مبادرة - دول حوض النيل - ترجمة لواقع جديد

أيمن السيد عبد الوهاب

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

تحت شعار تحسين معدلات التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر، وفى محاولة للانتقال بمستوى التعاون الجماعى خطوة أكثر تقدما مما أسفرت عنه مشاريع التعاون الجماعى الثلاث -مشروعالدراسات الهيدرومترولوجية، تجمع الاندوجو، التيكونيل- جاء اقتراح 'مبادرة دول حوض النيل' عام 1999، والذى دشنه الاجتماع الأول لمجلس الوزراء بإريتريا فى أغسطس عام 2000.

وقد وضع هذا التحول الإيجابى من جانب دول الحوض العشر المبادرة محل تساؤل يتعلق بقدرتها على ثفافى سلبيات التجارب السابقة، وخاصة أن الانطلاقة الحقيقية للمبادرة ومشروعاتها تظل مرهونة بالفترة الانتقالية أو بفترة عمل دراسات الجدوى والمقدر لها بنحو سبع سنوات.

الأمر الذى يضع المبادرة والإرادة الجماعية لدول الحوض العشر أمام مجموعة من المحاذير والحقائق التى فرضها وجود نهر النيل كرابط تنموى بين دوله عبر فترات تاريخية ممتدة وحتى الآن. من هذه الحقائق : تباين درجات الأهمية الخاصة بعلاقة مياه النهر بالبعد التنموى فى دوله، الخلاف على حصص المياه، تزايد الاعتبارات المحددة لقيمة قطرة المياه بما يتجاوز الاعتبارات الاقتصادية إلى اعتبارات أخرى سياسية وأمنية واجتماعية، بقاء مستوى التعاون الجماعى بين دول النهر عند مستوى الحد الأدنى القاصر على التعاون الفنى لفترات زمنية طويلة بسبب تسييس قضية المياه.

كما أن تنامى مطالب من نوعية نقل المياه من حوض إلى آخر أقل وفرة كما هو الحال فى أثيوبيا، والمطالب المتزايدة بالانتقال الى الزراعة المروية بدلا من الزراعة المطرية من قبل العديد من دول أعالى النهر، يثير بدوره الكثير من علامات الاستفهام حول عدم نجاح دول الحوض على مدار نحو أربعين عاما فى إيجاد تجمع اقتصادى مثل التجمعات الإقليمية الفرعية الأخرى للأنهار فى أفريقيا، بالإضافة إلى عدم وجود أى تجمع أو إطار للتعاون المؤسسى الجماعى.

فباستثناء المبادرة الأخيرة 'مبادرة حوض لنيل' فقد ظلت كافة الأطر والتنظيمات والاتفاقيات التعاونية مدفوعة بتطورات لحظية أو بجهود فردية وخاصة من جانب مصر، بقدر أكبر من كونها وليدة توافر إرادة جماعية لإنشاء هيئة عامة أو سلطة عامة لتنظيم وتنمية مياه النيل، حيث اتخذت محاولات إقامة علاقات تنظيمية ووظيفية بين دول حوض نهر النيل العديد من المنحنيات والمنعطفات، حيث لم تنجح أيا من التجمعات فى الوصول بمستوى العلاقة الى درجة التعاون الإقليمى الكامل.

هذه الحقائق تمثل بعض أجزاء العلاقة العضوية بين دول النهر، وإن كان هناك من جديد تعكسه المبادرة على هذه العلاقة، فإنه يتمثل فى تنامى الإدراك الجماعى باتجاه عدد من القضايا، أولها : الشعور بأهمية العمل الجماعى وتحقيق المنفعة للجميع وعدم الإضرار بالغير، وثانيها : تفهم العلاقة الطردية بين تزايد ضغوط متطلبات التنمية وتعاظم الاتجاه نحو بناء التكتلات الاقتصادية الكبرى، وثالثها : التعامل مع قضية الندرة وسوء توزيع المياه بما يمكن تسميته بـ 'كفاءة التخصيص'، ورابعها : الاستفادة من دخول المؤسسات الدولية كطرف دافع لرسم السياسات المائية المدعمة بالبرامج الفنية والاقتصادية.

واتساق مع هذه الحقائق، يشرع هذا المقال الى شرح المبادرة أخذا فى الاعتبار قدرتها على تحويل السلوك الجماعى الراهن لدول الحوض الى استراتيجية دائمة تهدف الى التكامل الإقليمى، فى ظل استمرار مجموعة القيود والحساسيات القديمة.

مبادرة حوض النيل -nbi- :

انطلاقا من المبادرة التى انضم اليها كافة دول الحوض باستثناء إريتريا التى اكتفت بالانضمام كعضو مراقب، عن تطور حقيقى فى رؤية دول الحوض لسبل الانتفاع المشترك بموارد حوض النيل وخاصة فيما يتعلق بالتعاون المشترك بين مصر وإثيوبيا. وفى هذا السياق تم الاتفاق على هيكل مؤسسى يتكون من مجلس وزراء الموارد المائية فى دول الحوض، واللجنة الاستشارية الفنية، والسكرتارية العامة، كما تم الاتفاق على اختيار مدينة عنتيبى الأوغندية مقرا للسكرتارية الدائمة، واختيار السيد معراجى موسويا سكرتيرا تنفيذيا وهو تنزانى الأصل، كذلك تم الاتفاق على أن تكون الرئاسة بشكل دورى.

وتعد هذه النتيجة امتدادا لاجتماعات جنيف التى عقدت تحت مسمى 'التجمع العالمى للتعاون على ضفاف النيل'، وهى الاجتماعات التى بدأت عام 1997 وبدعم من البنك الدولى وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة -undp- ووكالة التنمية الكندية بهدف إقامة هيكل مؤسسى وقانونى للتعاون الجماعى بين دول الحوض.

وقد أسفرت تلك الجهود الجماعية المدعومة من قبل المؤسسات الدولية المانحة عن آلية جديدة للتعاون، وذلك بإقرار مستويين من مقترحات المشروعات : الأولى : تتعلق بالمستوى الجماعى للتعاون وتم إجمالها فى سبعة مشروعات :

- الوصول إلى الأستخدام الأمثل للمياه فى الأغراض الزراعية.

- إدارة وتخطيط اتلموارد المائية.

- وضع خطط للتدريب التطبيقى.

- تبادل الطاقة الهيدرومائية.

- إنشاء إطار بيئى استراتيجى لضمان التنمية المستديمة لحوض نهر النيل.

- تنمية الإمكانيات التجارية.

- التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الانتفاع المشترك.

وقد قدرت التكلفة الكلية لدراسات جدوى هذه المشروعات بنحو 122 مليون دولار.

أما المستوى الثانى فيختص بالمشروعات المتعلقة بالأحواض الفرعية فى الهضبة الحبشية -النيل الشرقى- وتشترك فيها مصر والسودان وإثيوبيا، ومنطقة البحيرات -النيل الجنوبى- التى تضم كلا من بوروندى والكونغو الديمقراطية وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا. فبالنسبة للحوض الأول نجد أنه تتم مراجعة مشروعات ودراسات لتنمية الموارد المائية لنهرى السوباط وعطبرة ومشروعات الربط الكهربائى بين إثيوبيا والسودان ومشروعات مقاومة انجراف التربة والتصحر مع إنشاء نظام للإنذار المبكر من الفيضان والجفاف ورفع كفاءة الزراعات المطرية، كما وافقت الدول الثلاث على إنشاء وحدة فنية لمتابعة الدراسات التى يتقرر تمويلها من هذه المشروعات على أن يكون مقرها إثيوبيا. أما بالنسبة للحوض الثانى : فقد تم الاتفاق على مشروعات مقاومة نبات النيل والأعشاب والربط الكهربائى بين دوله.

الأهداف والطموحات

ويهدف هذا التقسيم إلى إبراز ثمار التعاون بشكل سريع بما يساعد على استمرار التعاون الإقليمى وامتداده إلى نواحى عديدة تتجاوز التعاون الفنى المائى إلى مجالات اقتصادية واستثمارية، فالمشروعات العامة أو التى تطرحها المبادرة تحت مسمى برنامج الرؤية المشتركة مشروعات عامة تهدف إلى بناء الثقة والتعاون وتهيئة المجال للاستثمار، أما برنامج العمل العابر للحدود الذى يترجمه المستوى الثانى من المشروعات فهو دفعة لدول حوض النيل من أجل الدخول فى أنشطة حقيقية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل.

فتشير جملة الأهداف المعلنة سواء تلك المرتبطة بالأجل القصير أو الأجل الطويل إلى استناد المبادرة إلى أكثر من صيغة وسيطة للتعاون، فعلى المدى القصير تم الإعلان عن التالى :

- إعداد إطار التعاون المقبول من جانب كافة دول الحوض.

- زيادة مستوى التعاون على مستوى الحوض فى الإدارة المتكاملة للمصادر المائية.

أما بالنسبة لأهداف الأجل الطويل، فيتم تحديدها فى التالى :

- تحديد أنصبة كل دولة من دول الحوض لاستخدام مياه النيل.

- تحسين أساليب استخدام مياه النيل لتحقيق الفائدة الاقتصادية والاجتماعية لكافة شعوب الحوض.

كذلك تم الاتفاق على مجموعة من امبادىء العامة منها : أن المياه حق لكل دول حوض النيل، وأن لا يقوم أى مشروع على الإضرار بمصالح الدول الأخرى، وأن تكون الاستفادة من أى مشروع من نصيب دولتين على الأقل من دول الحوض بمعنى أن الاستفادة يجب ألا تقتصر على دولة واحدة.

ورغم عمومية الأهداف وتفهمنا الدوافع وراء هذه العمومية فى هذه المرحلة، إلا أن نقاط الخلاف تظل تحديا لا يمكن تجاهله، وخاصة أنها تتعلق بالأهداف طويلة المدى، وما تتطلبه من استمرار لعملية بناء للثقة، فعلى سبيل المثال : هناك الخلاف على حصة المياه لكل دولة والذى يرتبط بالمعايير المحددة لهذه الحصة سواء كان ذلك مرتبط بمساحة الأراضى المنزرعة أو بعدد السكان أو بكفاءة استخدام المياه أو بحدود توافر مصادر أخرى للمياه. وهناك ايضا الخلاف على مسألة نقل المياه خارج نطاق الحوض، وحدود إمكانية اعتبار المياه سلعة اقتصادية، فضلا عن الميراث التاريخى والحساسيات السياسية، فجميعها تحديات تمثل قيودا وعقبات على مستقبل التعاون بشكل يصعب تجاوزها بسهولة

منقووول للفائدة .
AlexaLaw