الضربات الوقائية في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية

لواء أ‏.‏ح‏.‏م‏/‏ حسام سويلم

مجلة السياسة الدولية العدد 150 - أكتوبر 2002

لاتزال الولايات المتحدة تعيش مناخ الصدم التي أحدثتها هجمات‏11‏ سبتمبر في العام الماضي‏,‏ وهواجس تكرارها وربما بشكل أعنف تأثيرا مما حدث‏,‏ لاسيما أن الحملة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة ضد الإرهاب لم تحقق أهدافها السياسية بعد‏.‏ لذلك سيطر هذا المناخ علي العقل الأمريكي‏,‏ خاصة أجهزة صنع القرار السياسي فيه‏,‏ ولم يعد يشغل بال الأمريكيين سوي هذا التهديد القائم من جانب المنظمات الإرهابية والدول التي تؤويها‏.‏

حاليا‏,‏ يعكف خبراء السياسة الأمريكية ومستشارو الرئاسة للأمن القومي علي رسم وصياغة استراتيجية أمنية جديدة بعد أن فشل بشكل كلي علي سياستي‏'‏ الردع‏'‏ و‏'‏الاحتواء‏'‏ في تحقيق أهداف الأمن القومي الأمريكي منذ عهد ترومان في‏1947.‏ هذه الاستراتيجية تتمحور حول‏'‏ الضربات الوقائية‏',‏ أي التحول من الرد علي هجوم فعلي‏,‏ إلي المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل‏,‏ لاسيما إذا تمكنت أجهزة المخابرات من اكتشاف نوايا مبكرة للخصم لشن عمليات عدائية‏.‏

ومنذ الإعلان عن هذه الاستراتجية لم يتوقف الجدل حول جدواها وضروراتها وكيفية الوصول إليها‏,‏ والأخطار التي يمكن أن تنجم عنها‏,‏ لأنها تقوم علي دلائل غير مؤكدة وليس ردا علي هجوم فعلي ومن ثم‏,‏ الدول المستهدفة من قبل الولايات المتحدة لتوجيه ضربات وقائية لها‏,‏ وهي العراق وإيران وكوريا الشمالية‏'‏ محور الشر‏',‏ لن تكون في موقف استراتيجي يسمح لها بالتصدي للتفوق العسكري الأمريكي ببعديه التقليدي وفوق التقليدي‏,‏ فإنها ستلجأ‏-‏ بداية‏-‏ للاعتماد علي أسلحتها ذات الدمار الشامل في ردع والتصدي لهذه الضربات‏.‏ لذا‏,‏ فإن هذه الاستراتيجية قد ينجم عنها مخاطر‏,‏ تهدد السلم والأمن الدوليين‏.‏

ورغم تأكيد الولايات المتحدة علي أن هذه الاستراتيجية تتضمن بدائل وخيارات أخري غير عسكرية‏..‏ مثل الضغوط السياسية والاقتصادية‏,‏ وأسقاط أنظمة الحكم بأساليب مخابرات تحتية‏,‏ ومصادرة الأموال‏,‏ والاعتقالات‏,‏ إلا أن‏'‏ مبدأ‏'‏ الضربات الوقائية يقضي علي إحدي أولويات السياسة الخارجية الأمريكية التي صيغت في مرحلة مابعد الحرب الباردة‏,‏ وهو اعتبار الاستقرار الإقليمي مصلحة أمن قومي للولايات المتحدة‏,‏ حيث يتحقق هذا الاستقرار من خلال السعي لحل الأزمات والنزاعات بالوسائل السياسية والدبلوماسية‏.‏ أما الضربات الوقائية فهي تلغي نهائيا أسلوب حل الأزمات بهذه الوسائل غير العسكرية‏,‏ وتجعل الحرب علي الإرهاب عملية مستمرة بلا نهاية‏.‏

وما يزيد من خطورة هذا المبدأ‏,‏ أنه يفتح الباب لاصطناع أعداء جدد‏,‏ والدخول في مواجهات لا تنتهي‏,‏ دون أن يكون هناك هدف سياسي محدد ونهائي لهذه الحرب‏.‏ فإسرائيل ستستخدمه لتبرير ما تسميه ضربات وقائية ضد سوريا والعراق وإيران‏,‏ والهند ستلجأ إليه أيضا باعتباره عملا وقائيا ضد أسلحة باكستان النووية‏,‏ والصين ستجده مقبولا للتعامل ضد تهديد محتمل من تايوان‏.‏ وهكذا يتحول المبدأ إلي قاعدة استراتيجية ينتشر استخدامها علي مستوي العالم‏.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw