الرقابة على صحة القرار التأديبي
تراقب المحكمة التأديبية صحة القرار التأديبي وتوافر أركانه القانونية الصحيحة وذلك بدءاً من الشكل والإختصاص بإصداره والأسسس التي قام عيلها وتكييف تلك الأسس ثم تقدر بما لها من سلطة تقديرية مدى ملائمة الجزاء مع الوقائع التى أدت إليه وكانت سبباً لصدوره، والمحكمة قبل أن تقوم بتلك الأمور تقوم أولاً بتكييف طلبات الطاعن ومعرفة هدفه وغرضه الحقيقي من الطعن.
وبخصوص رقابة المحكمة على صحة القرارات التأديبية تبرز مسألتان :
أولاً: الرقابة على إساءة إستعمال السلطة والإنحراف بها.
رقابة المحكمة التأديبية على قرارات الجزاء تبلغ اقصى مداها حين تتعرض لفحص مدى ملائمة قرار الجزاء وتناسبه مع الوقائع التي صدر بشأنها، والمحكمة وهي بصدد ذلك تتعرض لوجود تلك الوقائع وتكييفها وتبرير تلك الوقائع للقرار المتخذ بما لا يتبقى معه ثمة نطاق بمعزل عن رقابة المحكمة تباشر فيه للجهة الإدارية تقديراً يستوجب الرقابة على الإنحراف بالسلطة، فرقابة الملائمة في القرار التأديبي تغني دائماً عن رقابة الإنحراف بالسلطة.
إلا أن ذلك لا يعنى غل يد المحكمة عن الرقابة على الإنحراف بالسلطة أو إساءة إستعمالها، فمتى دعت الحال لذلك تدخلت المحكمة وباشرت دورها في ذلك الشأن ..
وأوضح مثال لذلك هو حكم المحكمة التأديبية لوزارتي النقل والمواصلات في الطعن رقم 34 لسنة 23 قضائية والصادر بجلسة 24/6/1990
إذ أن المحكمة التأديبية قد ألغت قرار جهة الإدارة بالجزاء رغم أنه قد صدر صحيحاً محمولاً على أسبابه متضمناً مخالفة إدارية إلا أنه قد شابه عيب الإنحراف بالسلطة إذ أنه قد فرق بين عاملتين بشأن خروجهما عن مقتضيات العمل وذلك بمجازاة إحداهن وإعفاء الأخرى من الجزاء.
ثانياً: الرقابة على عدم التناسب في القرار التأديبي.
الأصل أن رقابة عدم التناسب في القرار التأديبي لا تقتصر فقط على تخفيف العقاب الموقع على المخالف بل تهدف إلى توقيع العقاب المناسب لما إرتكب من ذنب إداري وإن إستلزم ذلك تشديد العقاب، فقد ترى المحكمة التأديبية أن ما قررته جهة الإدارة من جزاء غير كاف كعقاب لما أرتكبه المخالف ومن ثم تغلظ الجزاء عليه .. فهل ينطبق ذلك أيضاً في حالة ما إذا طعن العامل نفسه على قرار الجزاء .. هل يمكن تشديد العقاب عليه في هذه الحالة إذا رأت المحكمة ذلك ؟؟؟
دون إطالة .. تطبق في ذلك الشأن قاعدة عدم جواز أن يضار طاعناً بطعنه، بل وإنها تطبق بشكل أوسع نطاقاً حيث أنه متى ألغت المحكمة الإدارية العليا الحكم الصادر في الدعوى التأديبية فلا يجوز للمحكمة التي يعاد إليها الطعن أن تشدد في العقوبة.
"من الأصول العامة في مجال المحاكمة ألا يضار الطاعن بطعنه فإذا قبل الطعن وأعيدت الدعوى لإعادة المحاكمة فإن المحكمة التي أعيدت إليها الدعوى لا يجوز لها تشديد العقاب طالما أن الطعن في الحكم كان بناءً على طعن المحال وحده فلا يجوز أن ينقلب الطعن وبالاً على صاحبه"
ولما كان ذلك المبدأ ينطبق على الدعوى التأديبية بصفة عامة، فهو بصفة أولى ينطبق على الطعن في القرار التأديبي فيجوز للمحكمة التأديبية أن تلغيه فقط لوجود شدة ظاهرة فيه لا تتناسب مع الذنب المرتكب وتوقع هي الجزاء المناسب، أما إذا رأت المحكمة أن العقوبة أخف من الذنب المرتكب فعليها أن ترفض الطعن فقط.
مع ملاحظة أن المحكمة متى ألغت قرار الجزاء المطعون فيه لعيب شكلي فلا يمنع ذلك الجهة الإدارية من إعادة إصدار القرار بعد تصحيح العيب الذي كان قد شابه ولكن بالطبع لا يجوز لها التشديد فيما وقعته من جزاء سابق لأنها قد إستنفذت سلطتها بشأن تحديد الجزاء.
وتجدر الإشارة إلى أنه في مجال رقابة المحاكم التأديبية على قرارات السلطات الرئاسية التأديبية، تمتد رقابة المحكمة عند إلغاء تلك القرارات إلى الفصل في الموضوع متى كان صالحاً لذلك وحينئذ توقع ما تراه مناسباً من جزاء والأمر كذلك في رقابة المحكمة الإدارية العليا على أحكام المحكمة التأديبية الصادرة في نطاق هذا الإختصاص.
وهو مبدأ قررته المحكمة الإدارية العليا بجلسة 9/4/1988 في الطعن رقم 235 لسنة 33