عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .


عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .



عالم القانون

العدل أساس الملك - Justice is the basis
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
TvQuran
تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر 110
AlexaLaw on facebook
تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر 110
تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر 110
تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر 110
تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر 110
تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر 110

شاطر | 
 

 تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12655168

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 35

الأوسمه :

تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر 1384c10


الأوسمة
 :


تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر Empty
مُساهمةموضوع: تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر   تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر I_icon_minitime2/10/2011, 06:54

خيارات المساهمة


تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر

بعض من تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر

د. عماد طارق البشرى



تمهيد

يهدف هذا البحث إلى إجراء مراجعة للوظيفة الدستورية، في ضوء التحديات التي صارت تتهدد جانب كبير من عناصر هذه الوظيفة القضائية. وهذه تحديات فرضها واقع جديد، بات يلقي ظلالاً كثيفة على فاعلية الرقابة الدستورية، من زوايا الفائدة الاجتماعية التي المرجوة منها والمراهن عليها من قبل الجماعة المصرية.

ولعل ما يحدو إلى طرح مثل هذا الموضوع، الذي يرجو الباحث منه أن يكون بداية لمناقشات أكثر متعمقاً وأبعد محتوى، أن المفهوم الدستوري ليس مفهوماً قانونياً بالمعنى الفني وحسب، إنما هو مفهوم اجتماعي بالأساس. إذ يمثل الدستور نقطة تلاقٍ فكري، تضافر عندها الخيارات الفكرية المتبناة مجتمعياً، أيديولوجياً وعقدياً، على مستويات التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لذا فالدستور من هذا المنطلق يمثل البنية الفوقية، التي تعكس عناصر بنية تحتية كثيفة المستويات، يتأسس عليها الكيان المجتمعي للجماعة السياسية المعاصرة، التي تتراضى في مرحلة تاريخية معينة، الاجتماع على قاعدة من تآلف فكري، يجمع خيارات هذه الجماعة في هذه المرحلة. بيد أن المشكل يبدأ في ظهور عندما تتطور العناصر البنية التحتية تطوراً يفارق بعض الشيء ما هو منعكس في البنية الفوقية، ممثلاً في نصوص الدستور مبادئه، على نحو لا يصير معه الفوقي متأصلاًُ على التحتي. أو عندما يتم تطوير بعض من مبادئ البنية الفوقية دون أن يكون هذا مصاحباً بتطور حقيقي في عناصر البنية التحتية. إذ في مثل هذه الأحوال ينفصل الدستور عن جماعة السياسية القائمة، ولا يغدو معبراً عن أفكار هذه الجماعة. وهو المشاهد في النموذج الدستوري المصري المعاصر.

وهو ما سوف نتناوله بقدر من الإيجاز في حدود ما هو متاح في هذه المساحة البحثية، إذ سوف نستعرض الظرف السياسي الذي أفرز الوضع الدستوري المعاصر في جمهورية مصر العربية، أعقاب الاستقلال، وهي نقطة الانطلاق الدستوري الجدية في التاريخ الدستوري المصري المعاصر، والذي أوجد حاجة إلى نشأة قضاء دستوري، يمارس دور الحصن في حماية المبادئ الدستورية التي توافقت عليها الجماعة المصرية أعقاب الاستقلال، وانبنت عليها مصر الجمهورية العربية{1}.

المفهوم الفقهي للدستور من الزاوية التاريخية:

المراجعة التاريخية للواقع الدولي، تكشف عن أن أحد أهم التطورات السياسية التي شهدها العالم خلال القرن المنصرم، كان التطور الديمقراطي الدستوري في أوروبا سيما بأعقاب الحرب العالمية الثانية. ذاك أن معظم –إن لم تكن كل- دول أوروبا الغربية وما يلحق بها مما يعرف بالعالم المتقدم، تبنى وضعاً يتأصل فيه الاجتماع البشري على قاعدة من فهم دستوري متطور، يقوم على قاعدتين أساسيتين هما: مفهوم واسع لحقوق الإنسان باعتبار أن الإنسان هو جوهر وركيزة الهدف من الاجتماع الإنساني، وأن نظام الحكم يتعين أن يكون محدداً ومنضبطاً وليس مطلقاً.

لذا يكاد يستقر الفقه الدستوري المقارن على تعريف الدستور، باعتباره التقييد القانوني للدولة وسلطاتها، بحيث تتأصل صحة ممارستها لما تملكه من سلطات على حد التزامها الضوابط القانونية التي تنضغط هذه الدولة داخلها{{2. وعليه فإن نظام الحكم الدستوري يُعرف في ظل هذا الفهم، بأنه مجموعة الأدوات القانونية المصاغة في ضوء الأفكار والمبادئ المتقبلة جمعياً، والتي تضبط الأداء المؤسسي داخل الدولة. وعليه، فما فتئ الفقه المقارن أن ربط المفهوم الدستوري ربطاً كاملاً، بمبدأ الفصل بين السلطات، حيث يتم توزيع سلطات الدولة على عدد من المؤسسات والأجهزة، وبدورها تخضع كل منها لإطار قانوني محدد تتحرك داخله ولا تتجاوزه، مع إتاحة قدر من التعاون المشترك بينها، يمثل مجموعه إرادة الدولة{3}

غير أن ثمة حقيقة يتعين الاعتراف بها، ألا وهي أن المجتمعات الغربية وما يلتحق بها من مجتمعات العالم المتقدم، مرت بظروف تاريخية فريدة، أحدثت تطوراً هائلاً بكافة مستويات بنيتها التحتية، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ...الخ. هذه التطورات مهدت الطريق لإحداث أحد أهم منجزات القرن العشرين، ألا وهو نشأة الدولة القومية. وقد انبنت هذه الدولة القومية على فكرة محورية الإنسان داخل أي تجمع بشري يعتمد مفهوم الدولة القومية، شكلاً لنظام الحكم. وعليه فقد صيغت أهداف الدولة القومية –في دول العالم المتقدم- على أن ثمة التزاماً أساس يثقل كاهل هذه الدولة ويمثل هدفها الأعلى، وهو التزام ما نشأت تلك الدولة إلا لإشباعه، هذا الالتزام هو كفالة الخير العام للإنسان وضمان صالحه الكلي. من جماع ما تقدم، يتبين أن نشأة الدولة القومية في العالم المتقدم، تأسست على أوضاع مؤسسية لإشباع حاجات الإنسان، وذلك على أساس الديمقراطية باعتبارها مفهوم الحراك السياسي، وعلى أساس الدستور باعتباره أداة شرعية النشاط المؤسسي للدولة القومية. والحقيقة فقد نجحت الدولة القومية في دول العالم المتقدم، في توليف صيغة من التفاعل الإيجابي، على قاعدة من الأفكار الدستورية، حيث يتبوأ مبدأ الفصل بين السلطات مبوأ القلب منها، وحيث يتحدد معيار شرعة أعمال سلطات الدولة بمقياس الالتزام بالأطر والحدود الدستورية التي تنضبط داخلها مؤسسات الدولة وأجهزتها.

الوضع في مصر عشية الاستقلال وبعده:

كانت مصر عشية الاستقلال دولة، لها من المقومات، ما يمكنها من بناء الأوضاع المؤسسية، التي تأصلت عليها الدولة القومية في أوروبا خلال القرن العشرين. بيد أن النجاح الذي حققته الأخيرة في مقامات التنمية والتحديث، كان له أفضل الأثر فيما صار واقراً في وجدان الجماعة المصرية، من أنه بعد الاستقلال لا فكاك من إعادة بناء الدولة المصرية على الأسس المؤسسية التي تنبني عليها الدولة القومية الأوروبية، بل كانت ثمة قناعة بأن ليس ثمة خياراً آخراً، أمام شعوب المستعمرات، سوى تبني هذا النموذج السياسي لإدارة الاجتماع البشري.

والحقيقة فقد كان بتأثير الانتصار الذي حققته شعوبنا بالاستقلال، أن تحلقت الطموحات عالياً، آملة أن تبلغ شعوبنا شأواً من التحديث والتنمية، يلحقها بدول العالم المتقدم. وبذلك تعلقت بالدولة كل هذه الطموحات، الأمر الذي حمّلها، وهي بعد كيان وليد، بأعباء جسام، فقد صار مطالباً منها مكافحة مستويات عالية من الفقر والجهل والتدني في الخدمات الصحية العامة، فضلاً عن استكمال البناء المؤسسي للكيانات الدستورية، التي تتأصل عليها مؤسسات وأجهزة الدولة، كل هذا في ظل قيادة خطة تنمية اقتصادية/صناعية، يتم من خلالها تحديث المجتمع ليصير على غرار مجتمعات العالم المتقدم.

يضاف إلى هذا جميعه، أن صادف تبني نموذج الدولة القومية الوافد من أوروبا الغربية، مصاحباً بخطط وبرامج للتحديث والتنمية، أزمة حادة على مستوى كيفية توفيق أوضاع ونظم تلك الكيانات الأجنبية الوافدة، لتتناسق وظروف مجتمعنا الداخلية، وحدود التعديلات التي يمكن أن يتم إدخالها على تلك النماذج الأجنبية، حتى تتناغم والظروف الداخلية.

وعليه، فإذا كان النموذج الوافد للدولة القومية، يتأصل –كما تقدم- على أساس محورية مكانة الفرد داخل الدولة، وأن تكوينها المؤسسي يقوم على المفهوم الدستوري للفصل بين سلطات الدولة. فقد بات ضرورياً عند نقل هذا النموذج إلى بلادنا، أعقاب الاستقلال، أن يتم تأصيل الدولة القومية على أسس دستورية، تعتمد مبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما استتبع تأسيس مؤسسات هذه الدولة وبناء أجهزتها، وتعيين وظائف محددة لكل منها، مع تعيين دقيق لما تملكه كل منها من سلطات ومكنات، وذلك على نحو يحول دون التداخل بينها ويحول دون تركز السلطات في يد أحدها على حساب باقيها.

الوضع الدستوري العام قبل دستور 1971:

قامت الدولة القومية الحديثة في مصر في أعقاب ثورة يوليو عام 1952، والتي كانت السبب في تحرر إرادة الحكم في مصر، وبناءاً عليه فقد ابتنيت الدولة القومية التي عرفت بالجمهورية المصرية، على أساس من إرادة الاستقلال الحرة. وقد شهدت هذه الفترة عدداً من الدساتير والمشروعات والإعلانات الدستورية، وجميعها كانت محاولات لصياغة توليف دستوري أمثل لمجموعة الأفكار التي آمنت بها الجماعة المصرية حينئذ. غير أن أهم ما صبغ التصور الدستوري لهذه الفترة، هو إيلاء اهتمام بالغ بتأصيل الأبنية المؤسسية للدولة، بتحديد الأطر المؤسسية لسلطات الدولة المختلفة والتأكيد على ماهيتها واستقلالها، وتعيين سلطاتها ومكناتها ووظائفها. وقد صيغ ذلك جميعه في إطار من التصور الأيديولوجي للمجتمع، القائم على مفاهيم العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الثروة وتبني مشروعاً تنموياً تحديثياً يتخذ من التصنيع أساساً للإنتاج إلى جانب الزراعة.

وقد تمكنت الدولة في هذه الفترة من تحقيق قدر كبير من الأهداف التي رنت إليها، وذلك على مستويي التصنيع والتحديث المجتمعي، والأهم من ذلك جميعه، أن الدولة قد تمكنت من النهوض بمستويات الضمان الاجتماعي المتوفرة داخل المجتمع: من صحة وتعليم وتوظف وضمانات تقاعد. غير أن مما أصاب هذه التجربة من مثالب، تجاهلها لأصل الهدف الأعلى للدولة القومية، ألا وهو الإنسان من حيث هو إنسان بكل ما يتطلبه وجوده في الحياة من كرامة وحقوق وخير عام. حال كان ذلك الهدف هو الركيزة الأساس التي إنبنى عليها نموذج الدولة القومية عند بدعتها في التجربة الأوروبية. وقد كانت هذه المثالب محض أثر لعيب جوهري أصاب النموذج الدستوري للدولة المصرية الوليدة، مقتضاه ذاك العوار الجسيم الذي لحق مبدأ الفصل بين السلطات، وسيطرت السلطة التنفيذية على باقي سلطات إلى حد تهميشها جميعاً. ولم يكن هذا ليخلو من التبرير التنظيري، إذ قيل في هذا الخصوص، أن هدف الدولة هو تحقيق معدلات تنمية واسعة ومتسارعة، فضلاً عن تحقيق نهوض اجتماعي معتبر، وتوفير ضمانات اجتماعية تمكن الفرد من الاطمئنان على معايشه اليومية. وهذا هو الهدف، أما غير ذلك فهي لا تعدو أن تكون وسائل لهذا الهدف، وما دامت الأهداف في طريقها للتحقق فلا يهم مدى التثبت من الالتزام الدقيق بالوسائل.

غير أن ما حصل أن التنكب الذي حدث للوسائل، كان له أفدح الأثر على مستويات الأهداف ذاتها. ذلك أنه من الزاوية المنهجية، الوسائل إذا ما تقررت في نموذج معرفي معين، فإن ذلك يعني أمرين، الأول خالصه أن هذا النموذج المعرفي يؤصل نتائجه على مقدمات محددة، يرتبط بها ويدور معها وجوداً وعدماً، باعتبار أن النتائج المقررة ليس من سبيل لتحققها على النحو الذي يطرحه النموذج المعرفي القائم، إلا بتلك المقدمات، بحسبان تلك المقدمات عناصر إثمار تلك النتيجة. وبإسقاط ما تقدم على ما نحن عليه، تصير الأركان المؤسسة للدولة القومية وفق المنظور الأوروبي الوافد، بمثابة المقدمات التي ليس لسواها بد إذا ما أريد للنموذج الوافد للدولة القومية، أن يحقق من النجاح ما حققه النموذج الأصل. أما الأمر الثاني فهو أن تأصل النموذج المعرفي فيما يستخلصه من نتائج على مقدمات معينة، إنما يعني وجوب أن يتوفر للنموذج المعرفي كافة عناصر هذه المقدمات، وأن يتوفر لتلك المقدمات ذات العلاقات البينية التي اشترطها النموذج المعرفي لضمان تفاعل تلك العناصر على النحو المنتج للنتيجة. وبإسقاط ما تقدم على ما نحن عليه، يتبين أنه إذا ما أريد لنموذج الدولة القومية الوافد على مجتمعاتنا أن يحقق من النجاح ما حققه هذا النموذج في بيئته الأصل، فيتعين أن يتوفر لهذه الدولة الوليدة ذات العلاقات البينية القائمة في نموذجها الأصل، والتي تربط النشاط المؤسسي لأجهزة هذه الدولة، وتقوم بمزج هذه العناصر جميعها في توليف فريد، وحده القادر على تحقيق الأهداف المرنو إليها، باعتبار الأخيرة نتائج لمقدمات تتمثل في أسس الدولة.

ومن جانب، فإن أية نتائج أو أهداف يمكن أن تتحقق بعيداً على الالتزام الدقيق بالوسائل المقررة لها في نموذجها المعرفي، لا تكون منهجياً قائمة على ذاك النموذج المحاكى، وإنما تكون قائمة على نهج نموذج معرفي آخر. ولما كانت الدولة القومية التي ابتنيت في مجتمعنا، هي دولة محاكاة على النسق المعرفي الأوروبي للدولة القومية، وليس على أي نسق آخر لدولة أخرى، فمن ثم كان المتعين الالتزام الدقيق بكليات وأسس للنموذج المعرفي لهذه الدولة. وعليه، فإن ما حققته الدولة الوليدة في تلك الفترة الزمنية من إنجازات، كان خادعاً من زاوية أن هذه الإنجازات لم تكن قائمة على الأسس القويمة للدولة القومية، فمن ناحية حصل تنكب للهدف الأسمى من الدولة وهو الإنسان، ومن أخرى لم يُلتزم بدقة بالوسائل الدستورية المقررة، وعلى رأسها مبدأ الفصل بين السلطات. الأمر الذي كان له أوخم لعواقب على مستوى حقوق الإنسان وكرامته. بل أن ما يمكن أن يُدعى من أن هذه التجربة قد وفرت للإنسان قدراً من خيره العام وضماناته المعيشية، من صحة وتعليم وتوظيف وضمانات تقاعد، فإن ذات التجربة أثبتت أنه سرعان ما حصل تآكل لما تحقق من ضمانات للإنسان، وعلة ذلك أن الوسائل المقررة للأهداف في نموذج الدولة القومية، هي ليست فحسب لبلوغ الهدف المقرر وإنما أيضاً لضمان الحفاظ عليه وصونه والبناء على ما تحقق منه، الأمر الذي افترق إليه التطبيق الحاصل لدولة الجمهورية المصرية خلال تلك الفترة المشار إليها.

دستور عام 1971 وحتى الآن:

جاءت نشأة هذا الدستور، تحت تأثير المثالب والقصور التي أفرزتها التجربة الدستورية خلال الفترة الأولى، إذ صار واضحاً ودون أدنى شك، أن ما اتبع يتعين مراجعته، لتفادي عيوب الجوهرية التي لحقت بالنموذج المطبق للدولة، وعلى القمة منها إعادة التأكيد على محورية مكانة الفرد في أهداف الدولة، ثم التكريس لمبدأ الفصل بين السلطات لتفادي عيوب الماضي المتمثل في تجميع السلطات في يد واحدة، وهيمنة أحد السلطات على الأخرتين، ثم التأكيد على التزام كل مؤسسة من مؤسسات سلطات الدولة الثلاث بأجهزتها جمعاء، الحدود الدستورية المقررة لكل منها. لذلك صيغت نصوص هذا الدستور، متضمنة أحكاماً تتعلق بحقوق الإنسان في كافة مجالات التحقق الإنساني: الحقوق الشخصية والخاصة والعامة على سواء، وتفسيراً لذلك ورد في ديباجة الدستور أن "نحن جماهير شعب مصر: باسم الله وبعون الله نلتزم إلى غير ما حد، وبدون قيد أو شرط أن نبذل كل الجهود لنحقق: ... (رابعاً) الحرية لإنسانية المصري عن إدراك لحقيقة أن إنسانية الإنسان وعزته هي الشعاع الذي هدى ووجه خط سير التطور الهائل الذي قطعته البشرية نحو مثلها الأعلى. إن كرامة الفرد انعكاس طبيعي لكرامة الوطن، ذلك أن الفرد هو حجر الأساس في بناء الوطن، وبقيمة الفرد وعمله وبكرامته تكون مكانة الفرد وقوته وهيبته. إن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد فحسب، لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت". كما أقام الدستور، تكريساً لمبدأ الفصل بين السلطات، حدوداً قويمة واضحة المعالم بين سلطات الدولة الثلاث، وأقام رسماً دقيقاً للأطر الوظيفية لكل منها، محدداً العلاقات التي يتعين أن تنبني بينها، فلا تتداخل أنشطة مؤسسات وأجهزة هذه السلطات، وبالآن ذاته تخلق بينها تناغماً في الأداء يحول دون تعطيل بعضها للبعض.

غير أن من أهم ما أضافه هذا الدستور، هو النص على إنشاء قضاء دستوري تقوم عليه محكمة مستقلة، يعهد إليها وحدها بمهمة مراقبة لزوم أعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية، التي تعتبر من التشريعات بالمعنى الفني الدقيق، لأحكام الدستور. صحيح أنه كان قد صدر قانون عام 1969 بتقرير إنشاء محكمة عليا، تختص برقابة دستورية القوانين واللوائح، إلا أن ذلك لم يكن باعتباره أصلاً دستورياً، وإنما كان محض تشريع، لا يجد من دستور ما يؤكد عليه، بل إن الأقدار أبت ألا تعمل المحكمة العليا إلا في ظل العمل بدستور سنة 1971. المهم في هذا الخصوص، الإشارة إلى أن ما تضمنه دستور 1971 ولأول مرة في التاريخ الدستوري المصري، من نص على إنشاء قضاء دستوري مستقل، يولى مسئولية رقابة إلتزام سلطات الدولة في أعمالها التشريعية حدود وضوابط نصوص الدستور وأحكامه، إنما يحمل من الدلالة ما يؤكد على جدية هذا الدستور، في رأب الصدوع في التكوين الهيكلي للنموذج المطبق للدولة، والتي أصابت احد أهم أهداف الدولة، وهي الإنسان، كما أصابت آليات الوسائل المقررة لعمل الدولة بالكفاءة المطلوبة.

موقف المحكمة الدستورية العليا من حقوق الإنسان ومبدأ الفصل بين السلطات:

تجدر الإشارة إلى الدور المهم الذي اضطلعت به المحكمة الدستورية العليا، في مقام حماية الدستور وصونه. إذ يعود إلى هذه المحكمة فضل التعريف بكثير من أحكام الدستور، وتحريك تلك الإحكام لإنزالها موضع التطبيق، وسبر أغوار كثير من نصوص الدستور على النحو الذي منحها زخماً مكنها من تكريس ما انطوت عليه من معان ومقاصد.



والحقيقة تبوأ الاهتمام بالإنسان، حقوقاً وضمانات وكرامة، قمة اهتمامات المحكمة في أحكامها، وربطت بين التأكيد على ذلك وبين إلتزام سلطات الدولة الحدود الدستورية المقررة. إذ ذهبت المحكمة إلى أن "الدستور يمثل أصلاً –وكلما كان مواكباً لتطور النظم الديمقراطية، هادفاً إلى حماية الحرية الفردية ودعم انطلاقها إلى آفاق مفتوحة تكون بذاتها عاصماً من جموح السلطة أو انحرافها- ضمانة رئيسية لإنفاذ الإرادة الشعبية في توجهها نحو مثلها الأعلى وبوجه خاص في مجال إرسائها نظاماً للحكم لا يقوم على هيمنة السلطة وانفرادها، بل يعمل على توزيعها في إطار ديمقراطي بين الأفرع المختلفة التي تباشرها لضمان توازنها وتبادل الرقابة فيما بينها"{{4. وفي تعيينها لمبدأ الفصل بين السلطات، ذهبت المحكمة إلى أن "الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلاً بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها، كي لا تقتحم إحداها المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية أو تتداخل معها بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة. ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها –من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة- مطلباً أساسياً توكيداً لقيمتها الاجتماعية، وتقديراً لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، لردع كل محاولة للعدوان عليها"{{5. التداخل الاستثنائي في الاختصاصات بين السلطات المختلفة، ذهبت المحكمة إلى أن "الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل في نطاقها، بل تعد استثناءً يرد على أصل انحصار نشاطها في المجال الذي يتفق مع طبيعة وظائفها. وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها تعين على كل سلطة في مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة، وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه"{{6.



الأمر الذي يستبين معه، أن المحكمة الدستورية قد وضعت نصب أعينها، أوجه التحديات التي تواجه التنظيم الدستوري في مصر، سيما في ضوء ما أفرزه العمل الدستوري قبل دستور 1971 من قصور على مستوى محورية الإنسان وعلى مستوى الالتزام الدقيق بالوسائل الدستورية التي هي بمثابة آليات ضمانة لبلوغ الأهداف وحماية ما تحقق منها، على نحو ما أوضحناه آنفاً.



ما استجد من تحديات دستورية:

على أنه لما كان التغير والتطور والتبدل من السنن الكونية، وكان الواقع من التنوع بمكان، أنه من المتعذر ضغطه أبداً داخل ذات التصورات تنظيمية. لما كان ذلك، فقد أفرز العمل في ظرفنا الحالي، واقعاً صار يفرض على المحكمة الدستورية الموكول إليها مهام رقابة تطبيق الدستور وحسن التزام أحكامه، -أقول- صار يفرض عليها التنبه إلى تطور ما، يتعين عليها إدخاله على مفاهيمها الكلية تجاه عدد من المبادئ.

فقد كان مستقراً في اتجاهات قضاء هذه المحكمة، وبتأثير آثار حقبة ما قبل دستور 1971، أن أولت اهتماماً بالغاً بالملكية الفردية، إذ ما ينفك حكم من أحكامها الماسة بالأموال، إلا ويكرر التأكيد على قدسية الملكية الفردية وعصيانها على العدوان. كما أنه ومن جانب آخر، كان التعامل يجري فيما يتعلق بالضمانات الاجتماعية – التي تحققت إبان فترة ما قبل العمل بدستور 1971- على أنها أصل من الأصول المضمونة، ولا تحتاج إلى مزيد توكيد أو تكرار على مركزيتها، بحكم امتزاجها الكامل بحقوق الإنسان في العيش بكرامة. ومن جانب ثالث، كانت معظم مقدرات المجتمع في يد الدولة، من خدمات أساسية وسلع ضرورية ومن هنا كانت ضمانات الرقابة الدستورية موجهة إلى إدارة الأموال المملوكة للدولة.



غير أن هذا الواقع والذي استقر عليه نشاط المحكمة الدستورية العليا في مصر، ما لبث أن بدأ في التغير بتسارع ملفت للنظر، يستأهل سرعة مماثلة من قبل المحكمة في أدوات رقابته لدرجة ومستوى الانصياع لأحكام الدستور وحسن لزوم مقتضياته. إذ يفرض العصر الحالي واقعاً يشهد تآكلاً في حجم ومستويات كفاءة الضمانات الاجتماعية التي كانت موفرة لأفراد المجتمع، من خدمات صحية وتعليمية إلى فرص عمل وتشغيل مستقرة انتهاء بأوضاع التقاعد. يزاد إلى ذلك، أن تبدلاً حصل في السياسات الإستراتيجية لإدارة الدولة، إذ ثمة ميل واضح إلى رفع يد الدولة عن إدارة القطاعات الخدمية والسلعية الحيوية، وترك هذه الإدارة في يد القطاع الخاص. والمشكل الذي أفرزه هذا الواقع، أن صارت الضمانات الاجتماعية التي سبق وتحققت بكفاح الشعب المصري –على نحو ما تقرر ديباجة الدستور ذاتها- موضع تهديد، فلا يوجد في الدستور نص صريح يكرس حماية لهذه الضمانات ويؤكد على مستويات الكفاية والكم التي بلغتها، أو يقرر أنه لا يجوز النقصان منها. الهم إلا نصوص المواد (16) و(17) و(18) من الدستور، والتي لا تقرر سوى أحكاماً عامة تلزم الدولة بكفالة الخدمات الصحية والاجتماعية وخدمات التأمين الصحي والاجتماعي وبالتعليم المجاني خلال مرحلة التعليم الأساسي فحسب، دون أية إشارات إلى مستويات الكفاءة أو الكم التي تلتزم الدولة بتقديمها. فمثلاً في مجال التعليم فقد تمكنت الدولة من إنجاز قدر عظيم من الحماية الدستورية للإنسان من الجهل ومن ثم الفقر الناتج عنه، بتمكنها من إتاحة فرص تعليم مجانية لكل مراحل التعليم وإلى ما بعد الجامعي. ومن جانب آخر، فقد كان المستقر عليه في قضاء المحكمة الدستورية العليا، جفولها عن فرض ولاية رقابة الدستورية على أعمال ما تعدهم أشخاصاً خاصة، أكانوا أشخاصاً طبيعية أم معنوية، في حين أنها فرضت سلطان ولايتها على أعمال المؤسسات والهيئات العامة، وكان هاديها في هذا المعيار، أن ما يصدر عن الأشخاص الخاصة لا يعدو أن يكون أعمالاً خاصة، موضع مقاضاتها محاكم الموضوع باعتبارها والتصرفات الفردية على سواء. حال كون ما يصدر عن المؤسسات والهيئات العامة، وبحكم الطبيعة العامة لها، هي ذات عمومية وتجريد ما ينحو بها خارج التصرفات الفردية إلى مجالات التشريعات بالمعنى الفني الدقيق. بيد أن هذا الفهم، في ضوء التطور الداخل على إستراتيجيات الدولة في مجالات إدارة القطاعات الحيوية من خدمات وسلع، في حاجة ماسة إلى إعادة مراجعة، فتلك القطاعات التي كانت تديرها الهيئات والمؤسسات العامة، صارت تدار بواسطة أفراد وأشخاص خاصة، أي أنه بعد أن كانت اجهزة الدولة هي المحتكر الأوحد للقطاع الخدمي والسلعي الضروري، صارت أفراد وأشخاص خاصة هي هذا المحتكر.

هذه التغيرات باتت تفرض تساؤلات مستجدة على الواقع الدستوري، بحسبان اتصالها كلها وتداخلها وبشكل مباشر بحق الإنسان في العيش وبكرامة. كيف يمكن إعادة التطبيق الدستوري إلى أصله نموذجي، حيث الإنسان محور نشاط الدولة وهدفها النهائي الأعلى. ثم كيف يمكن إعادة صياغة مبدأ الفصل بين السلطات على النحو الذي يخدم محورية هذا الهدف.

وفي تقديري أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات، ليس بالأمر الميسور، والذي يمكن لباحث بمفرده أن يصل إلى حلول بشأنها، وإنما ما سوف أحاوله في هذا المقام على عجالة، ليس سوى طرح مبسط لعدد من الأفكار علها تفيد في هذا الخصوص:

1- بداية يتعين الالتفات إلى أمر غاية في الأهمية، وهو أن العمل الدستوري أدى إلى قدر كبير من الاستاتيكية في تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما صار عاكساً للمشكلة في أصل نشأتها، فبعد أن كان ثمة تجاهل لهذا المبدأ قبل العمل بدستور1971، صارت دجما احترام هذا المبدأ معيقة لرقابة المحكمة الدستورية العليا. وتفسير ذلك أن هناك الكثير مما يمكن للمحكمة الدستورية العليا فعله، على مستوى مراقبة التشريعات وأعمال السلطة التنفيذية التشريعية، إن هي توسعت قليلاً في ممارسة اختصاص الرقابة الدستورية، بالتوسع رأساً وأفقاً في رقابة ركن السبب في التشريع. فهذا الركن من الأركان التي تكاد تكون مهملة في عمل الرقابة الدستورية، وذلك على الرغم من أهميته القصوى. ويحتج في خصوص عدم التوسع في ممارسة رقابة موسعة على ركن السبب، بأن ذلك يؤدي إلى تدخل المحكمة الدستورية العليا في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما ينال من مبدأ الفصل بين السلطات. بيد أن تلك المحاجة على وجاهتها الظاهرية، لا تؤدي سوى إلى التطبيق الحرفي ونصي للمبدأ، على نحو يفضي إلى نتائج عكسية، إذ يحيل هذا المبدأ من وسيلة إلى هدف، ويتجاهل أصل الأهداف التي ما كان هذا المبدأ بحكم كونه وسيلة، إلا سبيلاً لبلوغها. وتتعين أهمية مراقبة ركن السبب في التشريع، في أنه من خلال هذا الركن يمكن سبر غور التشريع لمعرفة منطلقاته، وبالتالي معرفة ما إذا كان الإنسان هو هدفه النهائي أم أمر آخر. بيد أنه لا يجوز أن يفهم من ذلك، ان المحكمة تجفل عن ممارسة أي رقابة على هذا الركن، بل على العكس فاحكام المحكمة الدستورية العليا لتشهد على تطبيق هذه الرقابة في عديد من المرات. فقط ما نطرحه من تصور، هو توسع المحكمة في إعمال هذه الوسيلة من وسائل الرقابة الدستورية، توسعاً أفقياً بأن يكون عنصر رقابة سبب التشريع من العناصر الحاضرة في كل مرة تمارس المحكمة هذا الاختصاص، بمعنى تفعيل هذا اللون الرقابي على النحو الذي يكون معه هاجساً مستمراً في وجدان المحكمة عند ممارسة ولاية الرقابة الدستورية، فضلاً عن التوسع الرأسي في ممارسته، من خلال تعميق آليات هذا العنصر الرقابي وتنويع معاييره وإبداع إطار نظري له يتحرك من خلاله.

2- الأمر الآخر الذي يتعين القيام به، هو تطوير مناهج التفسير الدستوري، لتصير الأفكار الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته وضماناته المعيشية وأسس كرامته، هي المنهج الذي يتأصل عليه تفسير الدستور. إذ بذلك فقط يمكن للمحكمة أن تعيد قراءة كثير من نصوص الدستور، على نحو الذي يسبر أغوار، لتخريج أحكاماً تفيد في أصل الهدف من الدولة القومية على ما تقدم. والمحكمة إن فعلت ذلك، لا تكون مجاوزة البتة لدورها، وإنما -وهي الأمينة على الدستور منهجاً ونصاً وروحاً- تكون محيية لمجالات دستورية متجاهلة، هي الأهداف الدستورية العلى ومنهاج نموذجه الأصل. إذ لابد من إعادة التنظيم المنهجي لمجالات الدستور، فيظل الهدف هدفاً وتظل الوسيلة وسيلة، كما يتعين إعادة ترتيب الأولويات في ضوء تحديات الواقع المشتبكة مع تطبيقات الدستور. فإذا كانت حماية الملكية الخاصة في فترة زمنية أولوية منظوراً إليها من خلال واقع فرض هذه الأولية، فقد باتت الآن ضرورات حماية ثروات الشعب وضمان التدفقات الخدمي والسلعي للأفراد من ضرورات الواقع التي يتعين أن توضع موضع الأولوية. والمحكمة إن فعلت ذلك لن تكون مبتدعة لغريب، إذ من النظريات الحديثة في فقه التفسير الدستوري، ما يذهب إلى تأسيس هذا التفسير على ركيزة من معايير حقوق الإنسان، وهو ما يعرف بنظريتي Hypothetical Intent theory and Moral theory{7}.

3- يتعين إعادة النظر في موقف المحكمة من مراقبة أعمال الأفراد والأشخاص الخاصة، وهي المتعلقة بأي حق من حقوق الإنسان، فإن إيلاء مهام إدارة القطاعات الخدمية والسلعية الضرورية –في مجالات الكهرباء والماء والغاز والخبز- لبعض الأشخاص، يفيد أن أولئك الأشخاص قادرون على إصدار أوضاع تنظيمية، يتوفر لها من التجريد والعمومية، بحكم مراكزهم الاحتكارية وسعة تأثير هذه النظم على كافة أفراد الشعب. فإذا ما قدرنا أن ما حصل هو نقل لمركز الثقل الاحتكاري من الدولة إلى بعض الأفراد، يستبين لنا أن ما سبق واستقرت عليه المحكمة الدستورية العليا في فرض اختصاصها في مراقبة دستورية القرارات التنظيمية واللائحية للهيئات والمؤسسات العامة، -أقول- يستبين أن هذا يصلح قانوناً لفرض اختصاصها برقابة الدستورية على انشطة هؤلاء الأفراد والشخصيات الاعتبارية الخاصة ذات القدرات الاحتكارية، وذلك في أعمالها التي تتوافر لها من العمومية والتجريد ما كان يتوافر لأعمال الهيئات والمؤسسات العامة سلفها. وهنا أود التأكيد على أن ما يخضع لرقابة المحكمة الدستورية ليس كل أعمال هذه الأشخاص، إذ أن جلها على أغلب لا يعدو كونه تصرفات خاصة تداخل نطاق القانون الخاص وتخضع للاختصاص الولائي لجهات قضائية أخرى. إنما ما أعنيه في خصوص ما نحن عليه، هو تلك التصرفات التي تأتيها تلك الشخصيات الخاصة متعلقة بإدارة المشروع الاحتكاري، ويكون لها انعكاس عام على المجموع المستفيد من هذا القطاع الخدمي أو السلعي، أي تلك التصرفات التي تناظر ما يعرف بالقرار التنظيمي العام أو اللائحي إن كان هذا المشروع مداراً بواسطة هيئة أو مؤسسة عامة.

وبعد تلك كانت مجرد محاولة لإعادة قراءة الواقع المحيط بالرقابة الدستورية والذي منه ما بات يتهدد كفاءة هذه الرقابة وقدرتها على الممارسة بالكفاءة المتطلبة.

ولله قصد السبيل وبه التوفيق





{1} لن نتعرض في هذا البحث إلى الوضع الدستوري المصري قبل ثورة يوليو، باعتبار أن أساس طرحنا في هذا البحث، هو الوضع الدستوري الحقيقي الذي تراضت عليه الجماعة المصرية، وهو ما لا نتصوره إلا في ظل استقلال الإرادة المجتمعية، وهو بدوره لا يتصور تحقيقه إلا بعد الاستقلال. أما قبل ذلك، فمن العسير مراجعته مراجعة علمية دقيقة، باعتبار أن أحد ثوابت الاجتماع البشري كان ناقصاً، وهو ما يمثله استقلال الإرادة المجتمعية.

{2} Standford Encyclopedia of Philosophy – plato.standford.edu/entries/constitutionalism

{3} Encyclopedia Britannica 2006 – Ultimate Reference suite DVD – article: Political Philosophy.

{4} المحكمة الدستورية العليا – القضية رقم 23 لسنة 15 قضائية "دستورية" – جلسة 5/2/1994- مجموعة المكتب الفني للمحكمة – الجزء السادس.

{5} المحكمة الدستورية العليا – القضية رقم 22 لسنة 17 – قضائية "دستورية" – جلسة 3/2/1996 – مجموعة المكتب الفني – الجزء السابع.

{6} المحكمة الدستورية العليا –القضية رقم 25 لسنة 8 قضائية "دستورية" – جلسة 16/5/1992 – مجموعة المكتب الفني – الجزء الخامس، المجلد الأول.

{7} Will Waluchow – Constitutionalism - plato.stanford.edu/entries/constitutionalism/

منقووول للفائدة .
AlexaLaw

التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
 

تحديات تواجه مفهوم الرقابة الدستورية في مصر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

 مواضيع مماثلة

+
صفحة 1 من اصل 1

.:: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ::.


      هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة     
odessarab الكلمات الدلالية
odessarab رابط الموضوع
AlexaLaw bbcode BBCode
odessarab HTML HTML كود الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عالم القانون :: منتدى AlexaLaw لعالم القانون :: فروع القانون العام :: القانون العام الداخلي :: القانون الإداري-
انتقل الى:  
الإسلامي العام | عالم القانون | عالم الكتاب و الثقافة العامه | التجاره و المال و الأعمال | البرامج و تكنولوجيا المعلومات | تطوير المواقع و المدونات | الترفيهي و الإداري العام

Powered by AlexaLaw.com ® Phpbb Version 2
Copyright © 2010
.:: جميع الحقوق محفوظه لمنتدى عالم القانون © ::.

.::جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه و إنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه في حدود الديمقراطيه و حرية الرأي في التعبير ::.