إيـران والشـرق الأوسـط الجـديد

أمـل حمــادة


مجلة السياسة الدولية - إبريل 2003 - العدد رقم 152


مع بداية القرن الحادى والعشرين ، بدأ الحديث عن شرق أوسط جديد ، لايتضمن بالضرورة تعريفاً جغرافياً جديداً ، ولكن يتضمن بالأساس شبكة تعريفات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية جديدة لاعضائه وعلاقاتهم مع العالم الخارجى.هذا الحديث عن شرق أوسط جديد ، لا يمكن فصله عن الحديث عن عالم جديد.شهد سقوط الإتحاد السوفيتى ومحاولة الولايات المتحدة الانفراد فيه بالزعامة ، كما شهد أيضاً تزايد الاعتراضات الأوربية والآسيوية على محاولات الهيمنة الأمريكية.وقد شكلت أحداث 11 سبتمبر عام 2001 عاملاً محفزاً لضرورة السعى لتدعيم أركان العالم الجديد بزعامة أمريكية منفردة ، وإقامة شرق أوسط جديد يستبدل فيه حلفاء قدامى بآخرين جدد ، وتستقر فيه تفاعلات سياسية واقتصادية جديدة غير قائمة على الصراع العسكرى.

وتشكل الحملة العسكرية الحالية من جانب القوات الأمريكية والبريطانية على العراق حلقة رئيسية فى خطط إقامة الشرق الأوسط الجديد.وبغض النظر عن النتائج العسكرية لهذه المواجهة غير المتكافئة ، فإن العديد من علامات الاستفهام تدور حول الدور الإيرانى تجاه هذه الخطط الجديدة ، التى لابد وأن يكون للولايات المتحدة وإسرائيل دوراً محورياً فى رسمها ووضعها موضع التنفيذ ، بل ومراقبة مدى التزام الأطراف المختلفة بالأدوار المرسومة لهم.فخلال حرب الخليج الثانية ، تمتعت إيران بدرجة عالية من ضبط النفس ، مكنتها من تجنب التورط الى جانب أحد الأطراف المتصارعة ، حيث أعلنت إيران آنذاك موقفها الرافض للغزو العراقى للكويت ، وطالبتها بالإنسحاب الفورى ، وفى نفس الوقت أكدت حرصها الدائم على وحدة وسلامة أراضى العراق ، ومن جانب آخر فقد هاجمت بعض الصحف الإيرانية السياسة الأمريكية فى المنطقة.

ومع مجيىء الرئيس خاتمى للحكم عام 1997 ، ظهرت بوادر انفراج العلاقات الإيرانية الأمريكية ، وهو ما دفع البعض للتساؤل عما اذا كان الوقت قد حان لتلاقى المصالح الإيرانية مع المصالح الأمريكية الجديدة فى الشرق الأوسط.والاجابة على هذا السؤال تستقى بعض عناصرها من الموقف الإيرانى من الحرب الدائرة حالياً فى العراق.فمازالت إيران تمارس درجة عالية من ضبط النفس ، معلنة أنها لن تتورط فى الحرب إلى جانب أى من طرفيها ، ولن تسمح باستخدام أراضيها للهجوم على العراق ، بل زادت إيران من ضبط النفس ، حينما قامت القوات الأمريكية بإسقاط عدد من الصواريخ على الأراضى الإيرانية بطريق الخطأ ، وبالرغم من تسجيل اعتراضها على هذا السلوك وتهديدها بضرب أى طائرات تخترق مجالها الجوى ، إلا أنها أعلنت تفهمها أن الحرب تدور رحاها فى أماكن عديدة ومتفرقة من العراق ، وبالتالى يمكن أن يحدث هذا الخطأ من سقوط صواريخ عراقية أو أمريكية.

ولكن هذا لا يعنى وجود توافق فى المصالح الإيرانية الأمريكية ، فالعلاقات الأمريكية الإيرانية هى علاقات متداخلة ومتناقضة أحياناً ، وتتأثر بالعديد من المتغيرات.فبينما يحيى الرئيس الإيرانى الشعب الأمريكى ويصفه بأنه شعب عظيم ، نجد مسئولاً آخر يصر على وصف الولايات المتحدة الأمريكية بالشيطان الأكبر.وبينما تعلن الولايات المتحدة أن إيران تقف على رأس الدول الداعمة للارهاب ، نجد وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت تعتذر للشعب الإيرانى عن الدور الذى لعبته الولايات المتحدة فى الإطاحة بمصدق فى خمسينيات القرن العشرين. هذا التضارب والتناقض قد يفسره تعدد التوجهات داخل الإدارة الأمريكية ، وتعدد مراكز صنع القرار على المستوى الإيرانى.

ومنذ أحداث 11 سبتمبر أعلنت إيران رفضها للهجمات على نيويورك وواشنطن واستعدادها لمعاونة الولايات المتحدة فى حربها ضد الإرهاب ، ورغم ذلك فقد وضعت الولايات المتحدة إيران ضمن من أسمتهم بمحور الشر ، وهى الدول التى تساند الإرهاب حسب الرؤية الأمريكية.والملاحظ أن الدول المركزية فى محور الشر والأغلبية العددية فيه هى دول تنتمى جغرافيا للشرق الأوسط بشكله المعروف حالياً ، فالعراق فى ظل الزعم الأمريكى بامتلاكها لأسلحة الدمارالشامل تحتل المركز الأول.وتشترك كل من سوريا وإيران وأحيانا حزب الله اللبنانى مع كوريا فى عضوية نادى محور الشر ، هذه العضوية تجعلهم هدفاً محتملاً للإدارة الأمريكية.

وفى هذا الإطار ، فقد بدأت الولايات المتحدة خطط تشكيل الشرق الأوسط الجديد بالحرب على العراق ، وبالرغم من أن الادارة الأمريكية أعلنت أن هدفها من هذه الحرب هو نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية ، إلا أن المراقبين رصدوا عدداً من الأهداف الأخرى التى تبغى الولايات المتحدة تحقيقها من هذه الحرب ، فالهدف الأكبر هو رسم شكل جديد لعلاقات القوة فى العالم ، أو ما يعرف بتدعيم أسس النظام العالمى الجديد الذى تنفرد فيه الولايات المتحدة بما تراه لحل المشكلات الدولية ، ويتفرع من هذا الهدف الأكبر أهداف فرعية ، تتعلق بإعادة تشكيل الشرق الأوسط القديم بما يحقق المصالح الأمريكية فى المنطقة ، وهى بالأساس ضمان إمدادات النفط ، وضمان أمن وتفوق اسرائيل، حليفها الاستراتيجى فى المنطقة.

وعلى ذلك فإن الولايات المتحدة بسياستها الحالية بشأن الحرب الدائرة على العراق ، إنما تغير من حلفائها القدامى فى المنطقة لصالح حلفاء جدد ، يمكنهم خدمة السياسات الأمريكية الجديدة بشكل أفضل من الحلفاء القدامى الذين تم استهلاكهم وحان الوقت لتغييرهم.وفى هذا الاطار فإن الجمهورية الاسلامية فى ايران بتوجهاتها الداخلية والخارجية تصبح عضواً محورياً فى محور الشر ، ومرشحة لأن تكون إحدى المحطات التالية فى قطار الآلة العسكرية الأمريكية التى بدأت أولى عملياتها العسكرية فى العراق فى مارس 2003 ، فإيران تمتلك احتياطياً ضخماً من البترول والغاز الطبيعى ، وهى من ناحية أخرى تشكل تهديداً ، ولو نظرياً، لما يسمى بمسار عملية التسوية السلمية للصراع العربى الاسرائيلى.كما أن هناك العديد من الإشارات على أن إيران تمد حزب الله اللبنانى بالسلاح ، وهذا يعنى من وجهة النظر الأمريكية اشتراك إيران فى تمويل الارهاب.

وبطبيعة الحال فإن المواجهة العسكرية لن تكون هى البديل الأوحد للتعامل مع دول محور الشر ومن بينها إيران ، ولكن تغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة من خلال تثبيت دعائم التواجد العسكرى فى المنطقة من شأنه أن يوصل ذات الرسالة التى يمكن أن توصلها الأداة العسكرية ، ولكن بتكاليف أقل.ومن المتصور أن يزداد هذا الاحتمال ، خاصة مع ارتفاع التكلفة العسكرية والبشرية للعملية العسكرية فى العراق ، مع احتمالات طول أمد الحرب

هل‏ ‏تتورط‏ ‏إيران‏ ‏في‏ ‏الحرب‏ :‏

هناك‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏التقارير‏ ‏التي‏ ‏تتحدث‏ ‏عن‏ ‏تفاهم‏ ‏ضمني‏ ‏أمريكي‏ ‏إيراني‏ ‏بشأن‏ ‏الموقف‏ ‏الإيراني‏ ‏الأوجب‏ إتخاذه‏ ‏في‏ ‏الأزمة‏ ‏الحالية‏ ‏كما‏ ‏في‏ ‏أزمة‏ 1990. ‏فما‏ ‏يبدو‏ ‏إنه‏ ‏حياد‏ ‏إيراني‏ ‏من‏ ‏طرفي‏ ‏الحرب‏ ‏ويتم‏ ‏التأكيد‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏القيادة‏ ‏الإيرانية‏ ‏قد‏ ‏يفسر‏ ‏في‏ ‏حقيقة‏ ‏الأمر‏ ‏علي‏ ‏أنه‏ ‏انحياز‏ ‏إلي‏ ‏الجانب‏ ‏الأقوي‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏المواجهة‏ ‏الطرف‏ ‏الأمريكي‏. ‏هذا‏ ‏الانحياز‏ ‏قد‏ ‏يفسر‏ ‏أحيانا‏ ‏برغبة‏ ‏إيران‏ ‏في‏ ‏تجاوز‏ ‏صفحة‏ ‏العداء‏ ‏الأمريكي‏ ‏تجاه‏ ‏إيران‏ ‏خاصة‏ ‏مع‏ ‏التهديدات‏ ‏التي‏ ‏يحملها‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏العداء‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏إيران‏ ‏ستكون‏ ‏هدفا‏ ‏تاليا‏ ‏للولايات‏ ‏المتحدة‏ ‏بعد‏ ‏العراق‏ ‏في‏ ‏ظل‏ ‏عضويتها‏ ‏في‏ ‏محور‏ ‏الشر‏ ‏مع‏ ‏كوريا‏ ‏وسوريا‏.‏

هذا‏ ‏الانحياز‏ ‏قد‏ ‏يفسر‏ ‏أيضا‏ ‏برغبة‏ ‏قطاعات‏ ‏معتبرة‏ ‏من‏ ‏الشعب‏ ‏الإيراني‏ ‏خاصة‏ ‏الشباب‏ ‏منه‏ ‏في‏ ‏تجاوز‏ ‏العداء‏ ‏لكل‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏أمريكي‏ ‏وفتح‏ ‏صفحة‏ ‏جديدة‏ ‏في‏ ‏العلاقات‏ ‏الثنائية‏ ‏بين‏ ‏البلدين‏. ‏كما‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏عزل‏ ‏الخبرة‏ ‏السلبية‏ ‏التي‏ ‏تركتها‏ ‏سنوات‏ ‏ثمان‏ ‏من‏ ‏الحرب‏ ‏مع‏ ‏العراق‏ ‏وما‏ ‏ترتب‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏دمار‏ ‏نفسي‏ ‏ومادي‏ ‏وقضايا‏ ‏تخص‏ ‏الأسري‏ ‏والتعويضات‏ ‏عن‏ ‏معطيات‏ ‏القرار‏ ‏الإيراني‏.‏
علي‏ ‏الوجه‏ ‏الآخر‏ ‏فإنه‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏التقليل‏ ‏من‏ ‏المخاوف‏ ‏الإيرانية‏ ‏من‏ ‏آثار‏ ‏الحرب‏ ‏علي‏ ‏الأمن‏ ‏القومي‏ ‏الإيراني.‏ ‏فحتي‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏مقابل‏ ‏هذا ‏الانحياز‏ ‏الضمني‏ ‏للجانب‏ ‏الأمريكي‏ ‏تجنب‏ ‏أن‏ ‏تصبح‏ ‏إيران‏ ‏هدفا‏ ‏عسكريا‏ ‏تاليا‏ ‏لآلة‏ ‏الحرب‏ ‏الأمريكية‏, ‏وهو‏ ‏أمر‏ ‏مشكوك‏ ‏فيه‏ ‏لدي‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏صانعي‏ ‏القرار‏ ‏والمراقبين‏, ‏فإيران‏ ‏لديها‏ ‏مخاوف‏ ‏من‏ ‏الخطط‏ ‏الأمريكية‏ ‏الرامية‏ ‏إلي‏ ‏تغيير‏ ‏معطيات‏ ‏الجغرافيا‏ ‏السياسية‏ ‏في‏ ‏المنطقة.‏ ‏فمخططات‏ ‏تقسيم‏ ‏العراق‏ ‏وضم‏ ‏أجزاء‏ ‏منها‏ ‏الي‏ ‏الأردن‏ ‏وقيام‏ ‏دولة‏ ‏كردية‏ ‏في‏ ‏الشمال‏ ‏وشيعية‏ ‏في‏ ‏الجنوب‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏يهدد‏ ‏سلامة‏ ‏الأراضي‏ ‏الإيرانية‏ ‏بشكل‏ ‏كبير‏. ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏شأنه‏ ‏أن‏ ‏يغير‏ ‏في‏ ‏معادلات‏ ‏القوة‏ ‏في‏ ‏المنطقة‏ ‏لصالح‏ ‏إسرائيل‏ ‏وهو‏ ‏أمر‏ ‏غير‏ ‏مقبول‏ ‏لدي‏ ‏الجانب‏ ‏الإيراني‏. ‏فإيران‏ ‏في‏ ‏حال‏ ‏قبولها‏ ‏بشرق‏ ‏أوسط‏ ‏جديد‏ ‏فإنها‏ ‏لا‏ ‏شك‏ ‏سترغب‏ ‏في‏ ‏دور‏ ‏محوري‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الكيان‏ ‏الجديد‏. ‏

وبالرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏إيران‏ ‏قامت‏ ‏في‏ ‏بداية‏ ‏الأزمة‏ ‏بتسهيل‏ ‏خروج‏ ‏عناصر‏ ‏من‏ ‏المعارضة‏ ‏العراقية‏ ‏لحضور‏ ‏مؤتمر‏ ‏لندن‏ ‏الذي‏ ‏عقد‏ ‏بموافقة‏ ‏أمريكية‏ ‏وتستضيف‏ ‏في‏ ‏أراضيها‏ ‏رموز‏ ‏المجلس‏ ‏الأعلي‏ ‏للثورة‏ ‏الإسلامية‏ ‏في‏ ‏العراق‏ ‏والذي‏ ‏يمتلك‏ ‏تنظيما‏ ‏عسكريا‏ ‏عرف‏ ‏باسم‏ ‏فيلق‏ ‏بدر‏. ‏هذا‏ ‏التنظيم‏ ‏الذي‏ ‏تحرك‏ ‏الي‏ ‏الحدود‏ ‏الشمالية‏ ‏في‏ ‏بداية‏ ‏الأزمة‏. ‏إلا‏ ‏أنها‏ ‏في‏ ‏مرحلة‏ ‏تالية‏ ‏وقبيل‏ ‏اندلاع‏ ‏العمليات‏ ‏العسكرية‏ ‏قامت‏ ‏بإغلاق‏ ‏الحدود‏ ‏مع‏ ‏العراق‏ و‏أعلنت‏ ‏أنها‏ ‏لن‏ ‏تسمح‏ ‏باستخدام‏ ‏أراضيها‏ ‏في‏ ‏أي‏ ‏عمليات‏ ‏عسكرية‏ ‏لأي‏ ‏من‏ ‏طرفي‏ ‏النزاع‏. ‏وبتطور‏ ‏العمليات‏ ‏العسكرية‏ ‏فإن‏ ‏إيران‏ ‏مارست‏ ‏دورا‏ ‏حياديا‏ ‏يعلي‏ ‏من‏ ‏ضبط‏ ‏النفس‏ ‏في‏ ‏مواجهة‏ ‏الأخطاء‏ ‏الأمريكية‏ - ‏البريطانية‏ ‏بإسقاط‏ ‏صواريخ‏ ‏أو‏ ‏مظليين‏ ‏أو‏ ‏اختراق‏ ‏طائرات‏ ‏للمجال‏ ‏الجوي‏ ‏الإيراني‏. ‏كما‏ ‏أعلنت‏ ‏إيران‏ ‏أنها‏ ‏ضد‏ ‏الحرب‏ ‏الأمريكية‏ ‏علي‏ ‏العراق‏ ‏وطالبت‏ ‏بإنهائها‏ ‏علي‏ ‏الفور‏. ‏بل‏ ‏إن‏ ‏الشارع‏ ‏الإيراني‏ ‏وبعد‏ ‏عدم‏ ‏اهتمام‏ ‏بما‏ ‏يجري‏ ‏في‏ ‏أرض‏ ‏الجارة‏ ‏العراق‏ ‏استمر‏ ‏طوال‏ ‏الأسبوع‏ ‏الأول‏ ‏للحرب‏ ‏قرر‏ ‏الخروج‏ ‏في‏ ‏مظاهرات‏ ‏عارمة‏ ‏شملت‏ ‏طهران‏ ‏ومدنا‏ ‏إيرانية‏ ‏أخري‏ ‏منددا‏ ‏بالحرب‏ ‏ومطالبا‏ ‏بوقفها‏ ‏ومهاجما‏ ‏السياسات‏ ‏الأمريكية‏ ‏في‏ ‏المنطقة‏. ‏ولكن‏ ‏الملاحظة‏ ‏الجديرة‏ ‏بالذكر‏ ‏هي‏ ‏الارتباط‏ ‏الزمني‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏المظاهرات‏ ‏وتجدد‏ ‏الاتهامات‏ ‏الأمريكية‏ ‏لإيران‏, ‏فقد‏ ‏ردد‏ ‏وزير‏ ‏الدفاع‏ ‏الأمريكي‏ ‏دونالد‏ ‏رامسفيلد‏ ‏إتهامات‏ ‏لإيران‏ ‏بأنها‏ ‏تقدم‏ ‏مساعدات‏ ‏عسكرية‏ ‏للعراق‏ ‏وأنها‏ ‏فتحت‏ ‏حدودها‏ ‏لعبور‏ ‏عسكريين‏ ‏لمساندة‏ ‏الجانب‏ ‏العراقي‏ ‏وهو‏ ‏الأمر‏ ‏الذي‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏نفته‏ ‏إيران‏ ‏علي‏ ‏لسان‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مسئول‏. ‏والواقع‏ ‏أن‏ ‏إحتمال‏ ‏أن‏ ‏تتورط‏ ‏إيران‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الحرب‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يحدث‏ ‏في‏ ‏ظل‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏سيناريو‏. ‏الأول‏: ‏أن‏ ‏تقرر‏ ‏الولايات‏ ‏المتحدة‏ ‏الأمريكية‏ ‏أن‏ ‏توسع‏ ‏دائرة‏ ‏المواجهة‏ ‏العسكرية‏, ‏والمرجح‏ ‏أن‏ ‏الولايات‏ ‏المتحدة‏ ‏لن‏ ‏تلجأ‏ ‏لهذا‏ ‏الخيار‏.‏

السيناريو‏ ‏الثاني‏: ‏أن‏ ‏تتدخل‏ ‏تركيا‏ ‏وبشكل‏ ‏سافر‏ ‏في‏ ‏الشمال‏ ‏العراقي‏ ‏ضد‏ ‏الأكراد‏ ‏بما‏ ‏يهدد‏ ‏الأمن‏ ‏القومي‏ ‏الإيراني‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏رفع‏ ‏سقف‏ ‏التوقعات‏ ‏لدي‏ ‏الأكراد‏ ‏الإيرانيين‏ ‏وغيرهم‏ ‏من‏ ‏الأقليات‏ ‏التي‏ ‏تعيش‏ ‏في‏ ‏إيران‏. ‏ولكن‏ ‏المعتقد‏ ‏أنه‏ ‏في‏ ‏ظل‏ ‏توازنات‏ ‏القوة‏ ‏الحالية‏ ‏فإنه‏ ‏حتي‏ ‏في‏ ‏حال‏ ‏دخول‏ ‏تركيا‏ ‏الحرب‏ ‏بشكل‏ ‏سافر‏ ‏فإن‏ ‏إيران‏ ‏ستظل‏ ‏متمسكة‏ ‏بضبط‏ ‏النفس‏ ‏منتظرة‏ ‏لنتائج‏ ‏الصراع‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يتم‏ ‏بين‏ ‏أصدقاء‏ ‏قدامي‏ ‏لإيران‏ ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏فان‏ ‏المصلحة‏ ‏القومية‏ ‏الإيرانية‏ ‏ستنتظر‏ ‏نتيجته‏ ‏لتقرر‏ ‏التصرف‏ ‏علي‏ ‏أساسه‏. ‏أما السيناريو‏ ‏الثالث فهو‏ ‏أن‏ ‏يطول‏ ‏أمد‏ ‏الحرب‏ ‏دون‏ ‏تحقيق‏ ‏نصر‏ ‏حاسم‏ ‏او‏ ‏هزيمة‏ ‏ساحقة‏ ‏مما‏ ‏قد‏ ‏يزعزع‏ ‏استقرار‏ ‏نظم‏ ‏في‏ ‏المنطقة‏ ‏أو‏ ‏حتي‏ ‏يحدث‏ ‏ضغوطا‏ ‏داخلية‏ ‏علي‏ ‏النظام‏ ‏الإيراني‏ ‏بما‏ ‏يجعل‏ ‏التورط‏ ‏في‏ ‏مغامرة‏ ‏عسكرية‏ ‏خارجية‏ ‏مخرجا‏ ‏لحل‏ ‏التوترات‏ ‏الداخلية‏. ‏أو‏ ‏بتعبير‏ ‏آخر‏ ‏ما‏ ‏عرف‏ ‏بسيناريو‏ ‏الدومينو‏ ‏فانهيار‏ ‏النظام‏ ‏العراقي‏ ‏أو‏ ‏إطالة‏ ‏أمد‏ ‏الحرب‏ ‏بخسائر‏ ‏كبيرة‏ ‏علي‏ ‏الجانب‏ ‏العراقي‏ ‏من‏ ‏شأنه‏ ‏أن‏ ‏يساهم‏ ‏في‏ ‏تسريع‏ ‏انهيار‏ ‏نظم‏ ‏أخري‏ ‏في‏ ‏المنطقة‏ ‏ليست‏ ‏بالضرورة‏ ‏صديقة‏ ‏للولايات‏ ‏المتحدة‏ ‏الأمريكية‏. ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الحال‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏أحد‏ ‏استراتيجيات‏ ‏الخروج‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الأزمة‏ ‏هو‏ ‏التحول‏ ‏ناحية‏ ‏الخارج‏ ‏وخلق‏ ‏عدو‏ ‏يمكن‏ من ‏توحيد‏ ‏الجبهة‏ ‏الداخلية‏ ‏وتجاوز‏ ‏الصراعات‏ ‏بين‏ ‏القوي‏ ‏المختلفة‏ ‏داخل‏ ‏المنظومة‏ ‏الإيرانية‏ ‏لمواجهة‏ ‏هذا‏ ‏العدو‏.‏

ولكن‏ ‏ماذا‏ ‏عن‏ ‏الهدف‏ ‏الاستراتيجي‏ ‏الأمريكي‏ ‏برسم‏ ‏شرق‏ ‏أوسط‏ ‏جديد‏ :‏

إن‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏الجديد‏ ‏لن‏ ‏يحقق‏ ‏الحد‏ ‏الأدني‏ ‏لتوقعات‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏الأطراف‏ ‏الفاعلة‏ ‏في‏ ‏المنطقة.‏ ‏فالجمهورية‏ ‏الإسلامية‏ ‏الإيرانية‏ ‏لن‏ ‏تقبل‏ ‏أن‏ ‏يحجم‏ ‏دورها‏ ‏في‏ ‏منطقة‏ ‏الخليج‏ ‏الذي‏ ‏مازالت‏ ‏تعتبره‏ ‏فارسيا‏ ‏وإن‏ ‏مسئولية‏ ‏حمايته‏ ‏هي‏ ‏مسئولية‏ ‏الدول‏ ‏المطلة‏ ‏عليه‏. ‏كما‏ ‏لن‏ ‏تقبل‏ ‏بتحييد‏ ‏دورها‏ ‏في‏ ‏معادلة‏ ‏القوة‏ ‏السورية‏ - ‏اللبنانية‏ - ‏الإسرائيلية‏ ‏والتي‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تنتهي‏ ‏في‏ ‏حال‏ ‏تحييد‏ ‏الدور‏ ‏الإيراني‏ ‏بشكل‏ ‏يهدد‏ ‏الأمن‏ ‏القومي‏ ‏الإيراني‏ ‏ويهدد‏ ‏نفوذها‏ ‏بين‏ ‏جماعات‏ ‏كانت‏ ‏تنظر‏ ‏لإيران‏ ‏علي‏ ‏أنها‏ ‏المساند‏ ‏والممول‏ ‏المالي‏ ‏والمعنوي‏. ‏كما‏ ‏أن‏ ‏تقسيم‏ ‏المنطقة‏ ‏لكيانات‏ ‏جغرافية‏ ‏جديدة‏ ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏مهددا‏ ‏لإعادة‏ ‏توزيع‏ ‏ثروات‏ ‏وقوة‏ ‏المنطقة‏ ‏بشكل‏ ‏يتعارض‏ ‏مع‏ ‏المصالح‏ ‏الإيرانية‏ ‏ولكنه‏ ‏وهو‏ ‏الأهم‏ ‏يهدد‏ ‏الكيان‏ ‏الإيراني‏ ‏نفسه‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يمثل‏ ‏العنصر‏ ‏الفارسي‏ ‏فيه‏ ‏الأغلبية‏ ‏في‏ ‏مناطق‏ ‏عديدة‏ ‏من‏ ‏الدولة‏ ‏الإيرانية‏. ‏وتعاني‏ ‏الأقليات‏ ‏العرقية‏ ‏أو‏ ‏المذهبية‏ ‏من‏ ‏تمييز‏ ‏يمارس‏ ‏ضدها‏ ‏بصورة‏ ‏أو‏ ‏بأخري‏ ‏حسب‏ ‏ما‏ ‏يرد‏ ‏في‏ ‏التقارير‏ ‏الدولية‏.‏

إذن‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏الجديد‏ ‏لن‏ ‏يكون‏ ‏مصدر‏ ‏استقرار‏ ‏لدول‏ ‏المنطقة‏ ‏بل‏ ‏علي‏ ‏العكس‏ ‏سيشكل‏ ‏مصدرا‏ ‏دائما‏ ‏للتهديد‏ ‏ولعدم‏ ‏الاستقرار‏. ‏فهل‏ ‏ستستمر‏ ‏شعوب‏ ‏هذه‏ ‏المنطقة‏ ‏في‏ ‏الصمت‏ ‏علي‏ ‏ما‏ ‏يصنع‏ ‏بها‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تحاول‏ ‏تغييره‏؟ ‏الواقع‏ ‏أن‏ ‏خيار‏ ‏العودة‏ ‏إلي‏ ‏مفهوم‏ ‏النظام‏ ‏الإقليمي‏ ‏الذي‏ ‏يتبني‏ ‏علاقات‏ ‏واعية‏ ‏ومبنية‏ ‏علي‏ ‏المصالح‏ ‏المشتركة‏ ‏بين‏ ‏دول‏ ‏النظام‏ ‏الإقليمي‏ ‏العربي‏ ‏ودول‏ ‏جوار‏ ‏تتشارك‏ ‏معه‏ ‏في‏ ‏معطيات‏ ‏ثقافية‏ ‏واجتماعية‏ ‏واقتصادية‏ ‏ونعني‏ ‏بها‏ ‏تركيا‏ ‏وإيران‏ ‏وأثيوبيا‏ ‏من‏ ‏شأنه‏ ‏أن‏ ‏يقوي‏ ‏دول‏ ‏المنطقة‏ ‏بشكل‏ ‏جماعي‏ ‏في‏ ‏وجه‏ ‏المخططات‏ ‏التي‏ ‏تحاك‏ ‏عبر‏ ‏المحيطات‏ ‏ويترك‏ ‏شأن‏ ‏تنفيذها‏ ‏إلي‏ ‏أطراف‏ ‏لا‏ ‏تنتمي‏ ‏بالضرورة‏ ‏إلي‏ ‏المنطقة‏ ‏بل‏ ‏وتشكل‏ ‏التهديد‏ ‏الأكبر‏ ‏لدولها‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw