها، وأعظمها، وأكملها، حيث جمع فيه محاسن ما قبله وزاده من الكمالات ما ليس في غيره .

كذلك، قد يستعمل القرآن اللفظ في معناه المجازي، فيأتي المُترجم بلفظ يرادف اللفظ العربي، في معناه الحقيقي. ولهذا ونحوه تقع أخطاء كثيرة فيما تُرجم لمعاني القرآن .

ج. الترجمة التفسيرية

وهي ترجمة تفسير القرآن، بمعنى شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى، بما يتفق مع نصوص الكتاب وصريح السُّنة، ليتم إبلاغ الأمم الأخرى. وهذا من واجبات الإسلام، لأن الله أرسل محمداً لجميع الخلق، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ( سورة سبأ، الآية 28 )، وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ( سورة الأعراف، الآية 158 ).

ولعل ما قرره علماء الأزهر الشريف، من جواز الترجمة التفسيرية، بشرط أن يوضع أولاً تفسير للكتاب الكريم باللغة العربية، ثم يترجم هذا التفسير إلى اللغات المختلفة، هو أوفق الآراء، وذلك في ضوء الشروط أدناه:

( 1 )
معرفة المترجم لأوضاع اللغتين، لغة الأصل ولغة الترجمة.

( 2 )
معرفة المترجم لأساليب اللغتين وخصائصهما.

( 3 )
وفاء الترجمة بجميع معاني الأصل ومقاصده، على وجه مطمئن.

( 4 )
أن تكون صيغة الترجمة مستقلة عن الأصل، بحيث يمكن أن يُستغنى بها عنه، وأن تحل محله كأنه لا أصل هناك ولا فرع.

( 5 )
أن تُعرض الترجمة، بعد ذلك، على لجنة مختارة من العلماء والفقهاء، لإدخال التعديلات المطلوبة، أو تلافي ما قد يوجد من مخالفات شرعية.


د. حكم الصلاة بقراءة قرآن مترجم

اختلف العلماء في صحة الصلاة بقراءة قرآن مترجم، وانقسموا فريقين:

قال الأول منهما: إن الصلاة لا تجوز، إلاّ بتلاوة القرآن باللسان العربي.

وقال الثاني برأي الأحناف، وهو جواز ذلك لمن لا يحسن العربية. وقالوا: إن القرآن معجز في النظم والمعاني، فإذا قدر المسلم عليها، فلا يتأدى الواجب إلاّ بهما، ولكن إذا عجز عن ذلك أتى بما قدر عليه، كمن عجز عن الركوع والسجود فله أن يصلى بالإيماء. واستدل أبو حنيفة بما روي أن الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي، رضي الله عنه، أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية، فكتب لهم "بسم الله الرحمن الرحيم: بنام يزوان يخشايند . فكانوا يقرأون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم .

ونَصُ كلام الأحناف: " إنما جوّزنا القراءة بترجمة القرآن للعاجز عن العربية، إذا لم يخل بالمعنى، لأنه قرآن من وجه باعتبار اشتماله على المعنى، فالإتيان به أولى من الترك مطلقاً، إذ التكليف بحسب الوسع " . ويُروى أن أَبا حنيفة رجع عن هذا القول .

والراجح ما ذهب إليه الجمهور من العلماء، قال الحافظ بن حجر العسقلاني: " إن كان القارئ قادراً على تلاوته باللسان العربي فلا يجوز له العدول عنه، ولا تجزي صلاته، ( أي بقراءة الترجمة ). وإن كان عاجزاً، فإنّ الشارع جعل للعاجز عن القراءة بالعربية بدلاً، وهو الذكر " . أي أن يقول غير القادر سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلاّ الله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " كان أئمة الدين على أنه لا يجوز أن يقرأ بغير العربية، لا مع القدرة عليها، ولا مع العجز عنها ". وقال: " وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدِّين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فَهْمَ الكتاب والسُّنة فرض، ولا يفهمان إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب "

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

القرآن الكريم  1384c10


الأوسمة
 :


القرآن الكريم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القرآن الكريم    القرآن الكريم  I_icon_minitime30/7/2010, 21:32

خيارات المساهمة


المصادر والمراجع

أولاً:

1. القرآن الكريم.

2. كتب السنة المعتمدة.

ثانيا: الكتب

أحمد حسن الباقوري، " مع القرآن "، المطبعة النموذجية، القاهرة، ط 1، 1970.
إسماعيل بن عمر بن كثير، عماد الدين أبو الفداء، " تفسير القرآن العظيم "، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1418هـ / 1997م.
بدران أبو العينين بدران، " دراسات حول القرآن "، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، ب. ت.
التيجاني إسماعيل الجزولي، " القرآن الكريم وترجمة معانيه "، مجلة التأصل، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السودان، العدد السابع، الخرطوم يناير 1999.
جلال الدين بن عبدالرحمن بن أبي بكر السّيوطي، " الإتقان في علوم القرآن "، أربعة مجلدات، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1974 ـ 1975.
جلال الدين بن عبدالرحمن بن أبي بكر السّيوطي، " لباب النقول في أسباب النزول "، دار المعرفة، بيروت، ط 2، 1998.
الحافظ بن حجر العسقلاني، " فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، ج 9، المطبعة السلفية، القاهرة، ط 1، 1984.
الحسين بن محمد بن المفضل، ( الراغب الأصفهاني )، " مفردات ألفاظ القرآن "، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، ط 1، 1412هـ / 1992م.
السيد الجميلي، " الإعجاز العلمي في القرآن "، دار الفكر العربي، بيروت، ط 1، 1990.
سيد قطب، " في ظلال القرآن "، دار الشروق، بيروت، ط 25، 1417هـ / 1996.
شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي الزرعي الدمشقي،ابن قيم الجوزية، " زاد المعاد في هدي خير العبا د "، ج1، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3، 1982.
صفي الرحمن المباركفوري، " الرحيق المختوم "، المكتبة العصرية، بيروت، 1998.
عبدالرحمن بن محمد بن نجلة ( أبو زرعة )، " حجة القراءات "، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 4، 1404هـ / 1984م.
عبدالرزاق نوفل، " الإعجاز العددي للقرآن الكريم "، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 5، 1407هـ / 1987م.
عبدالكريم الخطيب، " القرآن، نظمه وجمعه وترتيبه "، دار الفكر العربي، القاهرة، ط 1، 1972.
عثمان بن سعيد الداني ( أبو عمر )، " التيسير في القراءات السبع "، مكتبة المثنى، بغداد، إعادة طباعة بالأوفست عن طبعة ... إستانبول، 1930م.
علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، " أسباب النزول "، دراسة وتحقيق السيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 5، 1993.
علي بن محمد الشريف الجرجاني، " كتاب التعريفات "، مكتبة لبنان، بيروت، 1985.
محمد بركات حمدي أبو علي ، " في إعجاز القرآن الكريم " ، مؤسسة الخافقين ومكتبتها ، الأردن ، ط1 ، 1983.
محمد عبدالعظيم الزرقاني، " مناهل العرفان في علوم القرآن "، جزءان في مجلد واحد، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1416 / 1995م،.
محمد بن عبدالله الزركشي ( بدر الدين )، " البرهان في علوم القرآن "، أربعة مجلدات، مكتبة دار التراث، القاهرة، د. ت.
محمد كمال عبدالعزيز، " إعجاز القرآن في خلق الإنسان "، القاهرة، ط 1، 1990.
محمد مصطفى المراغي، " بحث في ترجمة القرآن وأحكامها "، دار الكتاب للملايين، بيروت، 1981.
مناع القطان، " مباحث في علوم القرآن "، مكتبة المعارف، الرياض، ط 8، 1988.
موريس بوكاي، " القرآن الكريم والتوراة والأنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة "، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط 1، 1996.
الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1416هـ / 1996م.
يوسف مروة، " العلوم الطبيعية في القرآن "، بيروت، ط 1، 1986.

الموضوع الأصلي : القرآن الكريم الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
 

القرآن الكريم

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

 مواضيع مماثلة

+
صفحة 1 من اصل 1

.:: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ::.


      هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة     
odessarab الكلمات الدلالية
odessarab رابط الموضوع
AlexaLaw bbcode BBCode
odessarab HTML HTML كود الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عالم القانون :: منتدى AlexaLaw لعالم القانون :: القانون و الشريعة الإسلامية-
انتقل الى:  
الإسلامي العام | عالم القانون | عالم الكتاب و الثقافة العامه | التجاره و المال و الأعمال | البرامج و تكنولوجيا المعلومات | تطوير المواقع و المدونات | الترفيهي و الإداري العام

Powered by AlexaLaw.com ® Phpbb Version 2
Copyright © 2010
.:: جميع الحقوق محفوظه لمنتدى عالم القانون © ::.

.::جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه و إنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه في حدود الديمقراطيه و حرية الرأي في التعبير ::.