قانون البحار (القانون البحري) Law of the sea (maritime law)

قانون البحار (القانون البحري) Law of the sea (maritime law)
elibrary.grc.to


لقد كانت محاولة تطبيق قواعد عامة تشمل ثلثي مساحة الأرض دائماً محفوفة بصعوبات لا تقل في القرن العشرين عنها في القرن السابع عشر عندما قام فقهاء القانون بمعالجة هذه القضية للمرة الأولى بشكل منهجي. ومنذ البداية كانت مسألة السيطرة والولاية القضائية على البحار مسألة قوة ومسألة سياسية. وطيلة هذه المدة كانت الأمم البحرية الرئيسية تتراوح في مواقفها بين محاولة المطالبة بمساحات ضخمة من أعالي البحار كجزء من ملكيتها الإقليمية التامة واستنباط مبدأ "البحار المفتوحة" الذي من شأنه أن يحول دون التخصيص ويعطي حرية الوصول للجميع. وقد ساد الرأي الأخير (حرية البحار) في خاتمة المطاف وذلك يعود بشكل رئيسي إلى مصالح الدول البحرية الأوروبية في الاستكشاف والاستغلال التجاري للشرق ولأماكن أخرى. يعود الفضل بصفة عامة في وضع أول مبدأ منهجي لـ "حرية البحار" إلى البحاثة الهولندي هوغو غروتيوس (Hugo Grotius) في كتابه "حرية البحار" (Mare Liberum) (1618). كانت خلاصة غروتيوس دعم حق الملاحة والتجارة الهولندية في الهند الشرقية ضد المطالبات البرتغالية بالاحتكار. ومنذ البداية كان مبدأ غروتيوس يعتبر متساهلاً من قبل الدولة الرئيسية التي كانت ترى أنها تملك ما يمكن اعتباره شيكاً على بياض بالنسبة للمحيطات الكبيرة. ومن جهة أخرى، كان يعتبر مبدأ جائراً وخبيثاً من جانب الدول الأصغر والأضعف التي كانت مهتمة بتوسعة حقوقها الإقليمية بدلاً من الاهتمام بالمرور الحر. وقد بقي هذا الانقسام بين مصالح الدول الأقوى والدول الأقل قوة انقساماً أساسياً في القانون البحري حتى يومنا هذا.

ما ان أُعلِنت حرية أعالي البحار حتى أصبحت بسرعة أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي. غير أن هذه الحرية لم تكن غير محدودة لأنه كان يعتبر أنه يجوز لدولة ساحلية الادعاء بحزام بحري حول شواطئها ("المياه الإقليمية") التي كانت تعتبر جزءاً لا يتجزأ من ولايتها الإقليمية. ويتعلق التاريخ اللاحق لقانون البحار منذ القرن السابع عشر فصاعداً إلى حد كبير بإيجاد خطوط مُحدِّدة دقيقة لتثبيت حدود السيطرة. في بادئ الأمر كانت الحدود تقوم على "قاعدة قذيفة المدفع" التي كانت تعني في واقع الأمر أن الخط الفاصل بين أعالي البحار والمياه الإقليمية هو مدى ما تستطيع الدولة الساحلية أن تمارسه من سيطرة عسكرية. تحبذ الممارسة الحديثة 12 ميلاً من البحر الإقليمي، مع أن هذا لم يكن الوضع العام الشامل حيث إن بعض الدول تدّعي حدود إقليمها بعدد من الأميال البحرية تتراوح بين 3، 4، 6، 15، 20، 30، 50، 70 وحتى 200. بالنظر لهذا الوضع لا عجب أن يشير الكثيرون من المعلقين إلى الوضع غير المرتب المزمن لقانون البحار. وعلاوة على "المياه الإقليمية" ثمة جوانب أخرى تشمل المبدأ الرئيسي للحرية وتتمثل بـ حقوق "المتحاربين" وحق المطاردة الساخنة، وكلاهما يرميان إلى إعطاء الدول امتيازات مؤقتة في بعض الظروف المحددة، وإن كان ذلك موضع نزاع، حيث يُدّعى أحياناً أن "حق المرور البريء" له الأولوية.

لقد كانت النزعة في القانون البحري تتحرك باتجاه توسعة الولاية لتشمل أجزاء من أعالي البحار وأدى هذا إلى تطوير مطالبات خاصة بـ "المناطق المجاورة" و"مناطق إقصاء اقتصادية" و"مناطق إقصاء بحرية" وحتى "مناطق تلوث". من الواضح أن هذا التحول هو بالتأكيد هو انعكاس لازدياد الوعي للإمكانات الاقتصادية والايكولوجية للبحر ولقلق بعض الدول وبعض الشركات متعددة الجنسيات لاستغلال ذلك إلى أقصى حد.

على أنه إلى جانب هذه النزعة نحو ضم البحر فقد نشأت حركة مقابلة، لا سيما بين دول "العالم الثالث"، أعلنت أن البحار وما تحتوي عليه من ثروات جزء من التراث الإنساني المشترك وبالتالي فهي تتجاوز نطاق المطامح الفردية للدول الأكثر ميلاً إلى الحيازة. هذه العبارة والمشاعر التي تعبر عنها أشاعها السفير أرفيد باردو من مالطا وسارعت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة إلى مساندتها. وكان الخوف من أنه مع اكتشاف المواد الأولية في قاع البحر ومع النمو السريع للقدرة التكنولوجية التي تمكن من استخراج هذه المواد فإن من شأن الدول الأفقر والأقل نمواً، ناهيك عن الدول غير الساحلية، أن تكون الخاسرة مرة أخرى إذا وجد مشاع عام للجميع من النوع المتضمن في المبدأ الأصلي لحرية البحار. وقد أدّى ذلك، بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد بشأن نضوب موارد العالم، إلى طلب النظر من جديد في الفلسفة التي ينطوي عليها قانون البحار.

والنتيجة هي انه ثمة ايديولوجيتان متنافستان في الوقت الراهن – حرية البحار مقابل الإرث المشترك – تتزاحمان على الموافقة العامة من جانب الجماعة الدولية. وقد حاول عدد من المؤتمرات قريبة العهد المعنية بقانون البحار، UNCLOS I (1958)، UNCLOS II (1960) وUNCLOS III (1974 - 82) حل الخلافات بين الموقفين. بل إن UNCLOS III اقترب من مراجعة المقاربة التقليدية بحيث يرى بعض المراقبين أنه الخطوة الهامة الأولى في اتجاه نظام اقتصادي دولي جديد. وحتى الآن، فقد وقعت أكثر من 120 دولة على النظام البحري الجديد. لكن الانقسامات القديمة تبقى وقد رفضت المقترحات حتى الآن الدول البحرية الرئيسية التي تستخدم البحار، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان والمانيا وايطاليا، بين دول أخرى. ويبقى أن نرى ما إذا كانت أقلية التقليديين ستضم صوتها في خاتمة المطاف إلى الرأي الجماعي أو أنهم سيواصلون التشبث بالمبادئ الليبرالية والمتساهلة للتقليد الغروتي (نسبة إلى غروتيوس).

منقووول للفائدة .
AlexaLaw