الاقتصاد الأمريكى: حسابات التكلفة والعائد

خليل العنانى

مجلة السياسة الدولية - إبريل 2003 - العدد رقم 152

أثارت الحرب الأمريكية الحالية على العراق العديد من التساؤلات حول التكاليف الحقيقية لهذه الحرب ، حيث تبارى العديد من الأقلام لتقدير التكاليف العسكرية والاقتصادية والبشرية للحرب. ويمكن القول بأن الاقتصاد الأمريكى رغم الأساس القوى الذى يتمتع به عن غيره من الاقتصادات ، إلا أنه تعرض خلال العامين الماضيين لسلسلة من الصدمات التى أضعفته وجعلته فى حاجة الى فترة غير قصيرة حتى يتعافى منها. فقد انخفض معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى خلال الربع الأخير من العام المالى الماضى الى نحو 7و %، وسجل الميزان التجارى عجزاً قدره 2و44 مليار دولار خلال شهر ديسمبر الماضى ، وارتفع الانفاق العسكرى فى الموازنة العامة للعام المالى الجديد الى 421 مليار دولار ، وبصفة عامة فإن هذه المؤشرات وغيرها تكشف الأزمة التى تحيط بالاقتصاد الأمريكى.

أما عن تكلفة الحرب بالنسبة للاقتصاد الأمريكى ، فإن هذه التكلفة تشير الى الأعباء التى سيتحملها الاقتصاد الأمريكى نتيجة شن الحرب على العراق ، وتتوزع هذه الأعباء بين تكاليف مباشرة وأخرى غير مباشرة.فالتكاليف المباشرة تشمل تكلفة الحملة العسكرية على العراق ، وتختلف التقديرات لتكلفة الحرب وفقاً للمدى الزمنى الذى تستغرقه هذه الحرب والسيناريوهات المختلفة لها بالاضافة الى طبيعة رد الفعل العراقى والذى سيحدد بشكل كبير طبيعة العمليات العسكرية اللازمة.وتتراوح هذه التقديرات ما بين 24 مليار دولار تكلفة الشهر الأول للحرب الى 500 مليار دولار إذا استمرت الحرب لمدة عشر سنوات.

كما تشمل التكاليف المباشرة التكلفة الاقتصادية للحرب على الاقتصاد الأمريكى لتوفير الأموال اللازمة لشن الحرب واستمرارها. وتشير الدراسات الى أن الاقتصاد الأمريكى سيتحمل نحو 200 مليار دولار من إجمالى ناتجه المحلى ، قد ترتفع الى 2 تريليون دولار على المدى الطويل.ويمكن أن تتمثل التكلفة الاقتصادية المباشرة للحرب فى ثلاث نقاط أساسية هى: العجز المتزايد فى الموازنة العامة ، والتاثير على الأوضاع الاقتصادية العامة ، الى جانب ازدياد تكلفة المساعدات الخارجية ، واستمرار الارتفاع فى أسعار النفط.

وتتضمن التكاليف المباشرة أيضا ، تكلفة ما بعد الحرب أو مرحلة إعادة الإعمار ، وتشير أغلب التوقعات إلى أن العراق فى حاجة الى ما يتراوح بين 70 ـ 120 مليار دولار لإعادة إصلاح ما دمرته الحرب خلال فترة العقوبات ، فضلاً عن الخسائر المتوقعة فى ظل الحرب الحالية.
أما التكاليف غير المباشرة للحرب على الاقتصاد الأمريكى ، فيقصد بها التداعيات التى قد تتركها الحرب على الاقتصاد الأمريكى ، علماً بأن هذه التداعيات قد بدأت بالفعل منذ أواخر العام الماضى مع اشتداد أجواء التوتر واستمرار حالة الاستقطاب السياسى الناجمة عن الصراع داخل مجلس الأمن حول مصير العراق.ومن أهم التكاليف غير المباشرة للحرب ، تداعياتها على معدلات النمو الاقتصادى ، وعلى أسواق المال والنفط الأمريكية ، سواء على المدى القصير أو المدى البعيد.كما ستخلف الحرب تداعيات سلبية على الشركات والاستثمارات الأمريكية فى الخارج.

ولاشك أنه فى ظل المعارضة الشديدة التى تواجهها واشنطن من جانب حلفائها السابقين وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا ، فإن الولايات المتحدة ستتحمل الجانب الأكبر من تكلفة العمليات العسكرية ، فضلاً عن تكلفة ما بعد الحرب.وإذا كانت حرب الخليج الثانية قد بلغت تكاليفها المباشرة نحو 61 مليار دولار ، فإن الولايات المتحدة لم تتحمل منها سوى سبعة مليارات فقط.وإذا كانت بعض التحليلات تعول على النفط العراقى كمصدر لتمويل مرحلة ما بعد الحرب ، فإنه يجب الاشارة الى أن صناعة النفط العراقية تحتاج لاستثمارات ضخمة قدرها البعض بنحو 8 مليارات دولار خلال السنوات الخمس الأولىقبل جنى الثمار ، كما أن المنشآت النفطية العراقية قد تتعرض للتدمير والتخريب بفعل الحرب ، أو يحدث نزاع داخلى حولها بين أطراف اللعبة السياسية.

وفى ظل الضغوط الهائلة التى يعانى منها الاقتصاد الأمريكى ، فإن الحرب فى العراق ستصيب هذا الاقتصاد بمزيد من التباطوء والضعف ، وستؤدى الى مزيد من العجز الفيدرالى ، وهو ما يطرح التساؤل عن قدرة الاقتصاد الأمريكى على تحمل هذه التكلفة.