حقائق .. ولو بعد حين (2 )





المصالحة مع الشرطه لا تعنى التوقف عن اصلاحها بشكل علمي يتناسب مع روح 25يناير لأنه لا ينبغي العودة للدولة البوليسيه رغم أنه يجب علينا أن نتهيأ لمواجهة موجه جديدة من الإرهاب .

يبـدوا أن حالة غياب الحقيقة وســـواد الكــــذب والخـــديعة أمتد أثارها الى النفوس قبل العقول على نحو غير متصور فالكل أصبح يدور في دائرة مفرغة ليبدأ حيث انتهى دون أن يصل لحقائق الأمــور التي يبحث عـــن بيان لها فيصاب الجميع بحالة مـــن اليأس أخشى مـــا أخشــاه أن تتحــول مع الأيام لسلبية تسيطر على تصـــرفاتهم فتصيبهم حـالة اللامبالاة التي كانت قابضة عليهم طوال عصر مبارك فيفقد الوطن روح الإيجابية التي أظنهــا أهــم مكســب يمكــن أن تفـــرزه التغيــرات التي تلــحــق بالمـجتمعــات مــن جراء الثورات والحروب والانتصارات والنكبات وغيرها .

طامة السلبية

فنحن اذا خسرنا الإنسان المصري وفقدنا إيجابيته ورغبته في التغيير وطموحــه في الوصــول إلى الأفضـل نكون كمــا يقول أجدادنا "كأنك يا أبو زيد ما غزيت" وعندئذٍ لا يصبح هناك فائدة من كل ما جرى من أحداث اعتبارا من 25 يناير 2011 فلا المظاهرات او الاعتصــــامات او الاضرابـــــات أو حتى الدمــاء التى سالت تكون حققت فائدة تذكـر طالما انهـــا لــم تــؤدى لحـــدوث زلزال بداخل كــــل منا يدفعه إلى التخلص من ركام الصدأ الذي قبعنا في شرنقته منذ زمن بعيد ويحولنا لطاقات فاعله قادرة على الانتقال بأنفسنا ووطننا إلى الأحسن .

لذا فإن إزعاج شديد يصيبني عندما يتسرب لداخلي احساس بأن هناك حالة من القنوط والارتباك تسيطر على البعض خاصة لو كانوا من صناع الغد من أجيالنا المعقود عليها كل الآمال في إعادة بناء الوطن الذي أفشلنا في النهوض به , وهو ما يــحدث لي بالفــــــعل عندمــــا أتــــــابع بعـــض التعليقات على شبكــــــات التواصل الاجتمــــــاعي لما تحمل الكـــثيـــر مــــن معــــانى الإحباط واليأس فمــــثلا القارئ الفيسبوكي (بيتو.. بيتو) علق على مقالي الماضي بطرح سؤال (هي مصر رايحة على فين ) وبعد محاولات متعثرة منه قال (من الآخر أنا حاسس أننا راكبين عربية فراملها فوتت .. هذه إجابة سؤالي .. كل الاحتمالات مفتوحة ومفيش فايدة .. مفيش فايدة ) الأمر الذى يعكس حالة شديده من التخبط وعدم وضوح الرؤيا والإحباط ايضا.

والخوف كل الخوف أن تمتد تلك الوضعية المرتبكة الى اعماق مجتمعنا الذي بدأ يدخل بالفعل في براثنها بشكل واضح فالتقلبات التي تعرضنا لها على مدار العامين الماضيين يحتاج استيعابها لقدرات خاصة أشك في امتلاك الكثيرين لها فبعد سنوات طويلة من الجمود الذي بلغ حد التيبس تعرضنا لسلسلة من التقلبات السريعة جداً فكان الله في عوننا جميعاً فقد تحولنا عدة مرات من أقصى اليمين الى اطراف اليسار وبالعكس عدة مرات والكارثة ان ذلك كله يحدث في ظل مناخ من التزييف المتعمد والكذب والخديعة الذي تصر أطراف بعينها على صناعته دون خوف من خالقها أو رحمة بشعب تعتصره المصائب والأحزان .

تآمريه ممقوتة

بل هنـــاك مــــن لم يكتفي بكــل تــلك الضلالات وأنبري يلقي بأسلحة شيطـــــانية أخرى ليضاعف من حالة الارتباك التي نعيشها بإخضاع مالا يستطيع أحد انكاره من وقائع لتفسيرات تآمريه يشحذها خيال لا يمكن وصفه الا بانه عليل, فمثلاً عندما تعرض وزير الداخلية قبل عدة أيام لمحاولة اغتيال واضـــــحة المـــــعالم بشكـــل لا يمـــــــكن إنكاره فوجئت بالبعض يلمح لوقوف أطراف حكومية ورائها على اساس انها خطوة تأتي في اطار يتيح امكانية تمديد حالة الطوارئ وخلق حالة من الهوان الامني على نحو يدفع لقبول ترشيح الفريق السيسي لمنصب الرئاسة باعتباره الشخص القوي القادر على اعادة الأمان لوطننا .

والحقيقة أن مثل تلك التـأويلات المرجـفة يحتاج أصـحابها لإجراء نوع من المراجعة الذاتية بأكثر مما تتطلب من ردود موضوعية, لكني أحذر من اتساعها أو تركها تسبح دون صد لخطورة تأثيرها , فهي كانت واحدة من اسباب وقوع الجزائـــر في الدائرة الجهنـــمية التي عـــــاشت في ظلالها بالتسعينيات حيث كـــــان الكل يتبـــادل الاتهامات بـــارتكاب الجرائم الارهابية حتى بــــات الجزائريون لا يعرفــون ما اذا كــــانت تلك المذبحــــة أو الأخــــــرى ارتكبتــــها الجماعات المسلحـــــــة أم الجيــــــش أم العصابات الإجـــرامية الأمر الذى أدى لضبابية أخرت الحل كثيرا .

لذا سأواصل ما بدأته من طرح لما أراه يمثل حقائق أفرزتها المرحلة الماضية بكل ما فيها مــن صخب لعلــــها تنير ولو نقطه بسيطة تساهم فى رفع الظلام الذى غيم على سمائنا لنبتعد عن حالة الارتباك واليأس التى جثمت علينا لاسيما انى احاول قراءة واقع عايشناه معا باجتهاد واخلاص وكلى امل فى التعامل معه بقلوب صافيه وعقول مفتوحه .

تحسين العمل الشرطي

فمثلاً مــــــن الموضوعــــــات التي أحسبــــها صارت حقيقة ماثلة أمامنا أن مصالحة وطنية جرت بين الشرطة وغالبية الشعب في يونيو الماضي على نحو لم يكن متوقعاً لأن الانفجار الذي حدث في العلاقة بينهما في يناير 2011 أسفر عن جروح عميقة كان كل من يطالعها بموضوعية يدرك أنها تحتاج لزمن طويل واجراءات معقده حتى تلتئم ويتوقف نزيفها , لكن انحياز الشرطة للجماهير ضد نظام الاخوان أختصر الزمن وطوى المسافات المتباعدة واعاد العلاقة لمسار يمكن اعتباره صحيح , الا ان هذا لا يعني القفز علي حقيقة ان دولاب العمل في وزارة الداخلية يحتاج لمراجعات كبيرة مع الاعتراف بان تحسينات أدخلت علية في العامين الماضيين .

فمنظومة العمل الشرطي في حاجة ماسة لترسيخ قواعد جديدة في العمل بدأ من صياغة عقيدة أمنية متطورة تنحاز الي الوطن قبل كل شيء وتقدر حق الانسان المصري في العيـــــش بحـــــــريه وكـــــرامة , مروراً بإعادة النظر في أوضاع رجال الشرطة المعيشية إذ لابد من الارتقاء بها الي المستوى الذي يتناسب مع جهودهم وتضحياتهم ,وتعديل طريقة انتقاء طلاب كليه الشرطة من خلال اقرار قواعد تتيح لكافه الفئات والمستويات الاجتماعية الالتحاق بها مع اهمية مراعاة البعد الجغرافي في عملية الاختيار, وتغيير مناهج التعليم والتدريب بها رأسا علي عقب , واعادة النظر فى اساليب معاملة الطلاب بها لأنها التى تصنع الضباط الذين يئن البعض منهم , ووضع نظام عمل لا أقول مريح لرجال الامن وانما على الاقل يراعى اداميتهم , وانتهاء بتعديل قواعد العمل في كل المصالح الشرطية وصبها في اطار يطبق القانون بروح انسانية وطنية .

انما التغاضي عن هذا كله واعتبار ان المصالحة في حد ذاتها تمثل نوعاً من الرضا عن الاداء الشرطي فتلك مشكلة ستقودنا الى كارثـــة لا اظــــن ان مصــر تحتملـــها في ظـل الظروف الراهنه , لذا فلابد من الاسرع نحو تنفيذ خطة عمل متكاملة الأركان تستهدف اعادة ترتيب طريقة اداء جهازنا الأمني علي نحو يحقق مصالحنا العليا دون اهدار للقانون أو لحقوق المــواطن الذي هــو أهم مكــون في هذا الوطن.

لا لعودة الدولة البوليسيه

ايضا من الموضوعات التي تمثل حقيقه لا ينبغي تجاوزها أأأأأأأأااو الالتفاف عليها أن الجماهير التى خرجت فى 30 يونيو و3 يوليو لم تكن تستدعى الدوله البوليسيه مره أخرى وإن كانت لاذت بالجـــيش والشرطـــه لتخليصها من حكم الاخوان, فالعوده لمـا كان سائد قبــــل ينـــاير 2011 معنـاه اهدار الثوره بكل ما صاحبها من تضحيات وخسائر ومعاناه على مختلــف الأصـــعدة , فضلا عن انه لا يصنع المجتمع الذى نحلـــم به بل يعرضــــه لاحتماليه معـــــاوده الانفجار فى لحظه قادمــه .

والحقيقه أن صناعه الدوله البوليسيه فى عهد مبارك لم يكن مسئوليه الشرطه أو رجالــها وإن كان بعضـــهم استفاد لا شك من هذا الوضع , فالمسئوليه تقع أول ما تقع على نظامه فإفلاسه وافتقادها لرؤيه واضحه فى اداره شئون الدولـــه أو امتــــــــلاكه لأدوات قـــــادره علـــــى معالجه المشكلات وحل الازمات دفعه لتصدير الأمن لها حتى باتت الشرطـــه مطــــــالبه بحـــــــل كـــــــــل مـا يواجه المجتمع من معضلات .

فأزمـــــه الخـــبز الشهـــيره تدخـــــــل الأمــــن المركزي فى حلها، وانفلونزا الطيور قامت مديريات الامن بمواجهتها ، واعتصامات العمال واضرباتهم تعاملت الشرطه العاديه معها وهكذا , فضمرت مختلف الأجهزة الأخرى وتضخم الامن وزادت مساحه تصديـــه للجمـــاهير فى موضوعـــات لا يملك حلها الا باللغة التى يفهمــها فساءت العلاقه بين الطرفين الى الحد الذى عبرت عنه وقائع 28 يناير 2011 وما تلاه من أيام عصيبه .

وللأسف فقد لجأت الحكومه مؤخرا لخطوات أوحت للبعض أن الدوله البوليسيه عائده وان كانت النظره الموضوعيه تفسر اتخاذها لهذا المنحى بوقوعها تحت ضغوط اللحظة الراهنه وما تتبناه اطراف بعينها من تصرفات غير مسئوله لكن الخوف الحقيقي فى استمـــرارها وتمــــددها وتحولها لمنهج دائم يعيدنا الى النقطة صفر .

ولعل الخوف من عوده أجهزه الامن لسيرتها الأولى أحد أهم أسباب قيـــام فصائل التيار الإســـلامي بمعارضه نظام ما بعد يونيو المــاضي ومقاومتهم له لأن خبرتهم بها كانت غايه فى السلبية وفقا لتقديراتهم على الأقل , كما أن ذات السبب هو الذى يدفع آخرين سواء من أصحاب الانتماءات السياسية أو غيرهم من المواطنين العاديين للتململ منه والبواح بصوت عال احيانا أو هادئ بخشيتهم من العودة لممارسات لطالما ضاقوا بها .

صحيح أن هناك معطيات تدفع نحو اتخاذ اجراءات مشددة أو استثنائية لكى تتمكن الدوله من الحفاظ على تماسكها , فالإخـــوان ومــن معهم مصــرون على قلقـــلة الشــارع, والإرهـــاب عــاد يطــل بوجهـــه القــبيح, ومعدلات الجرائم الجنائيــة فى أعلــــى معــــدلاتــها ,والبلــــطجة أصبــــحت لــــــغـــــة التــــــــعامل السـائـدة , ونبرة رفض الانصياع لحكم القانون مرتفعة , لكــن ينبـــغي أن يكــون هــذا بقدر الحاجه ولمدى زمنى مؤقت ينتهى بزوال المبرر .

وذاك أمر لا غبار عليه فكلما زادت المخاطر التى تهدد كيان الدوله كان لجوئها لوسائل تمكنها من أحكام قبضتها مسألة مستساغه, ولعل فيما فعلتـه امــريكا وغيرها مـــن الدول الغربية عقب احــــداث 11 سبتمبر مــن اصدار تشريعات واتخاذ اجراءات تنتقص من حريات مواطنيها خير دليل ,اما أولئك الذين يصرخون ويولـولون كلمــا حــاولت الحــكومه الحفاظ على دولتها مــن الانهيار فى ظــل الظروف القاسية التى تمر بها فلديهم ادراك منقوص بكيفية ادارة بلد متسع يضم اكثر من تسعين مليون نفس لكل منهم أحواله وقيمه وثقافته الخاصة , لكن هـذا لا يمنع مــن طمأنة الشعب بالإسراع بتطبيق خارطـــة الطريـــق والانتقـــال لمرحــله الاستـــقرار المنشود .

الإرهاب قادم

كذلك من الموضوعات التى يتعين التعامل معها على انـها واقع ما يتصل بأن مصــر ستواجه موجــات مــن الارهــاب الأسـود لمــرحلة زمنيــة ليســت بالقصــيرة ,لا أقـول هــذا بمناسبة مــا يحـــدث بسينــاء أو غيـــرها مــــن المحافظات أو للحادث الذى تعرض له موكب وزيــر الداخــلية وانما ذاك حديث أكدته بعــد الانهيــار الأمني الــذي عشنــاه فـي ينــاير 2011 لشــواهــد عديــدة عززتها مـع الأسف سياسات حكومية كارثية لا استطيــع الآن الجذم ما اذا كان من اتخذها فعلها عامداً ام انه ذهب اليها غير مدركا ابعادها وإن كان في الحالتين يتحمل وزرها امام الله قبل الشعب .

ولعل من أهـم الأسباب التى ذهبـت بي الى حـد اليقين من أننا مقبلون علي موجه جديدة مــن الارهاب, ان عنــاصر خطــرة هربت مــن السجون بعـــد ثـــــورة 25 يناير, وان الأمــن فقد سيطرته على مـــا كان تبقى مـن جماعات عنف ,وأن مـن كــانت تـــراوده هــواجـس العــــودة اليه وجــد الفرصــة سانحـــه ،وان معلومات تسربت عــــن اتجاه القـــاعدة لدفع عناصرها بشمـــال افريقيــا لتمركز بسينـــاء للاستفادة مــن موقعها وطبيعتهــا الجغرافيــة, وان حدودنــا مع ليبيا صارت مهيأة لعبور من شاء من الكوادر الارهابية المتحصنة بأفريقيا الي الداخل, بالإضافة لما صاحب هــــذا كلــه مــن انفتاح غير مسبوق فى سوق السلاح .

وقد زاد الطين بلــه ما تم مــن السمـــاح لقيـــادات ارهابية معروفـــه بتاريخها الأسود بالعودة للبــــلاد وتركـــها دون رقابــه, بالإضافة لكارثه عفـــو الدكتور محمــــد مرسي عن مجموعات مــن أخطر الكــوادر الارهابية المحكوم عليـــــها بعقوبات متفاوتـــة دون ضـــــوابط محـــــددة وتحـــــت دعــــاوى لا أستطيــــع كما قلت الحــــكـــم الآن علي حقيقة دوافعها .

من هنا كـان توقعي بوقعنا تحـت براثن الارهاب الذي ظــل يرعى بسيناء علي وجه الخصـــوص أيام حكم مرسي دونما مواجهة حقيقيه, الأمر الذي اتاح لكوادره اقامة بنية قوية في ظل بيئة مهيأة مكنــتهم مـــن تحقيق ارتبــاط عضوي بنظرائهم مــن المتترسين بغـــــزة ممــــــــن هــم على عداء مع حماس أو ممن يعملون في اطارها سواء بشكل مباشر أو بخلاف ذلك , دون أن يعنى هذا أنى أنظر لحماس أو للدائرين بفلكها على أنهم يمارسون الإرهاب طالمـــا أن سهامهم موجهه الى عدونا الصهيوني .

لذا فأن علينا كشعب وأمن وغيره من المؤسسات الحكومية ان نكون مهيأين لتلك المواجهة القاسية وقد بدأتها القوات المسلحة في سيناء حيث تخوض معركـــة شرسة أظــــــن ان نتائجها بدأت تتحقق إذ لولاهـــــــا لتحولــــت تلك القطعة الغالية من ارضنا لتورابورا أخـرى .

وللحديث بقيه أن كان فى العمر بقيه إن شاء الله لعلني أتمكن من إضاءة شمعه تزيل ولو جزء بسيط من الظلام الذى يصر البعض على إغراقنا فى عتمته فالحقيقة لها نورها الذى لا يمكن حجبه مهما حاول المرجفون (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) الأنبياء 18.