قمة مجموعة الثماني للدول الصناعية الكبري
مدينة إيفيان الفرنسية‏-1-3‏ يونيو‏2003

كرستين عبدالله اسكندر

مجلة السياسة الدولية يوليو 2003 - العدد رقم 153

لم يعد خافيا علي أحد الآن أن نادي الكبار أصبح تحكمه دولة واحدة هي الولايات المتحدة فبعد أحداث الشهور الأخيرة تأكد لدي الجميع أن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة علي تنفيذ سياساتها دون مساعدة أحد وهي الوحيدة التي تجبر الآخرين علي مساندتها وقد ترتب علي هذا الوضع نتائج اقتصادية‏.‏ تتمثل تلك النتائج في ارتفاع قيمة عملة اليورو الاوروبية مقابل الدولار وهو لايعكس قوة الاقتصاد الاوروبي بل ضعف الاقتصاد الامريكي المحسوب والمخطط من أجل إضعاف موقف السلع الاوروبية وزيادة أسعارها في مقابل خفض أسعار السلع الامريكية علي مستوي العالم‏.‏ ثم هددت الشركات الامريكية بمقاطعة الشركات الفرنسية وتخفيض وجودها في صالون بورجيه للطيران أكبر صالون من نوعه في العالم‏.‏ ولهذا كان علي الدول الكبري في إيفيان أن تبعث برسالة إلي دول العالم تجدد فيها الثقة في قدرتها علي إيجاد الظروف التي من شأنها المساعدة في إقامة تنمية اقتصادية قوية وفي إنجاح التنمية المستدامة وأخيرا في قدرتها علي مواجهة الإرهاب‏.‏ ويتحقق ذلك من خلال التحاور بين الثمانية بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما أكد عليه الرئيس شيراك أن دول الثمانية لا تعمل في عزلة عن باقي العالم الانساني بل الكل كتلة واحدة والنتائج السلبية منها والايجابية تعود علي الجميع‏.‏

عام‏2003‏ تغيرت قمة الكبار في الشكل وفي الجوهر‏,‏ مما قد يشير إلي احتمالات أن تكون ايفيان هي بداية نهاية تجمع الدول الثماني الكبري في الشكل الأولي الذي اريد لها أن تكونه قبل‏28‏ عاما‏,‏ أي قمة بين الكبار تعقد بشكل غير رسمي يقوم خلالها الزعماء بالتشاور دون جدول أعمال ودون بيان ختامي‏.‏ ومن ناحية الشكل تغيرت قمة ايفيان عن سائر القمم التي تمت طوال السنوات الماضية‏.‏ فقد أرادها الرئيس الفرنسي شيراك أكثر انفتاحا علي العالم خاصة العالم الفقير‏,‏ والعالم المعارض‏,‏ واراد للكبار أن يكونوا أكثر قدرة علي الحوار مع الآخرين بعد أن استشعر شيراك أهمية مساعدة الدول الفقيرة النهوض بنفسها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا‏,‏ كما استشعر قوة حركات المجتمع المدني المناهض للعولمة‏.‏ فكان لوجود الدول الاثنتي عشرة التي تمثل ـ من ناحية ـ الدول الواعدة مثل مجموعة الـ‏77‏ التي ترأسها المغرب‏,‏ ودول عدم الانحياز‏,‏ والدول التي تمثل القارات كلها من أمريكا اللاتينية بوجود زعيمي كل من البرازيل والأرجنتين‏,‏ وآسيا بوجود الصين والهند‏,‏ وافريقيا التي مثلتها الدول الخمس الأعضاء في النيباد وهي‏:‏ مصر والجزائر والسنغال ونيجيريا وجنوب افريقيا‏,‏ بالإضافة إلي السعودية‏,‏ ورؤساء المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمالية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين‏,‏ وهم جميعا دعاهم الرئيس الفرنسي‏,‏ ليجلسوا لأول مرة‏,‏ علي مائدة الدول الكبار لكي يطرحوا قضاياهم بأنفسهم ولكيلا ينغلق الكبار علي أنفسهم فلا يستمعوا إلي قلق الدول الأخري‏.‏ وإذا كان الرئيس شيراك قد أكد أن توني بلير‏,‏ رئيس وزراء بريطانيا قد تعهد بأن يحذو حذوه في عام‏2005‏عندما يستضيف قمة الثماني فإنه لم يستطع أن يؤكد بشكل قاطع أن الرئيس الأمريكي سوف يفعل بالمثل عند استضافته القمة في العام المقبل‏2004‏ وهو ما سوف يكون وسيلة أخري لوضع حد لاستمرار وجود الولايات المتحدة بين التكتلات الأخري‏.‏ أما من ناحية الجوهر فلقد فرضت القضايا الخلافية نفسها علي القمة‏,‏ حتي ولو لم يرغب أي من الحاضرين في أن يطرحها‏,‏ فكانت أهم قضية خلافية فرضت نفسها هي العراق‏,‏ بكل ما تمثله من انقسام بين الولايات المتحدة وسائر العالم وبين الدول الأوروبية بعضها ضد البعض‏.‏ ولقد فرضت العراق نفسها علي القمة برغم أن الرئيس الأمريكي طالب الحاضرين خاصة فرنسا الدولة التي قادت معسكر المعارضة بالنظر إلي الإمام وترك الماضي‏,‏ ولكن مسألة الأسلحة ذات الدمار الشامل التي لم تظهر حتي الآن كانت علي رأس الأسئلة التي وجهت إلي توني بلير الذي لم يستطع إخفاء اضطرابه وتوتره بين الصحفيين‏,‏ عندما انهمرت عليه الأسئلة حول احتمالات البدء في التحقيق في مسألة التقارير الكاذبة‏,‏ التي اتخذتها حكومة بلير كذريعة لشن حرب غير ضرورية علي العراق‏.‏

وكان الاقتصاد من الموضوعات الأساسية التي فرضت نفسها علي الاجتماعات‏,‏ وبرغم نبرة التفاؤل التي اراد الرئيس الفرنسي أن يؤكدها في المؤتمر الصحفي النهائي الذي عقده في ختام اللقاءات‏,‏ ورغبته في أن يبعث برسالة ثقة إلي العالم‏,‏ بعد أن أصبحت الرؤية أكثر وضوحا منذ نهاية الحرب العراقية‏,‏ واستقرت اسعار البترول وانخفضت اسعار الفائدة‏,‏ وبعد أن أكد الرئيس الأمريكي أنه سوف يدعم سياسة دولارية قوية‏.‏ وأخيرا كانت قضايا الفقراء هي الأكثر حضورا علي مائدة الكبار‏,‏ كما ارادها الرئيس الفرنسي‏,‏ فناقش الحاضرون القضايا الإنسانية مثل المياه‏,‏ التي بدونها لا يمكن أن يكون هناك نمو اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي‏,‏ وتقرر تطبيق أهداف قمتي الألفية وجوهانسبرج‏,‏ اللتين قررتا خفض عدد هؤلاء الذين لا يحصلون علي مياه نقية إلي النصف مع حلول عام‏2015,‏ كما تم بحث قضايا البيئة وبروتوكول كيوتو التي ترفض الولايات المتحدة توقيع البروتوكول التابع لها والتنمية المستدامة التي غابت الولايات المتحدة عن الجلسة التي كانت مخصصة لبحثها‏,‏ ووصول دواء الأمراض المعدية والمستعصية مثل الإيدز والملاريا والسل وأخري الي الشعوب الفقيرة وبأسعار مناسبة‏.‏ وبالنسبة للمجاعات‏,‏ فقد قدم الرئيس البرازيلي الجديد اقتراحا مهما‏,‏ مؤداه وضع ضرائب علي مبيعات الأسلحة في العالم‏,‏ وتخصيصها لمحاربة المجاعات‏,‏ وإن كان الاقتراح قد راق للرئيس شيراك‏,‏ فإنه قد لا يروق لمصانع الأسلحة في العالم‏.‏

وهكذا‏,‏ يمكن القول‏:‏إن قمة الثماني شهدت في عام‏2003‏ بداية نهاية تقسيم العالم الي تكتلات‏,‏ وشهدت نهاية المبدأ الذي قامت علي أساسه في عام‏1975,‏ فبدا أن الرئيس الأمريكي قد حضر علي مضض‏,‏ وأن ايفيان كانت مجرد محطة غير مهمة في جولته الكبيرة التي اخذته من سان بترسبورج الي كراكوف إلي ايفيان ومنها إلي شرم الشيخ والعقبة‏,‏ حيث يشعر الرئيس الأمريكي بتفرده في فرض السياسات‏.‏ وكانت رسالة قمة ايفيان الحقيقية ليست رسالة ثقة‏,‏ بل رسالة انقسام ونهاية‏.‏