آفاق السلام في أنجولا بعد مقتل سافيمبي

خالد حنفي علي

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

دفعت عدة عوامل داخلية وإقليمية ودولية إلي وقف الحرب الأهلية في أنجولا في أعقاب مقتل جوناس سافيمبي زعيم حركة يونيتا وإبرام اتفاق سلام بين الحركة والحكومة في أبريل‏2002.‏

فعلي المستوي الداخلي‏,‏ انعكس انحسار التأييد الإقليمي والدولي لحركة يونيتا علي قدرتها العسكرية في مواجهة الحكومة حيث أستطاعت الأخيرة خلال السنتين الماضيتين شن هجمات عسكرية متتالية علي قوات الحركة سمح لها باستعادة معاقلها في وسط البلاد وجنوبها‏.‏ ولم تعد يونيتا تسيطر مع مطلع عام‏2002‏ علي أي مدينة‏.‏ تزامن مع ذلك انشقاقات داخل يونيتا بسبب الديكتاتورية التي يمارسها سافيمبي ورفضه للسلام الدائم مع الحكومة‏.‏

من جهة أخري‏,‏ أقدمت الحكومة في أعقاب مقتل سافيمبي علي عدة خطوات ساهمت في دفع قادة يونيتا نحو السلام‏,‏ فقد أوقفت هجماتها علي قوات يونيتا كما أعلنت الحكومة عن خطط للسماح بإعادة توطين الذين فقدوا ديارهم‏.‏ وقالت أنها تستعد لتقديم طلب إلي البرلمان بمنح عفو عن كل الجرائم التي أرتكبت في سياق الحرب‏.‏ كما أعلنت الحكومة عن رغبتها في الإعداد لانتخابات عامة‏.‏ من جانبها رحبت حركة يونيتا المعارضة في أنجولا بقرار الحكومة الأنجولية وقف الهجمات علي مقاتلي الحركة‏.‏ واتخذت خطوة مماثلة وساعدها علي ذلك ليس فقط ظروف مقتل سافيمبي بل زن الرجل الثاني في الحركة الجنرال انطونيو ديمبو قتل هو الآخر كما أن العديد من الجنرالات بينهم قائد الجنرال أبريو كامورتيرو أخذوا أسري لدي القوات المسلحة‏.‏

أما الرجل الثالث في الحركة الجنرال باولو لوكامبا الملقب بـ‏'‏ غاتو‏'‏ فأدرك أن الاستمرار في الحرب يعني لا جدوي منه وقرر أن يوقع اتفاق مبدئي أعقبه اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار في أبريل‏2002.‏ وشمل الاتفاق خطة مفصلة لحل حركة يونيتا المؤلفة من‏60‏ ألف عضو والتحضير لاندماجهم في الجيش الأنجولي وعلي المستوي الإقليمي‏,‏ شهدت منطقة الجنوب الأفريقي تحركات لتقليص قوة يونيتا ومنع امتداد قواتها إلي دول أخري‏.‏ كان أبرزها اتفاق دول تجمع التنمية للجنوب الأفريقي السادك في قمتهم بمالاوي أغسطس‏2001‏ علي أنهاء احتكار زيمبابوي لآلية الأمن الجماعي وفض المنازعات وجعل رئاسة الآلية دورية وتتطابق مع رئاسة المنظمة‏.‏

وأهمية هذا القرار بالنسبة لأنجولا هو أن تلك الآلية لها دور بالتعاون مع منظمة الوحدة الأفريقية في فرض العقوبات وحظر تجارة السلاح والماس علي حركة يونيتا غير أن هذا الدور تعطل خلال أحتكار زيمبابوي للآلية خاصة مع وجود خلافات مع الحكومة الأنجولية‏.‏

ومع دورية الآلية أصبح هناك التزام من قبل دول السادك بعدم دعم حركات متمردة تساعد في الأخلال بأمن المنطقة كما أن التطور الأبرز هو مساعي جنوب أفريقيا لأنهاء الحرب في أنجولا خاصة في ضوء سعيها لعمل تكامل اقتصادي تكون هي قلبه وتستفيد من موارد أنجولا الطائلة‏.‏

أما علي المستوي الدولي فإن ثمة تغيرات طرأت علي الاستراتيجية الأمريكية خاصة تجاه أنجولا حيث تحولت من دعم يونيتا إلي التوافق مع نظام دوس سانتوس الذي هو الآخر بدا يتخلي عن أفكاره اليسارية ويدخل في حظيرة الأفكار الليبرالية سياسة واقتصاد‏.‏

وهذا التغير يعود في جانب كبير منه إلي الاكتشافات الهائلة للبترول في أنجولا وإذا ثبت أن الاكتشافات الأخيرة يمكن أستغلالها تجاريا فأن انتاج أنجولا النفطي يمكن أن يرتفع إلي‏1.4‏ مليون درميل يوميا في عام‏2005‏ من نصف المساحة في أعماق المحيط مما يجعل أنجولا أكثر وفرة في النفط من دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول‏-‏ أوبك‏-.‏ ولاشك أن هذه الثروة هائلة تدخل ضمن الحسابات الأمريكية الباحثة عن بدائل نفطية بعيدة عن منطقة الشرق الأوسط سواء في آسيا الوسطي أو أفريقيا ولعبت أمريكا منذ مقتل سافيمبي دورا كبيرا حتي يتم توقيع هذا الاتفاق فقد أجتمع الرئيس بوش بعد مقتل سافيمبي بالرئيس الأنجولي ومعه رئيسا موزمبيق وبوتسوانا في آواخر شهر فبراير‏2002.‏ وهذا التغير في الموقف الأمريكي جعل بعض المراقبين يرون باحتمال أن يكون للاستخبارات الأمريكية يد في مقتل سافيمبي وذلك بالتعاون مع مخابرات دول غربية وأفريقية أخري‏.‏

غير أنه إذا كانت الحكومة قد نجحت في تطبيق الشق العسكري من اتفاق سلام مع يونيتا الذي يوقف الحرب الأهلية بالبلاد إلا أن الشق السياسي والاقتصادي من وجهة نظرنا هو الأهم لضمان مستقبل آمن للبلاد تنعم فيه بالاكتشافات النفطية ومواردها المعدنية الأخري‏.‏ وهذا يتطلب‏-‏ نشر الديمقراطية‏,‏ حيث تمثل هذه الخطوة أساس لاستيعاب حركة يونيتا كحزب في الحياة السياسية مع أمكان وجود تناوب سياسي لا يقتصر علي فئة أو قبيلة معينة ويقتضي ذلك التسليم بوجود يونيتا كحركة سياسية‏.‏

كما أن علي الحكومة مكافحة الفساد المستشري في البلاد أضافة إلي أعمال عدالة توزيع العوائد حيث تسببت التنمية المنحازة لمناطق الشمال دون الجنوب في أغضاب هذه الأخيرة وجعلها تتحالف مع سافيمبي ولاشك أن نجاح الحكومة في معالجة هذه العوامل يؤدي تلقائيا إلي مستقبل آمن لا يظهر فيه سافيمبي آخر‏.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw