المشكلة العراقية والنظام الإقليمي العربي

د‏.‏ حسن أبوطالب

مجلة السياسة الدولية العدد 150 - أكتوبر 2002

شكلت المغامرات العسكرية للنظام الحاكم في العراق طوال العقدين الماضيين تحديا كبيرا للنظام العربي‏,‏ فاندلاع الحرب العراقية الإيرانية واستمرارها ثمانية سنوات متصلة ألقي بظلاله علي علاقات العرب وبعضهم البعض‏,‏ وأيضا علي علاقاتهم مع إيران التي تعد إحدي دول الجوار المهمة‏.‏ ثم جاءت مغامرة غزو الكويت أغسطس‏1990‏ لتشكل بدورها تحديا خطيرا ما زالت تداعياته تحكم المصير العربي برمته‏,‏ كما تمسك بخناق العراق شعبا ونظاما وحكومة‏.‏

ويمكن القول أن موقف النظام العربي مال في توصيف المشكلة العراقية ـ حتي ما بعد‏11‏ سبتمبر‏2001‏ ـ إلي اعتبارها مشكلة ذات شقين متكاملين‏;‏ أولهما عدم تعاون بغداد مع القرار‏1284,‏ وأن الحل يكمن أساسا في حوار بغداد مع الأمم المتحدة من أجل عودة المفتشين الدوليين‏.‏ وثانيهما رفض كل المقولات التي تري أن المشكلة تكمن في الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين باعتباره نظاما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي‏,‏ وذلك علي اعتبار أن هذه المهمة ليست من صلاحيات أحد سوي الشعب العراقي نفسه‏.‏

وقد سعي النظام العربي من خلال تمسكه بالشرعية الدولية‏,‏ أو بالأحري الالتزام بمجمل قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالعراق الي تحقيق أهدافا عدة‏;‏ أولها احتواء التداعيات السلبية الكثيرة التي حملها غزو العراق للكويت علي عمل النظام‏,‏ وثانيها أن يجسد قدراته العامة في التكيف مع التطورات الدولية‏,‏ وثالثها أن يحيد من آثار المشكلة العراقية في شقها المتعلق بالعلاقة العراقية الكويتية علي عمل النظام ككل‏,‏ ورابعا أن يبلور موقفا جماعيا يحمي التكامل الإقليمي العراقي من ناحية‏,‏ ويصب ناحية رفض الخطط والمقولات الداعية الي تغيير النظام العراقي كجزء من الحل الجذري‏.‏

غير ان النزعة الهجومية التي باتت تتحكم في السياسة الامريكية فيما بعد هجمات‏11‏ سبتمبر‏,‏ تجاه العديد من القضايا الدولية‏,‏ وفي مقدمتها القضية العراقية‏,‏ باتت تشكل مدخلا خطيرا يؤثر بقوة علي مستقبل النظام العربي‏.‏ وهنا توجد ثلاثة مشاهد مستقبلية متصورة علي النحو التالي‏:‏

المشهد الأول‏:‏ إصدار قرار دولي جديد تفرضه الولايات المتحدة‏,‏ يتضمن شروطا قاسية‏,‏ بما في ذلك شرعية القيام بعمل عسكري ضد العراق في حال عدم قبول القرار أو عدم التعاون مع اللجنة الدولية وفقا للشروط الجديدة‏.‏

وفي هذه الحالة العامة يمكن تصور مشهدين فرعيين‏,‏ أولهما أن يتضمن القرار ما يتيح عملا عسكريا دوليا‏,‏ تقوده بالطبع الولايات المتحدة‏,‏ ويكون هدفه إسقاط النظام الحاكم والتخلص من الرئيس صدام حسين نهائيا‏,‏ وثانيهما أن يقتصر أهداف العمل العسكري علي إكراه العراق لقبول التفتيش دون أي عوائق أو اعتبارات تتعلق بالسيادة أو الأمن الوطني‏.‏

المشهد الثاني‏,‏ يتضمن استمرار عمل المفتشين وفقا للقرار‏1284,‏ مع وجود مشكلات إجرائية تظهر بين الحين والآخر تستغلها الولايات المتحدة في مزيد من الضغوط والتلويح بعمل عسكري‏.‏ وفي ظل هذا المشهد يمكن ترجيح درجة أعلي من تماسك النظام العربي‏,‏ سواء في مواجهة العراق عبر الضغط عليه لإثبات حسن نواياه والالتزام الصارم بالتعاون مع لجنة التفتيش‏,‏ مع تسهيل نوع من الحوار مع الأمم المتحدة من جانب‏,‏ وتخفيف الضغوط السياسية الأمريكية من جانب آخر‏.‏

المشهد الثالث‏:‏ عدم صدور قرار دولي يبيح اي نوع من الأعمال العسكرية ضد العراق‏,‏ في الوقت الذي تندفع فيه الولايات المتحدة نحو عمل عسكري منفرد أو بتعاون مع دول محدودة أبرزها بريطانيا‏,‏ يكون هدفه اقتلاع نظام الرئيس صدام حسين‏,‏ وذلك بغض النظر عن حالة التعاون مع لجنة التفتيش الدولية‏.‏

في هذه الحالة سوف يصبح العراق اكثر من مجرد بلد برئ تعرض لعدوان ظالم لا مبرر و لا سند له‏.‏ وربما تقبل بعض الحكومات في المنطقة مثل هذا العدوان كأمر واقع‏.‏ وقد تجد بعض الدول نفسها مضطرة للتعاون مع العدوان العسكري الأمريكي‏,‏ الامر الذي سيثير انشقاقات سياسية عربية علي نحو غير مسبوق‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw