الاستراتيجية الفلسطينية فى مواجهة الاجتياح الإسرائيلى

أحمد إبراهيم محمود

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

اتسمت الاستراتيجية الفلسطينية بقدر كبير من الغموض وعدم التماسك فى مواجهة الاجتياح الإسرائيلى خلال ما عرف بعملية السور الواقى، بدءا من 29 مارس 2002. وكانت هذه السمات مسئولة إلى حد كبير عن انهيار المقاومة الفلسطينية ضد الاجتياح الإسرائيلى، جنبا إلى جنب مع الخلل الهائل فى القدرات العسكرية بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى. ومن الممكن على وجه التحديد التركيز على ثلاث عناصر رئيسية لهذا التفكك والغموض فى الاستراتيجية الفلسطينية، وتتمثل فى

يتمثل الجانب الأول لهذا الغموض فى الاستراتيجية الفلسطينية فى غياب رؤية واضحة بشأن المزج بين العمل الكفاحى وبين مواصلة عملية التسوية، حيث يتسم هذا المزج بطابع فوضوى إلى حد كبير، بل وليس هناك منهج متماسك للعمل الكفاحى على حدة، كما أنه ليس هناك تصور متماسك عن كيفية توظيف هذا العمل الكفاحى لخدمة الهدف السياسى.

أما الجانب الثانى للإخفاق فى الاستراتيجية الفلسطينية، فهو يتمثل فى العجز عن اتخاذ التحضيرات اللازمة لمواجهة الاجتياح الإسرائيلى بفاعلية أكبر، على الرغم من أن هذا الاجتياح لم يكن مفاجئا، بل كان متوقعا منذ فترة ليست بالقصيرة، بل أن تفاصيل خطة الاجتياح كانت منشورة فى وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل تنفيذها بما لا يقل عن شهر تقريبا. ولذلك، فإنه على الرغم من المقاومة الباسلة التى أبداها الشعب الفلسطينى فى مواجهة هذا الاجتياح، ولاسيما فى مخيم جنين ونابلس، فإن السلطة ذاتها كانت شبه غائبة فى هذه المقاومة، وكانت الخسائر التى ألحقتها المقاومة الفلسطينية بالعدوان الإسرائيلى أقل بكثير مما كان متوقعا فى تقديرات سابقة، وكان ذلك عائدا إلى العديد من الاعتبارات، أبرزها عدم مشاركة قوات الأمن الفلسطينية بصورة واسعة ومنظمة فى مواجهة الاجتياح، وغياب خطة عسكرية دقيقة للمقاومة على مستوى المدن والأحياء والمخيمات، وضعف عملية تخزين المؤن والأسلحة والذخائر لدعم عملية المقاومة، بالإضافة إلى نجاح إسرائيل فى تحييد عناصر قيادية معينة فى أجهزة الأمن الفلسطينية من أجل تخفيض حدة المواجهة بين الجانبين.

ومن ناحية ثالثة، عانت الاستراتيجية الفلسطينية من الشخصنة الشديدة لهيكل السلطة حول شخص الرئيس عرفات، وانعدام المؤسسية فى العمل الفلسطينى. ولذلك، فإنه بمجرد فرض الحصار الإسرائيلى على الرئيس عرفات، حدث ما يشبه الانهيار فى أداء أجهزة السلطة الفلسطينية، وهو ما تسبب فى انهيار المقاومة فى وجه القوات الإسرائيلية وانعدام الخدمات وشيوع حالة واسعة من الفوضى والاضطراب فى مناطق السلطة الفلسطينية.

ولذلك، فإن ضعف وعدم فاعلية الاستراتيجية الفلسطينية فى مواجهة الاجتياح الإسرائيلى أثار قدرا كبيرا من الاستياء لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطينى، وكان ذلك أحد أهم الدوافع وراء ارتفاع حدة المطالبة بالإصلاح فى مؤسسات السلطة الفلسطينية فى فترة ما بعد رفع الحصار الإسرائيلى عن الرئيس عرفات

منقووول للفائدة .
AlexaLaw