كتبت - رشا عبدالوهاب:

مفارقة مدهشة‏,‏ أمريكا‏'‏ قبلة‏'‏ غسل الأموال الأولي والأكثر جذبا في العالم تعلن الحرب علي الأموال السوداء‏.‏وبالرغم من أن التقديرات الأولية تشير إلي نحو تريليوني دولار يتم غسلها سنويا في الولايات المتحدة‏,‏ إلا أن بنك كوستاريكي صغير تمكن من قلب الموازين الأمريكية بعد أن تم الكشف عن أن نحو‏200‏ ألف أمريكي يغسلون أموالهم فيه سنويا‏,‏ فيما يعتبر واحدة من أكبر قضايا غسيل الأموال في الولايات المتحدة في التاريخ‏.


ومن هنا بدأت الضغوط الأمريكية علي دول العالم لشن حرب دولية علي غسيل الأموال علي غرار الحرب علي الإرهاب التي بدأتها منذ12 عاما.
صحيح أن هذه الأموال تم نقلها عبر الواقع الافتراضي الانترنت, لكن هذه التجارة غير المشروعة في نظر القانون جريمة واقعة تنطوي تحت عنوان غسل الأموال الاليكتروني, وهي أحدث موضة في السوق السوداء هذه.
وفتح الإدعاء الأمريكي العام تحقيقا موسعا مع ليبرتي ريزيرف بنك الانترنت الكوستاريكي الذي تأسس كمشروع إجرامي لغسيل الأموال, وبلغت قيمة تعاملاته6 مليارات دولار.
وبدأت دائرة التحقيقات تتسع فقد ثبت تورط بنك باركليز في هذه العمليات المشبوهة. وكانت البداية بعد أن ألقت السلطات الأمريكية القبض علي5 أشخاص وصادرت20 مليون دولار من حسابات مصرفية في7 دول في إطار التحقيقات مع البنك الصغير. وكانت أجهزة تطبيق القانون الأمريكية قد صادرت عنوان النطاق لبنك ليبرتي ريزيرف علي الإنترنت, والذي تأسس عام2006 كشركة لخدمات الدفع الإلكتروني وتحويل الأموال عبر الإنترنت, ونفذ نحو55 مليون معاملة مالية لنحو مليون مستخدم80% منهم من خارج الولايات المتحدة.
مذكرة الإدعاء ضد البنك شملت عدة اتهامات وجرائم أوسع ضد البنك تجاوزت الجرائم المالية لتشمل ما وصفه بأنه أصبح مركزا ماليا لعالم الجريمة عبر الإنترنت, ويسهل مجموعة واسعة من الأنشطة الإجرامية عبر الإنترنت بما في ذلك الاحتيال ببطاقات الائتمان, وسرقة بطاقات الهوية, والاحتيال الاستثماري, والقرصنة علي أجهزة الكمبيوتر, واستغلال الأطفال في المواد الإباحية, وتهريب المخدرات'. فالبنك وفر للمجرمين طريقة لإخفاء أموالهم دون ترك أي أثر من خلال السماح لهم بإعداد حسابات بأسماء وهمية وعناوين زائفة.
وتهدف الولايات المتحدة من وراء الكشف عن هذه الشبكة إلي تكثيف جهودها في مراقبة جرائم الأموال الافتراضية وتنبيه العملاء إلي ضرورة الالتزام بالقانون الأمريكي. والأغرب أنها المرة الأولي التي تستخدم فيها واشنطن القانون الوطني لمكافحة غسيل الأموال والذي وضع بعد أحداث11 سبتمبر في2001, واستغلت وزارة الخزانة الأمريكية هذا القانون لإيقاف نشاط بنك ليبرتي ريزيرف من النظام المالي الأمريكي. وجاءت تلك الخطوة في مسعي من وزارة الخزانة لمنع المؤسسات المالية الأمريكية من فتح حسابات لبنوك أجنبية تقوم بإجراء تحويلات للبنك الكوستاريكي.
وبعد الكشف عن هذه الشبكة سارعت الولايات المتحدة إلي اتخاذ عدة إجراءات منها الاتصال بـ17 دولة لمساعدتها في الإيقاع بالعصابة. وتجميد أصول البنك في إسبانيا وكوستاريكا وهولندا والولايات المتحدة وهونج كونج والمغرب والصين. كما ضغطت أمريكا علي سويسرا من أجل تسوية ملف الأموال الأمريكية غير المعلنة المودعة في المصارف السويسرية. ولم تبد سويسرا أسباب ولا تفاصيل موافقتها علي العرض الأمريكي الأحادي. لكن الخطوة جاءت تقريبا في نفس توقيت الكشف عن جرائم ليبرتي ريزيرف.
وبعد يوم من بداية الهجوم الأمريكي علي الأموال السوداء, صدر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب, وفي الجزء الثاني من التقرير الذي جاء تحت عنوان غسيل الأموال والجرائم الاقتصادية صوب فيه سهام النقد إلي وركزها علي الفلبين فقط بسبب ضعف مراقبتها لعمليات غسل الأموال والذي وصل حجمها إلي1.3 مليار دولار في.2011 مواجهة جرائم غسيل الأموال أصبحت من وجهة النظر الأمريكية أكثر صعوبة خاصة أن أحدث صيحة في عالم هذه الجريمة تتم من خلال الهاتف المحمول خاصة في الدول النامية لأن الهواتف غير مسجلة وتعمل بنظام الكارت فبالتالي أصبح من الصعب تعقب الأشخاص مجهولي الهوية الذين يقومون بعملية التحويلات المالية. وأكد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات أن الدول النامية مرشحة بقوة لأن تصبح في صدارة هذا النوع من الجرائم المالية لأن اقتصادياتها مفتوحة كما توجد أعداد كبيرة من سكانها بدون حسابات بنكية. وبالرغم من أنه لا توجد دولة علي وجه الأرض توافق بشكل كامل علي الجهود الدولية لمكافحة غسيل الأموال, إلا أنه يبدو أن جرائم بنك ليبيرتي دفعت واشنطن إلي قيادة هذه الجهود خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها أكبر اقتصاد في العالم.

المصدر : AlexaLaw